** أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية الدكتور مراد اليعقوبي: - الحرب أحدثت تحولات عميقة بتعاطف الغرب مع غزة وهو ضربة للسردية الصهيونية القائمة على "المظلومية" - التحرك العربي ضعيف جدا ومخز، وخاصة النخب التي لا تزال حساباتها متعلقة بالألوان السياسية - الشعوب العربية متضامنة مع فلسطين، وحتى بالدول المطبعة، السفارات مغلقة ولا تجد مَن يقبل التعامل معها - "طوفان الأقصى" ضرب ثوابت إسرائيل، والمقاومة ضربت ما كان يُصَّدر للعالم من أن الصهاينة هم القوة الأولى قال أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس الدكتور مراد اليعقوبي إن ردود الفعل الغربية على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة أحدثت "تحولات عميقة في البنى الذهنية الغربية". ورأى اليعقويي في مقابلة مع الأناضول، أن "تعاطف النخب الغربية هو أكبر ضربة للسردية الصهيونية" منذ أن بدأت إسرائيل حربها على غزة منذ 8 شهور. وأضاف أن أخطر ما خسرته إسرائيل هو هذه السردية "القائمة على المظلومية، واعتبار أنها (الدولة) الديمقراطية الوحيدة بمنطقة الشرق الأوسط". ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة بدعم أمريكي، خلفت أكثر من 117 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين. وتابع اليعقوبي: "لا أحد كان ينتظر أن تقع هذه الفورة في العالم حتى من قِبل من نفذوا عملية طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي. وفي ذلك اليوم، هاجمت حماس قواعد عسكرية ومستوطنات محاذية لقطاع غزة، فقتلت وأسرت إسرائيليين؛ ردا على "جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى"، وفق الحركة. وأردف الأكاديمي التونسي أن هذه "العملية كان يُراد منها أسر بعض الإسرائيليين لمبادلتهم بالأسرى (الفلسطينيين)، ولكن في ما بعد تبين أن العملية وقعت بقوة ودقة وحرفية أبهرت الجميع". وزاد بأن "ردة فعل الصهاينة كانت خاطئة جدا؛ لأنهم كانوا يتصورون أن بعض الادعاءات، مثل اغتصاب النساء (خلال طوفان الأقصى)، ستنطلي، لكن وسائل الإعلام مثل الجزيرة ومواقع غربية كشفت الحقيقة". واستطرد: "أبرزت وسائل الإعلام للعالم أن الصهاينة الذين جيء بهم من أوروبا كانت جوازاتهم مكتوب عليها فلسطين، وأن الدولة الصهيونية صُنعت بقرار دولي بتصويت فيه غش، وأن الصهاينة لم يقبلوا التقسيم (فلسطين) عام 1948". وهذه المعطيات، حسب اليعقوبي، "اكتشفها الغرب بفعل وسائل التواصل الاجتماعي، مثل التيك توك وغيره". وتابع: "هناك مقالات في صحف غربية، منها لوموند (فرنسية)، مشرفة جدا، أعطت الحقائق كما هي، وهناك جهات يسارية ملتزمة بالدفاع عن حق الشعوب في التحرر". كشف السردية الإسرائيلية ووفق اليعقوبي فإن "كشف السردية الإسرائيلية لم يكن فكرة عربية، فأول مَن قام بها منذ الثمانينات مجموعة من المؤرخين الإسرائيليين". وأوضح أن من هؤلاء "شلومو ساند الذي كتب كتابا حول كيفية اختلاق الشعب الإسرائيلي وبيَّن فيه أنه لم يكن هناك شعبا إسرائيليا في فلسطين وخرج منها". وتابع أن "كشف هذه الحقائق شكل نوعا من الانبهار، وتجاوز الحق الفلسطيني إلى الانبهار والاطلاع على القرآن". وأردف: "هناك فورة كبيرة في التوجه نحو قراءة القرآن واكتشاف أن بعض الأفكار كانت خاطئة، وهذا طبعا من مفاعيل الطوفان (الأقصى)، وأفلح من سماه الطوفان لأنه شمل كل الأرض تقريبا". حركة الطلاب بالغرب ومنذ أبريل/ نيسان الماضي ينفذ طلاب وأكاديميون في جامعات بدول، بينها الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا، فعاليات رافضة للحرب على غزة وداعمة لحقوق الفلسطينيين، ولاسيما إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وقال اليعقوبي: "هناك خلفية تاريخية للتحركات، فجامعة كولومبيا (الأمريكية) هي التي تحركت ضد حرب فيتنام (1955-1975)". وأردف: "هناك توازٍ بين الحدثين (فيتنام وغزة)، أي أن مساندة الولايات المتحدة اللامشروطة وتوفيرها القنابل الضخمة لإسرائيل جعل مقارنة تُقام بين دور أمريكا في الإبادة الجماعية في غزة ودورها في فيتنام". وأضاف أن "حركة الطلاب في أمريكا تبعتها كل الجامعات في أوروبا.. وهناك مقال صدر في إحدى الصحف الصهيونية مؤخرا يقول إن أخطر ما خسرته