تتسمّر العيون أمام الشاشات مع عرض أفلام الرعب، وتزداد ضربات القلب، وينتاب المُشاهِد فضول يلتهم مشاعره انتظارًا للمشهد التالي من الفيلم. وفي خضم تلك المشاهد، يتعرَّض الجسم لتغيُّرات قد لا تشعر بها، وقد تكون هذه التغيّرات جسدية، متضمّنة حرق سعراتٍ حرارية، ومنها ما هو نفسي كالخوف والقلق وربّما صعوبة النوم واقتحام الكوابيس لأحلامك، فما الذي يحدث للجسم تحديدًا عند مشاهدة أفلام الرعب؟ يميل بعض الناس إلى مشاهدة أفلام الرعب دونًا عن غيرها، ولم يُقدِّم العلماء تفسيرًا واحدًا مُجمعًا عليه لذلك الأمر، إذ يختلف السبب من إنسانٍ لآخر، لكن ثمّة بعض التفسيرات التي قد تُوضِّح سبب تلك الظاهرة عند بعض الناس ومن بينها: واحدة من أقدم النظريات النفسية المُفسِّرة لاستمتاع الناس بأفلام الرعب، هي نظرية "نقل الإثارة" لـ"دولف زيلمان"، التي ظهرت في السبعينيات، وتفترض هذه النظرية أنّ استمتاعنا ينشأ من خلال التأثير السلبي الذي يُحدِثه الفيلم متبوعًا بأثر إيجابي عند التغلب على التهديد في فيلم الرعب، ما يُؤدِّي إلى الابتهاج الشديد. تفترض بعض الدراسات أنّ استمتاعنا بأفلام الرعب ينجم عن فضولٍ كبيرٍ حول بعض الأمور، مثل الموت، أو ما يُشَار إليه بالجانب المظلم من البشر، كما وجدت أحد الأبحاث أنّ الفضوليين أو من لديهم فضول مَرضي هم الأميل لمشاهدة أفلام الرعب، وأقل شعورًا بالخوف بعد مشاهدتها. وحسب هذه الأبحاث، فإنّ أفلام الرعب تسمح لنا باستكشاف طبيعة الشر بصورةٍ غير مباشرة، سواء في أنفسنا أو في الآخرين، كما تُتِيح لنا مصارعة الجانب المظلم من البشرية، لكن في بيئة آمنة "أفلام الرعب". ليس الخوف أو الهلع هو التأثير الوحيد لأفلام الرعب، بل إنّ لها تأثيرًا على الجسد أيضًا، فرُغم إدراك الدماغ أنّ ما تحويه أفلام الرعب ما هو إلّا أوهام، لكنّه يتفاعل والجسم كما لو كانت التهديدات في الأفلام حقيقية. وعند مُشاهدة أفلام الرعب يتدفّق الأدرينالين في الدم، ويضخ القلب الدم بقوةٍ أكبر، بصورةٍ تُشِبه بدرجةٍ كبيرةٍ ما لو كُنتَ في رحلة في مدينة الملاهي، إذ تشعر بالرعب والخوف بينما تعلم بالوقت نفسه أنّك آمن. وقد صُمِّمت أفلام الرعب لإثارة مشاعر الخوف والتوتر عند الإنسان، ما يتسبَّب في إطلاق بعض الهرمونات، مثل النورأدرينالين، والكورتيزول، ما يُؤدِّي إلى زيادة مُعدّل ضربات القلب، وتوتّر العضلات، واتّساع حدقة العين. كشفت دراسةٌ أُجريت عام 2012 من قِبل باحثين في جامعة وستمنستر في المملكة المتحدة على 10 أشخاص يُشاهِدون 10 أفلام رعب مختلفة، إذ راقبوا مُعدّلات ضربات القلب ومقدار الأكسجين الذي يدخل إلى الجسم، وإنتاج ثاني أكسيد الكربون. وقد تسبَّب أحد تلك الأفلام في حرق كمية كبيرة من السعرات الحرارية لدى جميع مَن شاهدوه، فقد