الفنان العراقي حميد منصور: جيلنا ما زال مؤثرا ولديّ أغان لم تظهر بعد

  • 5/29/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الفنان العراقي حميد منصور من أعلام الغناء في العراق بما حفل به من مدارس وألوان موسيقية، نالت شهرة واسعة، وبقيت راسخة كرافد من روافد الموسيقى العربية والعالمية. في حوارنا مع الفنان نخوض حديثا شيقا، نقلّب فيه بعضا من صفحات مسيرته الفنية في حوار لا يخلو من الصراحة والبساطة. أحمد سميسم الفنان العراقي الكبير حميد منصور حنجرة ذهبية صدحت على مدى عقود من الزمن بأعذب الأغاني الخالدة، صوت يخترق شغاف القلوب وطلة أنيقة لم تبدلها عاديات السنين، فنان ذو قيمة فنية كبيرة استطاع أن يخط لنفسه لونا غنائيا خاصا لا يشبهه فيه أحد من المطربين، لذلك أغنياته لا تقبل أن تغنى إلا بصوته، غنى الكثير من الألوان الغنائية لاسيما البغدادية التي أجادها بحرفية عالية لا مثيل لها. لم تكن الشهرة هاجسه منذ بدء الغناء بل كان يشغله كيف يصل بصوته إلى الجمهور ليكون مؤثرا، نهل وتربى من بيئتين محافظتين، الديوانية حيث مسقط رأسه، والنجف، حيث صباه ودراسته واكتشاف الذات، يعتبر نفسه فنانا محظوظا وما زال مؤثرا في الساحة الفنية العراقية. هناك معلومة تقول إن حميد منصور قبل أن يلج مجال الغناء كان رادودا دينيا ويقرأ القرآن في محافظة النجف، يقول منصور عن ذلك “لم أكن رادودا، بل كنت أقرأ القرآن الكريم حين كنت ساكنا في محافظة النجف، وبعدها انتقلت إلى بغداد والتقيت بعدد من الأصدقاء المقربين المحبين للفن، فتغيرت البوصلة لديّ، وأصبحت أحب الفن وأعشق مجال الغناء". نسأله ماذا اكتسب ما بين مسقط رأسه في محافظة الديوانية وما بين النجف، ليجيبنا "بالنسبة إلى مسقط رأسي في محافظة الديوانية فلم أتذكر منها شيئا لأنني كنت صغيرا، أما محافظة النجف فانتقلت للسكن فيها عام 1954، ولمست الأجواء الدينية والطقوس الحسينية وصوت القرآن والأجواء الروحانية آنذاك". ويتابع الفنان "رُفضت من قبل لجنة الفحص المخصصة لاختبار الغناء ثلاث مرات، كون اللجنة كانت تريد لونا غنائيا جديدا، وأنا غنيت أغاني ذات لون حزين من ألحاني، ولم أدع أنها من ألحاني بل عنونتها باسم أحد الملحنين وأعجبوا بها، إلا أن اللجنة وصفت صوتي بـ‘الحسيني‘ بسبب حنينه وشجنه المتدفق، بعدها سجل لي الملحن الراحل محمد جواد أموري الكثير من الأغاني". مسيرة فنية ◙ حنجرة ذهبية ◙ حنجرة ذهبية ويواصل منصور "غنيت معظم الألوان الغنائية العراقية، إلا اللون الكردي فلم أغنه بعد بسبب صعوبة اللغة الكردية، وأنا أكثر فنان عراقي ممن غنى اللون البغدادي بطريقة عصرية خاصة تختلف عن اللون البغدادي المغنى في حقبة الستينات”. جيل حميد منصور يعد الجيل الذهبي للأغنية العراقية الذي أثرى الساحة الفنية بكل ما تمتلكه الذائقة من رقي وإحساس ورصانة، نسأله هل ما زال جيله يمتلك السطوة والتأثير الفني حتى اليوم في ظل انتشار الغث من الأغاني؟ ليجيبنا “أنا أعتقد أن جيلنا ما زال مؤثرا ويمتلك السطوة الفنية على الرغم من انتشار الأغاني ذات الإيقاع الخفيف، وأعتقد أيضا أن هناك صحوة في المجتمع في ما يخص الأغنية الحديثة، وبكل الأحوال الجمهور هو الفيصل الذي يميز بين الغث والسمين، لذلك الجمهور هو من أعادنا إلى الغناء خلال السنوات الأخيرة الماضية حين لم يسأل أحد عنا، وبالتالي كل فنان له لونه وجمهوره ومحبوه". هناك من الفنانين من تمثلهم أغنية بعينها تكون عادة مرتبطة بحدث خاص لكن منصور يشدد على أن كل أغنياته لا تمثله شخصيا، وليس لها صلة بأيّ قصة أو حدث معين مرتبط به. حميد منصور أكثر فنان عراقي ممن غنى اللون البغدادي بطريقة عصرية تختلف عن اللون البغدادي المغنى في الستينات حميد منصور أكثر فنان عراقي ممن غنى اللون البغدادي بطريقة عصرية تختلف عن اللون البغدادي المغنى في الستينات نذكر أغنية "يا حريمة" للفنان حسين نعمة وأغنية “مرة ومرة" للفنان الراحل رياض أحمد، كانتا لحميد منصور بالأساس، وحول قصة هاتين الأغنيتين يقول الفنان العراقي “هذا صحيح، أغنية ‘يا حريمة‘ كانت لي بالأساس قدمها لي الملحن الراحل محمد جواد أموري، وكنت حينها لم أصبح مطربا بعد فقلت له: حينما أصبح مطربا أغنيها، وبعد ذلك غناها الفنان حسين نعمة، أما أغنية ‘مرة ومرة‘ فهي أيضا كانت لي، لكنني رفضتها كونها ليست من لوني الغنائي، ولا أستطيع غناءها، لذلك قلت للملحن جعفر الخفاف أعط الأغنية للفنان رياض أحمد، وفعلا تم ذلك”. نسأله لماذا رفض عرض الملحن الكبير محمد الموجي حين دعاه للعمل معه في مصر، ليقول “كان ذلك في العام 1985 حين دعاني الملحن محمد الموجي أثناء تواجده في العراق في أحد المهرجانات لتقديم بعض من ألحانه لي، رفضت لأن الوقت كان حرجا آنذاك والسفر كان ممنوعا بسبب الحرب مع إيران، فضلا عن تسجيل الأغاني في مصر كان مكلفا، ويحتاج إلى وقت طويل لإنجاز الأعمال، وكنت مرتبطا بوظيفتي مهندسا زراعيا، لذلك لم تسعفني الظروف للعمل المشترك مع الموجي”. بعد هذه المسيرة الطويلة في مجال الغناء، نسأل منصور ما الذي منحه إياه الفن، وبالمقابل ماذا أخذ منه ليجيبنا “الفن منحني محبة الناس الكبيرة التي أراها في وجوههم حين أصادفهم في الشارع أو في أي مكان، أما من الناحية المادية فلم آخذ من الفن إلا الشيء اليسير، الفن لم يجعلني مليونيرا إلا أنني راض بما لديّ، ولا أطلب من أحد إطلاقا، ولست من الذين يشكون العوز”. يقال إن الفنان حميد منصور يقضي أغلب وقته في البيت، وهو ما يؤكده قائلا “هذا صحيح، أنا بيتوتي أقضي أغلب وقتي في البيت، لاسيما بعد أن فقدت الكثير من أصدقائي القدامى المقربين إلى قلبي وكان آخرهم الفنان الراحل ياس خضر”. وحول ما إذا كان الجيل الحالي يستمع لأغنياته ويستهويه لونه الغنائي، يقر الفنان بأنه ليست لديه إحصائية أو معلومات دقيقة بخصوص هذا سؤال، مستدركا “لكن ما الذي يجعل الجيل الجديد الحالي يغني الكثير من أغنياتنا في حفلاتهم ومناسباتهم على حد علمي إلا وكانت هناك سطوة وتأثير لوننا