سيداو: محطة تحول ضروري في رسم العلاقة بين الرجل والمرأة

  • 4/19/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الكلمة المرمزة (سيداو) أخذت تجول في أذهان الناس وتلوكها الألسن على هوى الخنادق التي يتحصن في أحفرها زيد وعمرو، فلا بد لنا والحالة هذه أن نسمي الرموز بأسمائها كاملة لتبيان وهضم ما نتحدث عنه وعلَّ هذا التبيان يلطف من حدة الألسن وما تلوكها من تصورات وأهواء وهواجس، فكثير من التعاريف عندما تتوضح بعناوينها تتلطف أجواء الحوار والنقاش بعدها. سيداو وبالانجليزية CEDAW كلمة مرمزة تستقي حروفها من أول الحروف في عنوان الاتفاقية باللغة الانجليزية The Convention on the Elimination of all Forms of Discrimination Against Women أي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة... ومن العنوان يستدل المحتوى، إذًا فنحن أمام كشف عن حال ومنعطف عن حال، هذه الاتفاقية تقول وبصريح العبارة إن المجتمع البشري مازال يعاني من خلل في طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى، وإن الرجل في المجتمع البشري ومنذ ألوف السنين مازال يعامل المرأة على هوى وجدنا آباءنا لها عابدين، وهكذا ومنذ أن كانت الزوجة تحرق حيةً مع زوجها بعد وفاته حسب بعض العادات والتقاليد في الهند وأقاصي الشرق، وكانت الفتاة المختارة بين ألوف الفتيات تسجى على سطح المذبح المقدس كي تقدم قربانًا للآلهة، بحرقها حيةً أو بطعنها إلى أن يفرغ الجسد البريء من كامل الدم، وبعضًا من هذا الدم يقدم للكاهن في كأس مقدس كي ينتشي بشربه وهو يمتع ناظريه بالضحية (الأضحية) المسجاة على سطح المذبح المقدس (المسلخ المقدس)، وكأنه يعوض نقصًا أو عجزًا خلقيًا بجريمة خلقية، وكان أهل فرعون يلقون بفتاة جميلة مختارة في نهر النيل تزلفًا الى الآلهة كي لا تصب جام غضبها على الناس بالفيض المدمر من مياه النهر الخالد، والأمثلة كثيرة كثرة السنين التي مرت، ولا ننسى كذلك جريمة وأد الإناث مباشرة بعد المولد، وهذه الجريمة مازالت تفعل فعلها في الفتيات الصغيرات في أقاصي القرى البعيدة في مناطق الهند والصين، وهناك دراسة حديثة تؤكد أن الوأد مازال يمارس في بعض المناطق، وهذه الأشكال من الجرائم هي الأقسى والأشد فتكًا بجنس المرأة وبمباركة من الوعي الجمعي لتلك المجتمعات. وقس على هذا النهج الدموي القاسي ضد المرأة، كيف كانت العلاقة التي تربط الرجل بالمرأة في إطار الأسرة، المرأة الزوجة، المرأة الابنة، المرأة الأم، المرأة الأخت، وإلى آخر القائمة. فنحن في القرن الحادي والعشرين مازلنا شهودًا على ما يسمى جريمة شرف!!! الأخ أو الأب أو العم أو ابن العم له شرف قتل فتاة بمجرد الشك عبر تفسير لكلمة قد تكون الضحية قد قالتها أو ابتسامة عابرة ألقت بظلالها على شاب عابر، كلها وأقل منها تكفي ليسل القريب للفتاة خنجره ويطعنها وهو رافع الرأس بين الناس في مجتمعه، بينما القضاء المدني عاجز أمام الجريمة... كيف ينسب الشرف إلى الجريمة؟ من أين أتت هذه المعادلة المشوهة، ومن أي منطق أستظلت الجريمة بالشرف... إن الذي بين الجريمة والشرف أبعد كثيرًا كثيرًا من ذاك الذي بين الثرى والثريا... إن منتهكات الحقوق ضد المرأة كثيرة، وما على المرء منا إلا أن يفتح عينيه وأذنيه بوعي إنساني نزيه كي يستكشف أن الخلل في العلاقة بين الرجل والمرأة مازال قائمًا ومباركًا ومدعومًا ومسنودًا الى مستويات القداسة. وهذا هو الجانب المكنون في محتوى الاتفاقية دون إعلان صريح، والاتفاقية ترى أن الوقت قد حان لتغيير الحال من حال الى حال، وأنه كفى ما كان جرم صريح ضد المرأة، والاتفاقية جاءت مؤدبة اللسان عندما استعاضت الجريمة بـ أشكال التمييز، فواقع الحال أن الخلل في العلاقة تتخلله أنماط من الجريمة، وعلى رأسها ما ذكرنا بوجود وأد الإناث الى يومنا هذا، وتزويج القاصرات اللاتي لم يتخطين السابعة من العمر وإلقائهن في أحضان كهول الستين وما فوق من ذوي المراهقة المستدامة ومن ذوي النفوس التي لا يجري في قنواتها أنفاس الإنسانية. فمازالت الفتاة تباع وتشترى وبصكوك رسمية، وما زال طرد المرأة من مسكنها ومأمنها بمجرد نطق كلمة طلاق، وقس من هذا مقاييس كثيرة جاء الوقت لمراجعتها من أجل القضاء عليها. إن هذه الاتفاقية قد جاءت متأخرة ثلاثين عامًا، خاصة وأن الامم المتحدة كانت قد أصدرت بعد الحرب العالمية الثانية الإعلان العالمي لحقوق