إسرائيل هو ضياع السردية الصهيونية، بالتالي الخلفية الفكرية الأيديولوجية التي كان يبني عليها الكيان الصهيوني وجوده تقريبا انتهت". و"هنا نفهم ردة الفعل العنيفة واللاعقلانية تجاه هذه التحولات، فولايات أمريكية أصدرت قوانين تجرم المقاطعة (لإسرائيل)، وفي إحدى الولايات قدم أحدهم قانونا يحكم بـ20 سنة (سجنا) ضد مَن يدعو للمقاطعة، ومن حسن الحظ أنه لم تتم الموافقة على القانون"، كما زاد اليعقوبي. واستدرك: "لكن ردة الفعل هذه تبين لنا تأثيرات طوفان الأقصى في الوسط الشعبي العادي، وخاصة الوسط الأكاديمي والمثقف، (بما) يمثل كارثة إسترتيجية بالنسبة للكيان الصهيوني". غياب المجتمع المدني وفي مقارنة بين ردة فعل الشعوب الغربية ونظيرتها العربية، رأى اليعقوبي أنه "عندما نتحدث عن شعوب ككتلة موحدة متجانسة لا نعبر عن حقيقة الأوضاع؛ لأن الشعوب صنيعة ظروفها وارتباطها بالسلطة وكيفية العيش". وأوضح أن "الشعوب تعيش مما تنفذه السلطات وما تضعه من قوانين، وكل سلطة تصنع شعبها مع استثناءات". وتابع: "مَن يملك وسيلة القوة الوحيدة في دول الاستبداد هو الذي يملك وسائل السيطرة الفعلية، أي السلاح.. وفي الدول العربية ليست هناك مجتمعات مدنية". إلا أن اليعقوبي أكد أن "هذه الشعوب متضامنة مع الشعب الفلسطيني، وحتى في الدول المطبعة مع إسرائيل، السفارات مغلقة ولا تجد مَن يقبل التعامل معها، ووجود الصهاينة فيها مفروض بالقوة". واعتبر أن "التحرك العربي ضعيف جدا ومخز، وخاصة النخب التي لا تزال حساباتها متعلقة بالألوان السياسية ولم يفهموا للحظة التاريخية.. لم يفهموا أن تحرير فلسطين هو تحرير لشعوبهم". ومن بين أسباب ضعف ردة فعل الشعوب العربية، حسب اليعقوبي، أنها "مسألة منظومة دولية تركزت بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وفرضت تقسيمات ثم اتفاقات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي (1991)". وأضاف أن "أي تحريك لأي قطعة من البازل (الأحجية) سيؤدي إلى تغييرات جذرية، لذلك هم ملتزمون بالموجود، وأمريكا ملتزمة بالدفاع عن الصهاينة. وهذا يفسر تراجع ردود فعل الشعوب العربية". تراجع وانقسام عربي وردا على سؤال بشأن احتمال وجود علاقة "طوفان الأقصى" وإفشال مخطط لوأد القضية الفلسطينية، أجاب اليعقوبي: "نعم هذا صحيح ومؤكد، ولكن الأخطر هو مَن كان يريد قبرها وقتلها نهائيا". وتابع: "في الواقع هناك منظومة كاملة تشترك فيها أطراف كثيرة"، واعتبر أن بعض العرب اشترك فيها، لكنه استدرك بالقول: "طبعا الشعوب رافضة، لكنها لم تكن فاعلة". ورأى أن "الوضع العربي بدأ منذ عشرات السنين في التراجع تدريجيا والانقسام؛ نتيجة أسباب تتعلق بالداخل وطبيعة السلطات الموجودة فيه وطابعها العسكري والزعاماتي". ووفق اليعقوبي فإن "7 أكتوبر جاء تتويجا لمسار طويل، ففي وقت من الأوقات تأكد الفلسطينيون منذ الخمسينات، وخاصة بعد 56، أن الدعم العربي ليس فاعلا". وتابع: "بدأت تنضج فكرة لدى الفلسطينيين أنه لا مجال للحصول على الحق عن طريق ما تعطيه الأنظمة العربية أو ما تنسحب منه الدول العربية وتجود به القوة الأمريكية". وزاد بأنه "في نهاية الأمر تأكد الفلسطينيون أن العرب يخضعون لقوى دولية (..) وبدأ التباعد بين القيادات الفلسطينية والعربية تدريجيا حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم طوفان الأقصى". ضرب "الثوابت" الإسرائيلية كما ضرب "طوفان الأقصى" الثوابت الإسرائيلية، فوفق اليعقوبي "الصهاينة دولتهم قامت على مبادئ واضحة وهي حماية الفرد والتأكيد على أن الانتقام سيتم بأي شكل إذا تعرض لاعتداء". واستدرك بالقول إن "المستوطن (الإسرائيلي) اليوم غير مقتنع أن دولته ستدافع عنه بعد ما حدث بطوفان الأقصى (الهجوم على المستوطنات)". واستطرد: "كذلك ضربت عملية طوفان الأقصى وما يحصل من مقاومة الآن بعد أكثر من 8 أشهر من القتال ما كان يُصَّدر للعالم من أن الصهاينة هم القوة الأولى في كل الحروب التي خاضوها". و"اليوم نرى أن مجموعة صغيرة، ولكن مسلحة ومدربة بأسلحة ليست فائقة، يمكن أن ترد بعض الهجومات، وتقلب كل المعادلات.. معادلة الأمن لكل صهيوني، معادلة قوة الكيان الإسرائيلي"، كما ختم اليعقوبي. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :