فيينا – أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المؤلف من 35 دولة قرارا الأربعاء يدعو إيران إلى تعزيز التعاون مع الوكالة والتراجع عن الحظر الذي فرضته في الآونة الأخيرة على دخول مفتشين من أصحاب الخبرة، رغم المخاوف من أن ترد طهران بتصعيد أنشطتها النووية. والقرار الذي له بعد رمزي حتى الآن، يهدف الى زيادة الضغط على إيران التي حدت في شكل كبير من تعاونها مع الوكالة الاممية في الاعوام الاخيرة. وقال دبلوماسيون إن المجلس وافق على القرار بتأييد 20 دولة ومعارضة اثنتين وامتناع 12 دولة عن التصويت. وهذا القرار متابعة للقرار السابق الذي صدر قبل 18 شهرا وأمر إيران بالامتثال السريع لتحقيق تجريه الوكالة منذ سنوات في آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في مواقع غير معلنة. ورغم نفي ايران وجود أي رغبة لديها في الحصول على القنبلة النووية، إلا أن برنامجها يواصل تقدمه. ووفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إنها الدولة الوحيدة من بين البلدان التي لا تملك السلاح الذري، القادرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 بالمئة وتشكيل مخزونات تزيد باستمرار. وهذه العتبة قريبة من مستوى الـ90 بالمئة اللازم لصنع قنبلة نووية وتتجاوز بكثير السقف المسموح به والبالغ 3.67 بالمئة وهو يُعادل ما يُستخدم لتوليد الكهرباء. وتقلص عدد المواقع الخاضعة للتحقيق إلى موقعين بدلا من ثلاثة، لكن إيران لم تقدم بعد إجابات شافية للوكالة عن كيفية وصول آثار اليورانيوم إلى هناك. وقالت بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان للمجلس عن القرار الذي تقدموا به “ضرورة أن يُخضع المجلس إيران للمساءلة على التزاماتها القانونية أمر طال انتظاره كثيرا. يتعين على إيران أن تعجل بتعاونها الكامل الذي لا لبس فيه مع الوكالة”. ومنذ القرار السابق، تزايدت قائمة المشكلات التي تواجهها الوكالة في إيران، ودعا النص الجديد طهران إلى معالجة عدد من هذه القضايا. وفي سبتمبر/ أيلول، حظرت إيران دخول كثيرين من كبار خبراء التخصيب بفريق التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما وصفه رافائيل جروسي المدير العام للوكالة بأنه “غير متناسب وغير مسبوق” و”ضربة خطيرة جدا” لقدرة الوكالة على الاضطلاع بعملها كما ينبغي. وجاء في القرار أن المجلس “يدعو إيران إلى التراجع عن سحبها تعيينات عدد من مفتشي الوكالة ذوي الخبرة وهو أمر ضروري للسماح الكامل للوكالة بالاضطلاع بأنشطة التحقق في إيران بفعالية”. مع إعادة وصل كاميرات المراقبة “بدون تأخير”. وقد يشكل القرار تمهيدا لنقل الخلاف الى مجلس الامن الدولي الذي يستطيع فرض عقوبات. لكن هذا الامر نظري فقط، انطلاقا من تقارب سُجل في الاعوام الاخيرة بين ايران وكل من روسيا والصين، العضوين الدائمين في المجلس. وتم تعديل نص القرار بعد مفاوضات مكثفة مع الاميركيين الذين لم يؤيدوا في البداية تبني قرار جديد. حيث قرر الأوروبيون رغم التردد الأميركي التحرك على صعيد الملف النووي الإيراني، مع طرحهم خلال الأسبوع الحالي، مشروع قرار يدين عدم تعاون إيران على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يبدأ أعماله الاثنين في فيينا. ورغم أن واشنطن تنفي رسميا أن تكون تلجم جهود حلفائها الأوروبيين، إلا انها تخشى أن يفاقم تحرك كهذا التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر. إلا أنّ مصادر دبلوماسية تعتبر أن هذه السياسة غير قابلة للاستمرار نظرا إلى التصعيد الحاصل. وتدهورت العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كبير وتواجه الوكالة الأممية صعوبة في ضمان “الطابع السلمي” لبرنامج طهران النووي. وزار المدير العام للوكالة رافاييل غروسي إيران في مطلع أيار/مايو لمعاودة الحوار مطالبا ب”نتائج ملموسة بأسرع وقت ممكن”. لكن مقتل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي في حادث مروحية علق المحادثات. لكن الدبلوماسيين يعتبرون ذلك ذريعة في غير مكانها وهم يعتبرون أن الوقت حان لتشديد الضغوط على إيران. ويتناول مشروع القرار نقاط الخلاف كلها. وعلى رأسها، العثور على آثار يورانيوم في موقعين غير مصرح عنهما. ويشدد مشروع القرار على انه “من الأساسي والملح” أن توفر إيران أسبابا “ذات صدقية من الناحية التقنية” وقد يطلب من غروسي “تقريرا شاملا” في هذا الشأن. من جهة أخرى، يشير مشروع القرار إلى “القلق” المحيط “بالتصريحات العلنية الأخيرة في إيران حول القدرات الفنية للبلاد لانتاج أسلحة نووية واحتمال حصول تغييرات في العقيدة النووية”. وقد تخلت إيران تدريجا، عن التزاماتها ضمن اتفاق دولي ابرم العام 2015 مع الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بشأن برنامجها النووي. وكان من شأن هذا الاتفاق وضع إطار للنشاطات الذرية الإيرانية في مقابل رفع العقوبات الدولية. إلا ان الاتفاق سقط بعد الانسحاب الأميركي منه بقرار من الرئيس آنذاك دونالد ترامب. وفشلت مباحثات لإحيائه في فيينا في صيف العام 2022. وتقول الباحثة في مركز دراسات الأمن في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إيلويز فاييه إنه من خلال هذه المبادرة، “يظهر الأوروبيون إنهم عائدون إلى اللعبة” و”إنهم يدركون” النوايا الإيرانية. وتضيف ان الولايات المتحدة تفضل “عدم صب الزيت على النار” في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط حربا في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس حليفة إيران. وترى “ربما من الأجدى انتظار استقرار النظام السياسي الإيراني” مع انتخاب رئيس جديد في 28 حزيران/يونيو. أما بالنسبة لموسكو التي تقربت من طهران في السنتين الأخيرتين، فقد حذر سفيرها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا ميخائيل اوليانوف عبر منصة اكس من أن مشروع القرار هذا “معاد لإيران ومن شأنه تصعيد الوضع”.
مشاركة :