الغنائي في الجيل الحالي أو أن أغنياتنا مطلوبة من قبل الناس”. حياة الفنان ◙ المكرّم على الدوام ◙ المكرّم على الدوام ويذكر منصور أن علاقته بوسائل التواصل الاجتماعي ليست وطيدة، إذ لديه صفحة على فيسبوك يتصفحها بين الحين والآخر أو يتواصل بها مع الأصدقاء فلا تتعدى أكثر من ذلك. الكثير من الفنانين غنوا أغنيات حميد منصور، وحول إجادتهم لها أو فشلهم يرى أن الأمر ليس متعلقا بالإجادة أو الفشل، مقرا بأن هناك الكثير من الفنانين غنوا أغنياته بطريقتهم وحسب إمكانياتهم الغنائية وطبقات أصواتهم. ويتحدث منصور عن رحيل الفنان ياس خضر قائلا “وفاة الفنان الكبير ياس خضر أثرت فيّ كثيرا لأننا كنا لا نفترق، ولدينا تواصل ولقاء دائم، كان لقاؤنا شبه يومي أزوره بالبيت، وبالمقابل يزورني في بيتي ويبقى عندي لأيام نقضي وقتا ممتعا في الحديث مع الذكريات، رحيله أوجعني وكسر قلبي”. لو كانت هناك مهنة غير الفن كان يتمنى منصور أن يزاولها كان سيعمل مهندسا زراعيا في الثمانينات، هذه المهنة الوحيدة التي زاولها غير الفن، كما يقول. ولربما أهم سمة لافتة في الفنان هي المحافظة على قيافته، فلم نشاهده يوما إلا وهو أنيق، يقول عن المظهر الخارجي إنه “بالتأكيد المظهر يعني لي الكثير، أنا فنان ولديّ جمهور فلا بد أن أكون أنيقا ومظهري لائق، ويجب على كل فنان أن يهتم بأناقته”. ◙ الفنان يعتبر نفسه محظوظا بأعماله الفنية التي وصلت إلى العالم العربي وقدمته تجربة لها خصوصياتها ويقر منصور بأن هاجس الشهرة لم يكن يشغله ولا يعني له شيئا إطلاقا، بقدر اهتمامه بإيصال الأغنية بأسلوب مؤثر ومشوق إلى الناس، وأن يتميز بلونه الغنائي. ويتحدث عن أغرب موقف واجهه مع معجب يقول “هناك أحد المعجبين اقتحمني فجأة ليتفحص شعري ويتأكد إن كان مستعارا ‘باروكة‘ أم حقيقيا”. إن كان يرى نفسه فنانا محظوظا، يقول منصور “لله الحمد أعتبر نفسي فنانا محظوظا بأعمالي الفنية التي وصلت إلى العالم العربي، الكثير من الفنانين لم يستطيعوا أن يتواصلوا وبالتالي اختفوا، لامست الحظ من أغنياتي الأولى "توصيني" و‘طير الحباري‘، وحين غنيت "سلامات" أصبحت ضمن المستوى الفني المطلوب". وحول أغانيه التي لم تظهر بعد يقول “لديّ عدد من الأغاني ما زالت موجودة في مكتبتي الغنائية لم تسجل بعد بحدود 25 إلى 30 أغنية، لم أسجلها بسبب التكاليف الباهظة التي تصل تسجيل الأغنية الواحدة منها إلى 30 مليون دينار”. وإن كانت لديه النية في توثيق أرشيفه الفني للمحافظة عليه من الضياع، يقول حميد منصور “إنجاز الأرشيف الفني للفنان يتم من خلال المتابعين والمحبين لذلك الفنان، الفنان عبدالحليم حافظ والفنانة أم كلثوم أُرشفت أعمالهم الفنية من قبل الناس المحبين لهم، كذلك أرشيف الفنان الراحل ياس خضر أُنجز من قبل المصور الصحفي رزكار البرزنجي مشكورا، لا أخفيك جاء عدد من الناس الذين لديهم دراسات وبحوث في كلية الفنون الجميلة وزودتهم بالمعلومات عن أعمالي ونشاطاتي خلال مسيرتي الفنية”.

مشاركة :