وجهة نظر: التكامل بين السياسة المالية والصناعية وتعزيز دور القطاع التحويلي

  • 5/31/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لا تعمل السياسة المالية لتحقيق التوازن بالميزانية العامة (التوازن الداخلي) بمنعزل عن السياسات الأخرى. بل هي جزء لا يتجزأ منها. وإن إلقاء العبء على هذه السياسة، بالكامل، أمر غير منصف، ولن يحقق التوازن، بل العجز في فترات تواضع وانهيار الأسعار النفطية، كما أن عمل السياسة الصناعية بمنعزل عن دورها بالمساهمة في تصحيح اختلالات الميزانية العامة لن يساهم في رفع مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج (وتوسيع الوعاء الضريبي Tax Base الصناعي)، والصادرات غير النفطية بالحساب الجاري (التوازن الخارجي)، واستيعاب المزيد من العمالة في القطاع الصناعي التحويلي الخاص (تخفيف العبء عن الباب الأول بالميزانية). علما أن القطاع الخاص لا يستوعب إلا في حدود 72 ألف مواطن، حالياً، مقارنة بالقطاع الحكومي المستوعب حوالي 371 ألف مواطن، في نهاية ديسمبر 2023. وقد خطت وزارة المالية في الكويت خطوة موفقة، عام 2009، بإنشاء «وحدة الاقتصاد الكلي والسياسة المالية» رسميا، والتعاقد مع صندوق النقد الدولي لفترة لم تتجاوز أربع سنوات، انتهت عام 2016، لتقديم الدعم الفني. ولعل من أهم مهام الوحدة ربط الميزانية، إعدادا، ومتابعة، بتطورات الاقتصاد الكلي الكويتي العام والخاص، تأثيرا وتأثرا. بمعنى أن تكون السياسة المالية أداة فعالة لتصحيح اختلالات الميزانية والاقتصاد الكلي، في ظل إدارة اقتصادية كلية واضحة المعالم، وميزانية متوسطة الأجل بالمعنى (الاقتصادي) وليس المحاسبي. وقد كان الفضل لمعالي وزير المالية الأسبق، الدكتور يوسف حمد الإبراهيم، باقتراح إنشاء الوحدة أثناء توليه حقيبة الوزارة للفترة 2001 – 2003، بالتعاون مع الصندوق، (أملا) في تفعيل الدور الاقتصادي لوزارة المالية، كما هو وارد في كتابه الصادر هذا العام: سيرة في بناء وطن: آمال وتطلعات. إن من الصعوبة تحقيق ترشيد لمخصصات الباب الأول، وكذلك التحويلات، الباب الخامس بالميزانية، إلا من خلال تفعيل السياسة الصناعية، والسياسات الأخرى، الهادفة أولا إلى إحلال الواردات Import Substitution، وتشجيع الصادرات Export Promotion غير النفطية، أو كليهما، حسب الظروف الاقتصادية، المحددة من المتخصصين. وعند النظر الى آخر بيانات أولية لملخص التجارة الخارجية (المتضمن الصادرات والواردات من السلع والخدمات) يلاحظ أن قيمة الواردات السلعية حوالي 8644 مليون دينار، (وصادرات غير نفطية ذات مصدر محلي بحوالي 1151 مليون دينار، أي بنسبة 4.6% من إجمالي الصادرات، ما عدا إعادة التصدير). أما على مستوى الناتج المحلي لدولة الكويت فإن التسرب، على شكل واردات، يبلغ حوالي 14355 مليون دينار، حسب آخر بيانات متوفرة لعام 2019 عن تقدير الناتج المحلي الإجمالي بطريقة الإنفاق (وتشكل حوالي 36% من الناتج المحلي الإجمالي). وهو تسرب كبير لمصلحة البلدان المصدرة للدولة، وناتج عن ضعف الإنتاج المحلي مقارنة بالواردات (العرض الكلي من السلع والخدمات = الإنتاج المحلي + الواردات). والمطلوب، اقتصاديا، من ضمن متطلبات عديدة أخرى، العمل بكل أدوات السياسة الصناعية الهادفة لزيادة حصة الإنتاج المحلي إلى العرض الكلي من السلع والخدمات، ويتم ذلك من خلال مؤسسات سياسة صناعية تنافسية تعزز دور القطاع الخاص (المحلي + الأجنبي من خلال الاستثمار المباشر الموجه). على أن يتم توفير الفرص الاستثمارية التحويلية، وما يرتب عليها من خدمات صناعية، وذلك من خلال تحويل مبرمج، وتدريجي، لحصص من واردات السلع الاستهلاكية، والوسيطة، أولا، من الواردات الى الإنتاج المحلي (إحلال واردات. علما أنه لا يوجد بلد في العالم، سواء الدول المتقدمة حاليا والنامية سابقا، لم يمر بمرحلة هذا الإحلال. مع أهمية محاربة الاحتكار أثناء ذلك، والعبور، بشكل مبرمج اقتصاديا وفنيا، من إحلال السلع الاستهلاكية، إلى الوسيطة، و/ أو الانتقال من الاستهلاكية والوسيطة للسوق المحلي الى السوق الخارجي، الصادرات، وربط الحماية، بأشكالها المختلفة، بتوسع حصص سوق المنتجين المحليين، والتخلص التدريجي من حماية الصناعات التحويلية المحلية. الحماية والدعم الصناعي ضروري، إلا أنه يجب ألا يكون مستداما، مع ضرورة تدخل الدولة في حالة فشل السوق Market Failure، ولفترة معينة). إضافة إلى أهمية إعادة هيكلة دور المشروعات الصغيرة، اعتمادا على تجارب بلدان ناجحة في هذا المجال، القائمة على التكامل الرأسي لأحجام Vertically Integrated الصناعات. أخيرا، مازال الحيز الاقتصادي Economic Space بالدولة كبيرا، من خلال الاستخدام الأمثل للسياسة الصناعية، وغيرها، وكذلك الحيز المالي Fiscal Space (أنظر مقالة الأستاذ محمد البغلي بالجريدة بتاريخ 16 مايو 2024)، من خلال ترشيد بنود الإنفاق الجاري واتباع سياسة السقوف المالية Fiscal Ceils بشكل فعّال. ولغرض تفعيل الاستفادة من هذين الحيّزين، والإمكانيات الأخرى المتاحة، لابد من إعادة هيكلة مؤسسية تنتج عنها مظلة اقتصادية كلية واحدة تدير الاقتصاد، وتعتمد مبدأ الكفاءة والمهنية فقط لاتخاذ القرارات اللازمة لمختلف الوحدات الاقتصادية المؤسسية في الاقتصاد، وبشكل يضمن التناسق بين أنشطة هذه الوحدات (والتي تتكون، وفقا لنظام الأمم المتحدة لنظام الحسابات القومية SNA 1993,2088، المتبع في الدولة، من ست وحدات)، لتنويع الصادرات والدخل، وضمان الاستدامة بمعناها الواسع، أي النمو الشامل Inclusive Growth.

مشاركة :