بغداد - استنفرت الخلافات التي تشق الإطار التنسيقي الذي يضم معظم القوى الشيعية الموالية لإيران، طهران التي تحركت على ما يبدو مبكرا لإعادة ترتيب البيت الشيعي العراقي والعمل على راب التصدعات الداخلية بين مكوناته قبل الانتخابات التشريعية القادمة والتي من المتوقع أن يشارك فيها التيار الصدري بقوة بعد انهاء زعيمه مقتدى الصدر انكفاءه وتحركه للعودة للمشهد السياسي من بوابة الاستحقا الانتخابي. ورغم انشغال ايران في التحضير للانتخابات الرئاسية وأعادة ترتيب بيتها السياسي على اثر وفاة الرئيس ابراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية كانت تقله ووفدا حكوميا من بينه وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، فإن الخلافات بين حلفائها في العراق تشغلها أكثر مما يشغلها وضعها الداخلي. وتخشى طهران من انفراط عقد الاطار التنسيقي وهو الإطار الجامع للقادة الأحزاب العراقية الموالية لها ومن انفلاتات الأذرع العسكرية لتلك الأحزاب، بما قد يهدد نفوذها ومصالحها وهي التي عملت لسنوات طويلة منذ كان ملف الوكلاء بيد قائد فيلق القدس الراحل الجنرال قاسم سليماني. ونجح سليماني في ترسيخ النفوذ الإيراني الخارجي ولا يبدو لخليفته اسماعيل قاآني قدرة مماثلة على السيطرة على القوى والميليشيات التابعة التي تنشط في العراق أو في ساحات أخرى وهو أمر تحاول الجمهورية الإسلامية تداركه من خلال تحصين هذا المنجز الذي يؤمن لها قدرا كبيرا من النفوذ والتغلغل. وتشكل الساحة العراقية حديقة خلفية للتحركات والأنشطة الإيرانية بالوكالة بما يشمل السياسي والاقتصادي والأمني وتحتاج للابقاء على الوضع الحالي من خلال تصدير شخصية مثل رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، لصدارة المشهد وتعزيز نفوذه والعمل في الوقت ذاته على كبح التصدعات داخل الإطار التنسيقي. وتلقى السوداني توصية من إيران بضرورة خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ضمن قوائم الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحت مظلته القوى الشيعية الموالية لإيران باستثناء التيار الصدري، وفق وكالة "شفق نيوز" الكردية العراقية. وتأتي هذه التوصية بعد أن أبدت أطراف سياسية في العراق رغبتها في استقطاب السوداني المدعوم من قوى الإطار التنسيقي والتحالف معه مقابل حصوله على ولاية ثانية، ما يشكّل تهديدا لمصالح إيران. وتولى السوداني المقرب من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي منصب رئاسة الوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بعد أن رشحه الإطار التنسيقي للمنصب وخاض نزاعا مريرا مع مقتدى الصدر زعيم التيار الوطني الشيعي، التيار الصدري سابقا، قبل أن ينسحب من المشهد السياسي. وكثيرا ما تعرض رئيس الوزراء العراقي إلى ضغوط من قادة الإطار التنسيقي، بهدف تحويله إلى واجهة للحكم، وصلت إلى حد تهديده برفع الغطاء السياسي عنه والدفع باتجاه إقالته. وواجه تحدي تحقيق التوازن بين إرضاء إيران وعدم إغضاب الولايات المتحدة، في ظل سعيه إلى تعزيز التعاون بين بغداد وواشنطن في العديد من القطاعات خاصة الاقتصادية. وشكّل العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية التي عززت نفوذها في جارتها الغربية عبر تغوّل ميليشياتها والقوى الموالية لها التي تحوّلت إلى أداة لحماية مصالح طهران أكثر من حرصها على خدمة البلاد. وأفاد موقع "شفق نيوز" نقلا عن مصادره بوجود خلافات بين السوداني المدعوم من القوى الشيعية الموالية لإيران ونوري المالكي، رئيس الوزراء السابق وأحد القيادات البارزة في الإطار التنسيقي، بشأن عدد من الملفات السياسية والإدارية. وبحسب المصدر نفسه فإن السوداني يحظى بدعم "عصائب أهل الحق" الموالية لإيران والتي باتت قوة سياسية مؤثرة، لافتا إلى أن رئيس الوزراء العراقي يعتمد على تأييد الميليشيات لاستقرار حكومته. وتأتي جهود إيران الهادفة إلى إعادة ترتيب البيت الشيعي في العراق واحتواء الخلافات بين السوداني وعدد من قوى الإطار التنسيقي في إطار الاستعداد لأي مفاجآت متوقعة في الاستحقاق الانتخابي المقبل، لا سيما بعد أن باتت عودة مقتدي الصدر إلى المشهد السياسي مسألة وقت. وكان قيادي بارز في التيار الوطني الشيعي قد كشف الأسبوع الماضي في تصريح للموقع ذاته أن الصدّر وضع خارطة طريق لعودته إلى الساحة السياسية من بوابة الانتخابات البرلمانية المقبلة. وفشلت إيران طيلة الأعوام الماضية في احتواء الصدر، في وقت تتزايد فيه مخاوفها من أن يؤدي الصراع بين القوى الشيعية إلى إعادة تشكيل المعادلة بما يتناقض مع أهدافها ويهدد مساعيها لتعزيز نفوذها في العراق. وكان قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني قد زار بغداد خلال الصائفة الماضية، فيما أفادت مصادر مطلعة أن زيارته ركّزت على تسوية الخلافات بين القوى السياسية الموالية للجمهورية الإسلامية قبيل انتخابات مجالس المحافظات الماضية والتي أفضت إلى هيمنة القوى الشيعية.
مشاركة :