شبح سياسات ليز تراس لا يزال يخيم على الأسواق

  • 6/3/2024
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الموازنة المصغرة الكارثية في المملكة المتحدة لعام 2022 سيناريو تحذيري للحكومة الأمريكية كل مرة تنخفض فيها أسعار السندات الحكومية يقفز إلى الذهن اسم واحد: ليز تراس، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، التي لم تدم فترة ولايتها الوجيزة أطول من صلاحية الخضراوات في السوبر ماركت. يحدث ذلك رغم أنها لم تلعب دوراً مشابهاً لدور جورج سوروس. كما أنها لا تدير صندوقاً يتمتع بالقوة والجرأة لإنجاح أو إفشال السلطات النقدية الأكثر احتراماً في العالم. ومع ذلك فإن إرثها الدائم للأسواق المالية يتلخص في هذا الدرس: إذا مارست ألعاباً سخيفة في أسواق السندات فلن تظفر سوى بغنائم مثيرة للسخرية، فقد دفعت خططها المالية، التي لم تلق قبولاً في خريف 2022، سوق السندات الحكومية إلى حافة الهاوية، كما انزلق قطاع المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة إلى هوة الفوضى، وامتدت تداعياتها عبر الأسواق العالمية. وتظل هذه الذكرى الماثلة في الأذهان عبرة باقية ورسالة تحذيرية، حيث لا ترغب أي حكومة أخرى في تجربة وضع مماثل لوضع ليز تراس. في الولايات المتحدة أطلق مكتب الميزانية التابع للكونغرس ناقوس الخطر، ففي مارس الماضي ذكر مدير مكتب الميزانية فيليب سواجل أن العبء المالي الأمريكي اتخذ مساراً «غير مسبوق»، مستشهداً بـ«تراس» كمثال على «الخطر» المتأصل في إثارة ردود فعل مفاجئة في السوق. وقد تجلى هذا مرة أخرى منذ أيام عندما تسبب مزاد ضعيف لديون الحكومة الأمريكية في انخفاض أسعار السندات، ومن ثم ارتفاع العائدات، ما أثار قلق حاملي فئات الأصول الأخرى، ولم يكن مزاد الديون اللافت للنظر كارثة، لكنه أيضاً لم يكن عملية سلسة كالمعتاد. ويعني الطلب غير المرضي على سندات جديدة مدتها 7 سنوات بقيمة 44 مليار دولار أن ما يسمى بالوسطاء الأوليين– البنوك الكبرى التي تسهل تداول سندات الخزانة بالتدخل لتغطية أي نقص – اشتروا 17% من الديون، وهو أعلى من المعتاد إلى حد ما، وربما هذا في حد ذاته لم يجذب الكثير من الانتباه، لكن اليوم السابق قد شهد أيضاً طلباً ضعيفاً على الديون لمدة سنتين و5 سنوات. وكان الجمع بين هذه العوامل، جنباً إلى جنب مع الشكوك الأوسع حيال استعداد الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة هذا العام، كافياً لرفع عوائد السندات الأمريكية القياسية لأجل 10 سنوات إلى 4.63%، وهو أعلى مستوى منذ بضعة أسابيع، كما تعرضت الأسهم لضربة قوية. وتساءل بول دونوفان، كبير الاقتصاديين في إدارة الثروات العالمية لدى بنك «يو بي إس»: «هل يتم تشديد الخناق على سندات الخزانة؟»، وقال: «كانت الأسهم متقلبة إلى حد ما نظراً لاضطراب السندات الناجم عن ضعف الطلب في مزاد السندات الأمريكية.. هل ينبغي أن يستاء المستثمرون؟». من المؤكد أنه يمكن بناء حجة، مفادها أن هذه مناوشات مبكرة، لكنها قد تصبح في السنوات المقبلة معركة شرسة بين خطط اقتراض الحكومة الأمريكية والأسواق. وتبدو الأرقام مخيفة؛ ففي نهاية السنة المالية 2023 كان حجم الدين الأمريكي المستحق يعادل قرابة 100% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في السنوات المقبلة، متجاوزاً مستويات الحرب العالمية الثانية بحلول عام 2029، وسيصل إلى 166% بحلول عام 2054، وفقاً لتوقعات مكتب الميزانية التابع للكونغرس. ما يزيد من تفاقم الوضع أن تكاليف الاقتراض باتت أعلى الآن، بعدما رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمواجهة للتضخم. وصرح مكتب الميزانية التابع للكونغرس أن تكاليف الفائدة ستصل إلى 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، وهي أعلى نسبة منذ عام 1940. وبعد 30 عاماً من الآن قد تنفق الحكومة الفيدرالية ثلث إيراداتها على الفوائد وحدها. ويؤكد معهد بيترسون أن «الأمة تسير على مسار مالي غير مستدام». وبالنظر إلى ذلك كله من السهل فهم سبب مطالبة مستثمري السندات بعوائد أعلى على الدين الحكومي الأمريكي، أو تراجعهم عن المزادات خوفاً من إطلاق موجة من السندات الجديدة. وقال رونالد تيمبل، كبير المحللين الاستراتيجيين للسوق في إدارة الأصول بشركة لازارد، إنه يشعر براحة بالغة حيال توقعات أسعار الفائدة الأمريكية ومرونة الأسهم، لكن هذا الوضع المالي هو «أكبر مخاوفه بشأن الاقتصادي الأمريكي»، والذي لا يرى أنه سيتغير. وأوضح: «لا أراه وضع يمكن مقارنته بوضع ليز تراس.. إنه أشبه بضفدع في قدر يغلي. وفي رأيي هذا سبب تخوف السوق في كل مرة نرى فيها هذه المزادات، وينبغي وضع المزادات على جداول الجميع كعامل مخاطرة». إن توسيع الآفاق مهم في هذه الحالة، فقد كانت التقلبات التي شهدها الأسبوع الماضي مجرد تقلبات مؤقتة، ولو كانت سندات الخزانة، وهي أهم الأدوات المالية في العالم، على وشك الانهيار، لكنت قد ذكرت ذلك بكل تأكيد ووضوح في سطور سابقة من هذه المقالة، ففي مقابل كل مستثمر مقتنع أن النظام محكوم عليه بالفشل، هناك آخر يعتقد أن الأمر برمته مبالغ فيه. وفي هذه المرحلة لم تفعل السوق أياً من الفخاخ، التي تصعد صدمة السندات إلى تهديد أوسع للاستقرار المالي، على غرار ما حدث مع «الموازنة المصغرة»، التي أقرتها تراس، عندما أدى انخفاض أسعار السندات إلى إثارة سلسلة عنيفة من ردود الفعل في منطقة معقدة من الرافعة المالية داخل قطاع المعاشات التقاعدية. ورغم أنه من المستحيل التنبؤ بالصدمات الحقيقية بحكم طبيعتها إلا أنه لا توجد مخاطر واضحة في هذه المرحلة في النظام الأمريكي. لقد خلص بول دونوفان من بنك يو بي إس إلى أن «هذا الوضع ليس نسخة أمريكية من كارثة ليز تراس في المملكة المتحدة»، مضيفاً: «الأسواق ليست فوضوية، والسياسات الحكومية لا تسبب زعزعة الاستقرار»، ومع ذلك، وكما يشير، من المرجح أن يبقى ذلك «سبباً للقلق». إن احتمال وقوع كارثة قائم على المدى الطويل، لكن في غضون ذلك ينبغي لنا جميعاً تعلم كيفية التعايش مع النكسات المتكررة، خلال الأشهر المقبلة. تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز كلمات دالة: FT Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :