يقول المحامي والسياسي الأمريكي الشهير أنطوني روبرت «إن سر النجاح هو أن تتعلم كيف تستخدم الألم والمتعة بدلا من السماح للألم والمتعة باستخدامك»! نعم من رحم التحدي يولد النجاح، ويتفتق عنه الإبداع، هكذا هي ترى كثيرا من النساء المتميزات، لذلك تؤكد أن وراء كل امرأة مبهرة معاناة ما، استطاعت أن تتخطاها وتتجاوزها، وهو ما تجسده الكثير من القصص التي أثبتت أن النجاح طريق طويل مليء بالصعاب والأشواك والعذاب والمثابرة، وأنه لا يحتاج إلى كثير من العلم، بقدر ما يلزمه من حكمة وقدرة على مواجهة مصاعب الحياة بثبات، ليصبح في النهاية محصلة اجتهادات صغيرة تتراكم يوما بعد يوم. سيدة الأعمال المهندسة نور جعفر المطوع، عضو مجلس تنظيم ومزاولة المهن الهندسية، ومجلس إدارة جمعية المكاتب الهندسية والمجلس الاقتصادي الاستشاري لجامعة البحرين ولجنة تحكيم مشاريع التخرج، وجدت شغفها منذ الصغر في الفن، وأبدعت في مجاله منذ نعومة أظافرها، حتى نالت عدة جوائز على مستوى المملكة في هذا المجال. هي صاحبة مشوار طويل من الإنجازات والنجاحات والانفرادات أهَّلها لأن تكون صاحبة بصمة خاصة في مجالها، علمتها الحياة الكثير من الدروس منها أن المرء كلما تعلم تملكه شعور بالضآلة، وأن التواضع وتقبل الآراء من أهم سمات النجاح، وأن رسالة المعلم الأولى هي تعزيز الثقة بالنفس لدى طلابه وتكريس قيم الاحترام والمسؤولية والعطاء بلا مقابل كي يصبح إنسانا صالحا وسويا في مجتمعه، وأن الأبناء بحاجة إلى أم ناجحة وسعيدة أكثر من قضاء وقت أطول معهم. حول هذه التجربة المميزة كان الحوار التالي: حدثينا عن نشأتك؟ - لقد كنت طفلة هادئة، متفوقة في الدراسة في كل المراحل، ونهمة بشدة للقراءة، حيث نمتلك مكتبة ضخمة في البيت تضم مئات الكتب، وحدث أننا تبرعنا للمكتبة العامة بعديد من المؤلفات، ويمكن القول إن أول تجربة ذقت فيها طعم التميز والنجاح كانت عند عمر عشر سنوات، وذلك من خلال مشاركتي في مسابقة فنية على مستوى مدارس البحرين بعمل عبارة عن لوحة فنية في المجال الصحي، تضم مجموعة من الأسنان تبتسم، وبها شخصيات كارتونية، وحدث ذلك نظرا إلى هواية الرسم التي أتقنتها جيدا في سن مبكر، وكانت الجائزة بلاي ستيشن لم أكن أعرف كيفية استخدامه، ولم أتوقع الفوز، واحتلالي أول اسم في الفائزين، ومنذ ذلك الحين أدمنت الشعور بالتميز والتفرد والحصول على تقدير وإعجاب الآخرين، ثم توالت المشاركات. متى ظهر شغفك بالهندسة؟ - بعد مشاركتي في مسابقة فنية لأفضل مكتبة مدرسية من خلال توقعاتنا لشكل المكتبة عام 2000، وذلك في بداية المرحلة الثانوية، هنا اكتشفت مدى شغفي بالهندسة المعمارية، ورغبتي في التخصص الدراسي في هذا المجال، وخلال فترة الجامعة أتيحت لي فرصة المشاركة في مسابقة دولية بتصميم نموذجي لمساكن عصرية بطابع بحريني، وحصلت على تكريم دولي من محكمين عالميين ومحليين وحصلت على جائزة الطلبة بها. وماذا عن مشروع التخرج؟ - مشروع تخرجي كان علامة واضحة بين المشاريع الأخرى، حتى أن المحكمين مازالوا يتذكرونني حتى اليوم، وقد حصل المشروع على إجماع بنسبة 98%، وكانت هذه هي أعلى درجة في التقييم، وكان المشروع عبارة عن مركز لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، وبعد التخرج حصلت على بعثة لليابان، وتدربت هناك لدى أكبر شركة هندسية تنفيذية للإنشاءات «كجيما» وكنت أول مهندسة عربية متدربة في هذه الشركة، وكان باقي الفريق من ألمانيا. ماذا علمتك تجربة التدريب في «كجيما»؟ - خلال عملي في شركة «كجيما» تعلمت الكثير من الخبرات منها احترام ثقافة الآخرين، وأذكر أنهم بسببي كعربية مسلمة تم تحديد مواقيت للصلاة وتوفير الطعام الإسلامي، كما تم تعديل بعض الأمور في البرنامج التدريبي التي لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا وبيئتنا، هذا فضلا عن تأكيدهم مسألة التخصص، لذلك نجد هناك مبدعين في مجالات محددة، وأعجبني كثيرا مدى تواضع المعلمين هناك حتى أن البروفسور الذي كان يدرس لي كان يقول لنا بأنه ليس متعلما كفاية كي يجيبنا على كل الاستفسارات في بعض الأمور، وبأنه فقط يمكنه إفادتنا في الأشياء الملم بها. أول محطة عملية؟ - كانت أول محطة عملية لي في وزارة الإعلام، ثم انتقلت إلى الأشغال، بعدها حصلت على بعثة لدراسة الماجستير من القنصلية البريطانية، وأخرى من السفارة الأمريكية، واخترت الأولى نظرا لأن مدتها كانت حوالي عام، وكان موضوعها عن المباني الحكومية النموذجية، وأذكر أن البروفسور كان يقول لي نفس الجملة التي سمعتها سابقا وهي أنه لا يعلم كل شيء، وهنا تعلمت أن الانسان كلما تعلم اكتشف أنه ضئيل، وبأن الناس التي تتمتع بالمعرفة تستمع أكثر، وتتصف بالتواضع، وبتقبل الآخر، حتى أن أستاذي يقول لي: «أنا أحترمك لأنك تتميزين عني بمعرفة لغتي وثقافتي»، وهنا تعلمت درسا آخر وهو أن رسالة المعلم الأولى هي تكريس قيم الثقة بالنفس والاحترام لدى طلابه مهما صغرت أعمارهم، وبذلك يصنع منهم أشخاصا يتعاملون بنفس الأسلوب مع غيرهم في المستقبل، إلى جانب منحهم الإحساس بالمسؤولية وعدم التسرع والحكمة عند اتخاذ القرار، وهذا هو الدور التوجيهي والإرشادي المهم إلى جانب التعليم. كيف ترين الجيل الجديد؟ - أنا أرى الجيل الجديد بشكل عام طموحا، ويعيش فترة ذهبية لم نعشها نحن، فهو يتخرج، ويجد فرص العمل سواء داخل وطنه أو خارجه، وقد يكون ذلك أون لاين، كما تتوافر لديه مصادر المعلومات، ومن ثم أطالبه باستغلال هذه الفرص بأسلوب صحيح، وعلينا أن نوجههم ونذكرهم بهذه النعم والمميزات، ولعل الخطورة الأكبر التي تتهدد هذا الجيل هو فكرة البحث عن الثراء السريع بأقل جهد ومحتوى غير مهم، وهذا ما حاولت أن أتفاداه مع أبنائي من خلال غرس قيمة العطاء في أنفسهم حتى من دون مقابل، وهو أمر ضروري خاصة وأنهم يعيشون اليوم عصر الماديات، ويقوم على تربيتهم الكثير من الأطراف وليس الآباء فقط. ماذا تتطلب الموازنة بين الأسرة والعمل؟ - لا شك أن موازنة المرأة بين مسؤوليات عملها وطموحها عملية صعبة للغاية، لكنها تظل تحرص على تحقيق هذه المعادلة عبر مشوارها، وأنا شخصيا على قناعة تامة بأن الأبناء بحاجة إلى أم ناجحة وسعيدة أكثر من وجودها معهم ساعات أطول، وهذا ما قرأته عنه في إحدى المؤلفات وتأثرت به كثيرا، لذلك لا ينبغي لأي أم عاملة الشعور بالذنب تجاه أبنائها في حال انشغالها عنهم، لأنه من الممكن قضاء عدد قليل من الساعات الإيجابية معهم، وبشكل عام أرى المرأة البحرينية اليوم تعيش اليوم أزهى عصورها، فقد استطاعت الحصول على كل حقوقها، وأثبتت كفاءتها، وقدرتها على المشاركة في بناء وطنها، وشخصيا لم أواجه أي مشكلة لكوني امرأة في أي مرحلة من مراحل مشواري، وعلينا أن نعلم جميعا أن نجاح أي امرأة يكون في الغالب نابعا من معاناة كبيرة، استمدت منها قوة خارقة ودافعا كبيرا للمواصلة إلى الأمام. سلاحك في الحياة؟ - من الطبيعي لأي إنسان أن يمر بمراحل وتجارب صعبة في الحياة عبر مشواره، وقد حدث ذلك لي، ولعل سلاحي في مواجهة ذلك هو إيماني المطلق بأن الوقت يعطي أي مشكلة حجمها الحقيقي، وأنه لا يجب التوقف عندها، بل تجاوزها بكل قوة وتفاؤل في مستقبل أفضل. هدفك القام من خلال عضويتك بلجنة مزاولة المهن؟ - أتمنى عودة الهيبة إلى القطاع الهندسي في مملكتي لكونه يمثل حضارات الشعوب في أي دولة، فالقطاع العمراني هو مقياس لتطورها ومدى تحضرها، والتعبير عن هويتها، واليوم أجد العالم يتجه نحو الطابع المعماري الصديق للبيئة الذي يحافظ عليها دون حدوث أي استنزاف لثروات الأجيال، ويبقى هذا هو التحدي الأهم الحالي أمام كل العاملين في هذا القطاع، كما أتمنى أن يتم الاستفادة من المهندس البحريني الكفؤ على الصعيد الإقليمي، وألا يشكل الحاجز الجغرافي عائقا أمامه لنقل خبراته والتعلم منها.
مشاركة :