* لابد من العودة للماضي وإن كان بعيدا لنلقي من خلاله الضوء على تجذر العلاقات السعودية – المصرية وخصوصا لتعلق المصريين ببيت الله الحرام ومثوى ومسجد سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقبل توحيد الجزيرة العربية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - كان لما يعرف بالتكية المصرية دور مشهود في الحياة الاجتماعية، وقد استمعت لرواية الرجال والنساء الذين عانوا من شبح المجاعة أثناء ما عرف بسفر بلك ما بين 1333- 1334هـ حيث تم تهجير سكان المدينة المنورة قسرا إلى تركيا وبلاد الشام وغيرهما، فكانت التكية المصرية وهي كانت تقوم في مدخل الحي الذي ولدت ومن قبلي الآباء والأجداد، ويحمل اسم العنبرية، كان هذا المركز الاجتماعي يوفر الطعام للنفوس الجائعة والخائفة، مقابل بعض المال. وفي بداية العهد السعودي تم ترتيب لقاء هام بين الملك عبدالعزيز والملك المصري – آنذاك - فاروق في مرفأ مدينة ينبع وكان ذلك في عام 1364هـ/1945م، وحمل اسم لقاء رضوي، ويذكر الباحث أ.د. خليفة عبدالرحمن المسعود بأن اللقاء لم ترشح عنه تفصيلات ولكنه ركز على القضية الفلسطينية وضرورة أن تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دورا ملموسا في دعم القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية ومشكلة الاحتلال الفرنسي لسوريا، وهذا يوضح حرص القيادة السعودية منذ تأسيسها على جعل القضايا العربية في أولويات اهتمامها، وبعد هزيمة حرب حزيران سنة 1967م كان للملك فيصل – رحمه الله – دور قيادي يعكس اهتمامه بدعم مصر ودول المواجهة العربية ضد الكيان الإسرائيلي، ويذكر المرحوم الأستاذ هشام ناظر في مذكرته التي دونها عنه – وفي حياته – الأستاذ والإعلامي الشهير تركي الدخيل – وظهرت بعد رحيله عن دنيانا بأن الملك فيصل أعلن في مؤتمر الخرطوم 1967م، حيث كان يجتمع القادة العرب، حيث أعلن مساهمة المملكة بمبلغ 55 مليون جنيه إسترليني لدعم دول المواجهة وهو مبلغ كبير جدا بمقاييس ذلك الزمن، وكان يكلف خزينة الدولة عبئا باهظا، ومع دهشة الجميع بما فيهم وزير البترول – آنذاك - معالي الأستاذ أحمد زكي يماني – متعه الله بالعافية. ويضيف المرحوم ناظر، بأنه حين تقدم الوزير يماني للسلام على الملك فيصل بعد وصوله لأرض الوطن كانت عباراته الموجزة والحاسمة: «يازكي» أنا قلت لـ هاشم أنتم تدبروا الأمر وتجيبوا المبلغ، ويذكر الباحث الإنجليزي ديفيد تشايلدز David, childs – تفاصيل قطع إمدادات البترول عن الغرب أثناء حرب أكتوبر 1973م ودور المملكة في هذه الخطوة السياسية بما لا يدع مجالا للشك في الموقف العروبي للمملكة السعودية والملك فيصل والذي خاطب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هارولد ويلسون Wilson مع بداية مناوشات الحرب العربية الإسرائيلية صباح يوم 22 may 1967، في دواوننيج ستريت أنه مهما كان الاختلاف بينه وبين الزعيم المصري جمال عبدالناصر، فإنني في هذه اللحظات الحاسمة أقف إلى جانب عبدالناصر في مواجهة عدونا المشترك وهو إسرائيل. ويستشعر قارئ مذكرات ويلسون الموسومة: The LAB our – Government,1970-1964. مدى الصدمة التي تلقاها ويلسون على خلفيته الصهيونية المعروفة. وجاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الأخيرة للبلد العربي مصر ولقاؤه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتبرهن على مدى العلاقة الوثيقة بين البلدين، وخصوصا الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي وقعت بين البلدين والتي وصلت تكاليفها الحالية بما يقارب 25 مليون دولار إضافة إلى إنشاء جسر يربط بين البلدين، وكان هذا الحدث التاريخي والأقوى له انعكاسات إيجابية على الشعبين المصري والسعودي، ولكن بعض الأصوات النشاز وخصوصا ما يعرف باسم تيارات الإسلام السياسي التي جيشت قنواتها الخاصة للإساءة إلى العلاقات السعودية المصرية على خلفية عودة جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية الموثقة تاريخيا وجغرافيا، وهذا الموقف الشاذ من هذه التيارات التي يتعاطف معها للأسف الشديد بعض الكتاب والإعلاميين العرب ويدافعون عن منهجها التكفيري أو بما يعرف في أدبياتها باسم (الحاكمية) وهو ما مثل تنظيرا فكريا ومؤدلجا للجماعات الإرهابية اللاحقة مثل داعش، وطالبان وبوكوحرام، ولا يمكن أن يجتمع في عقل وقلب واحد الولاء لهذا الوطن العزيز وبين الانضواء تحت مظلة هذه التيارات التي أفسدت على الأمة حياتها وتعايشها وكينونتها.
مشاركة :