يعد الحفاظ على أصالة الهوية الثقافية من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية من جانبين: الجانب الأول هو المتعلق بالتحديات الداخلية في كيفية توظيف التنوع الثقافي الذي يصنف كعنصر قوة في المجتمعات ومحرك للتنمية بواسطة تهيئة الفرد لعيش حياة فكرية ومعنوية وروحية وعاطفية متكاملة تساهم في تحقيق التنمية المستدامة في كافة الجوانب الاجتماعية، والاستفادة منه في بناء هوية ثقافية قوية وراسخة، أما عن الجانب الآخر هو التأثيرات الخارجية من الثقافات الأخرى التي تسهم في انصهار الخصوصية الثقافية أو ذوبانها بالتزامن مع التغيرات السريعة والتأثيرات الثقافية المتبادلة التي يشهدها عالمنا المعاصر؛ وفي ظل التعددية الثقافية وماتحمله من تنوع في الهويات الثقافية داخل المجتمعات التي قد يحدها علاقة جدلية حيث كل منهما يؤثر بالآخر ويتشكل به، تستوجب تبني سياسات واستراتيجيات وطنية وإقليمية تعزز التعددية، وتحد من التمييز العنصري، وتعطي المساحة والفرصة العادلة للمجموعات للتعبير عن ثقافتها، وتشجع التبادل الثقافي بينها، ومن أهم النظريات الاجتماعية التي تنظر إلى المجتمع باعتباره نظاماً متكاملاً يتألف من أنساق فرعية مترابطة ومتفاعلة مثل الانساق الثقافية والسياسية والتربوية… وغيرها، هي «نظرية النسق الاجتماعي» للعالم تالكوت بارسونز، حيث ترى أن استمرارية وإستقرار النظام الاجتماعي يتوقف على قدرته على الحفاظ على توازنه الداخلي وتكامل أجزائه وقدرته على التفاعل مع البيئة الخارجية وتحقيق الأهداف والقيم المشتركة والتجدد عبر آليات التنشئة والضبط الاجتماعي. ولمواجهة تحديات البناء الثقافي في عصر التعددية يتطلب ذلك جهودا مكثفة على جميع المستويات من خلال اتباع مسارات متعددة للتأصيل الثقافي من خلال: تفعيل دور المؤسسات التعليمية والثقافية في إحياء الإرث الثقافي، وتشجيع الإبداع الثقافي الحديث واستيعاب التنوع الثقافي والاستفادة منه دون انصهار الهوية الثقافية وإثرائها بالتجارب والمنجزات الثقافية الأخرى، و كذلك تعزيز الوعي الثقافي بأهمية الإرث الثقافي وضرورة حمايته مع تطويره بمايتناسب مع التطورات المعاصرة.
مشاركة :