خسر أحد المُشاركين في الدراسة 184 سعرًا حراريًا من القفز والصراخ خلال مشاهدة الفيلم، وهو ما يُعادِل عدد السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم بعد المشي لمدة 40 دقيقة. قد يصعب النوم إثر تدفُّق الأدرينالين في الدم عند مشاهدة أفلام الرعب، فهو أحد النواقل العصبية المنوطة بالنشاط والانتباه، وحتى بعد انتهاء فيلم الرعب، يستمر شعور بعض الناس بالنشاط ولا يستطيعون الاسترخاء والخلود إلى النوم، والنوم الجيد أمرٌ ضروري للحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية على حدٍ سواء. اقرأ أيضًا:ماذا يحدث للجسم عند شُرب القهوة كل يوم؟ أظهر بحثٌ، حسب "healthline"، أنَّ قِلّة النوم قد تُؤثِّر سلبًا على مُعالَجة الدماغ للعواطف، كما ترتبط قلة النوم أيضًا بمشكلات الصحة النفسية، إذ إن ما يقرب من 90% من المُصابِين باكتئابٍ لا ينامون جيدًا ابتداءً. لأجل ذلك فإنّ أفلام الرعب لها أبعاد ضارّة على الصحة النفسية، خاصةً لو أقام الإنسان ليالي متتالية دون نوم، والأسوأ أنّ أفلام الرعب قد تُعزِّز الكوابيس خلال الليل، ما يقطع مرحلة النوم العميق التي يحتاج إليها الجسم كي يستيقظ الإنسان من نومه نشيطًا؛ لذا إن كانت أفلام الرعب تُبقِيك مستيقظًا بالليل دون نوم، فمن الأفضل تقليل مُشاهدتها. يُعدّ القلق أحد مشكلات الصحة النفسية الشائعة بين كثيرٍ من الناس، لكنّه قد يتفاقم مع مشاهدة أفلام الرعب بلا شك، بل قد يُعانِي بعض الناس "حساسية القلق"؛ بمعنى الخوف من الأحاسيس الجسدية المرتبطة بالقلق، وتفسير هذه الأحاسيس على أنّها تهديدات حقيقية "ليست وهمية كما في أفلام الرعب". فالمُصابُون بحساسية القلق هم أكثر عُرضةً للتأثيرات السلبية لأفلام الرعب، وقد تصل بهم في بعض الأحيان إلى نوبات هلع. اقرأ أيضًا:ماذا يحدث للجسم عند تناول المشروبات الغازية يوميًا؟ نعم، لأفلام الرعب أثرٌ إيجابي على الجسم بكل تأكيد، وليس المعنيّ هنا مشاعر الإثارة والنشوة التي يشعر بها بعض الناس مع مشاهدة أفلام الرعب، بل إنّها تُساعِد الإنسان على مواجهة مخاوفه، وحسب موقع "healthline"، فإنّ ذلك قد يكون مفيدًا خاصةً لمن يتلقّون علاجًا لاضطراب القلق أو الوسواس القهري، إذ تُساعِد أفلام الرعب في مواجهة المرء لمخاوفه، وتنمية ثقته بنفسه، وقد استُخدِمت في العلاج النفسي فيما يُعرَف بالعلاج بالتعرُّض "exposure therapy"، خاصةً للتغلب على الخوف. كذلك تُسهِم أفلام الرعب في تقريب الناس من بعضهم البعض، فعندما يُشاهِدون فيلم الرعب نفسه معًا، يكونون قريبين من بعضهم. ومع الخوف، يُفرِز الجسم هرمون الأوكسيتوسين، الذي يُشجّع الإنسان على البقاء قريبًا من الآخرين. ختامًا، إليك أهم النصائح لتجنُّب الخوف مع مشاهدة أفلام الرعب:
مشاركة :