الانسان، ومن المعيب على الاتفاقية أن المرأة قد نخلت منها، هل كان دون علم من صانعي الإعلان أم أن الصانعين حينها لم يبلغوا الرشد الانساني كي يعوا أن الإعلان ناقص، أم أن نفس يعقوب كانت هي الوحي... خير الذي وقع وتولدت اتفاقية تسد العجز والنقص في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وندلف من هنا بقناعاتنا وبمشاعرنا لنعبر عن موقفنا تجاه هذه الاتفاقية التي ترمي الى وضع العلاقة بين الرجل والمرأة على درب الإنسانية الحقة تمشيًا مع عصر النور والأنوار، الأنوار التي تضيء الطريق الى حضارة مستدامة. إن لسان حال الإنسانية والحضارة المتواصلة ينادي بأعلى صوته: هل هناك أحد يرضى أن يمارس التمييز ضد أمه واخته وابنته وحفيدته وجارته؟ الى متى وهذه الوصاية الذكورية الظالمة ضد المرأة... أليس في مبدأ التفاضل بين الأب والأم، ثلاث للأم وواحد للأب... أمك ثم أمك ثم أمك.. وبعد هذا الثالوث للأم... ومن ثم أبوك... واحدة للأب... من غير المعادلة ومحى ثلاثة التفضيل الى صفر الحقوق؟ ألم يحن الوقت لإحقاق الحق ورفع الوصاية الذكورية الغبية والانتهازية عن رقاب الأم والزوجة والأخت والابنة والجارة؟ عارٌ على البشرية أن يستمر التمييز ضد المرأة... وكيف لصناديد الرفض أن يرضوا على أمهاتهم بذل التمييز وقهر الإجحاف وسلب الحقوق؟ إن العالم يتقدم بروح المساواة بين الرجل والمرأة، يدًا بيد، يتقدمان الى الأمام... ليست هناك مشاكل التمييز ولا التمايز بين الرجل والمرأة في عالم الحقوق وأجواء النور والأنوار... لقد عانت المرأة وتحملت وزر الذكر وتصلف الذكر وعنجهية الجهل عند الذكر ألوف السنين، وكان الرجل ظالمًا لها... آن الأوان، وبريادة قوى النور والأنوار، لرفع الظلم التاريخي القبيح ضد المرأة... إن التمييز ضد المرأة قبيح وقح نذل هزيل جهول سفيه... إن القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة هو رفع للظلم التاريخي البغيض عن حقوقها الطبيعية وحقوقها التاريخية وحقوقها الإنسانية وحقوق حمل البشرية في أرحامها وهي تئن وتقاسي صبرًا وتتحمل وزر الظلم والقهر من الرجل من أجل الانسانية جمعاء... آن الأوان للرجل أن يعترف بظلمه ضد المرأة ويطلب عفوها ورضاها... آن الأوان وليست هناك رجعة في مسيرة الحق.. والحق يعلو ولا يعلى عليه... أنا رجل بين الرجال أتقدم الى كل امرأة وأنا منحني الرأس خجلاً من نفسي وطالبًا الصفح منها والرضى... أقول هذا وأنا ابن لامرأة فاضلة وزوج لامرأة فاضلة وأب لابنة فاضلة وأخ لأخت فاضلة وجار لجارة فاضلة وإنسان يعيش مع انسانة فاضلة... لا تمييز ولا تمايز... لا تفضيل ولا تفاضل... وبعد بزوغ هذه الاتفاقية يرد إلى الذهن سؤال جوهري وملح وهو: ما العمل؟ هل تترك الاتفاقية ملعبًا بين الحكومات ومنظمة الأمم المتحدة؟ أم أن هناك دورًا وأدوارًا لمؤسسات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات النسائية، ومن بعدها الجمعيات السياسية والمهنية وعلى رأسها النقابات العمالية والجمعيات السياسية المطلية بلون اليسار. أعتقد أنه من واجب جميع الجمعيات النسائية تبني اتفاقية السيداو وجعلها هدفًا نضاليًا من أجل دفع السلطات الى الموافقة على الاتفاقية بتوقيعها والتصديق عليها دون تحفظات... لأن تنفيذ وتحقيق ما جاء في الاتفاقية يمثل خطوة جبارة الى الأمام، الى فضاء التقدم الوطني والأمن الاجتماعي... ويجب أن يتصاعد الصوت الموافق والمساند للاتفاقية ضد الجهات المعارضة للاتفاقية... وهذه الاتفاقية بنصوصها وموادها التي تؤكد على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يجب أن تتحول الى وثيقة شرف عند الجمعيات النسائية... ولا يكفي التوقيع والتصديق على الاتفاقية، بل يجب رصد الممارسات التي تمس الجوانب الحقوقية للمرأة حسب المعايير المذكورة في الاتفاقية جميعها في الدولة للتأكد من عدم الإخلال ببنود الاتفاقية... أمام الجمعيات النسائية خاصة والجمعيات السياسية التقدمية عامة مهمة ملحة ومهمة وطنية راقية من أجل العمل على تحقيق الاتفاقية... ومن خلال هذه الاتفاقية يمكن طرح قضايا أخرى ذات العلاقة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية... إن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تمثل نقطة انطلاقة مهمة وأساسية بغية تمكين المجتمع التقدم الى آفاق مجتمع الحضارة المستدامة... ودولة القانون حقًا...

مشاركة :