كانت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية، خلال الأيام الثلاثة الماضية، مليئة بالبكائيات وعبارات الاستنكار والسخط بسبب حادثة التحرش التي تعرضت لها طفلة في المنطقة الشرقية. صحيح أن الحادثة بشعة وخسيسة تبرر كل ذلك الكم من الانفعالات، لكن في النهاية لن تفيد الطفلة بشيء ولن تؤثر في منع ما قد يحدث مستقبلا. الشيء المهم الذي يجب تأكيده هو أن هذا المجتمع الذي يخضع منذ زمن طويل لادعاءات الخصوصية، وكأنه أصبح مجتمعا استثنائيا في ملائكيته، والذي تعرض لضخ هائل من الجرعات الدينية كما لم يتعرض مجتمع آخر، أثبت أنه في النهاية مجتمع بشري مليء بالتناقضات والأمراض النفسية والتشوهات السلوكية، وكل العلل التي يمكن أن توجد في أي مجتمع آخر، وعندما ينبري أحد لتفسير وتبرير السلوكيات المنحرفة بأنها نتيجة لضعف الوازع الديني فقط، فإنه يقفز على الحقائق ويمارس تسطيحا ساذجا لأساس المشكلة. أي مجتمع بشري لا يمكن أن تضبط ممارسات أفراده التي تؤثر على السلم الاجتماعي بحثهم على التمسك بتعليمات الدين، ولا يمكن دائما إحالة الشاذ منها إلى ضعف الوازع الديني. هناك أسباب كثيرة تفرز الانحرافات المؤدية إلى انتهاك الأخلاق والتعدي على القيم الاجتماعية، وضبطها والحد منها لا يتحقق بالمواعظ والنصائح، وإنما بالقوانين الرادعة، وبعد تطبيق القانون من كان مريضا نفسيا يتم علاجه، ومن كان منحرفا سلوكيا يتم تقويمه. بالتزامن مع حادثة طفلة الشرقية، هرب شخص متهم بالاغتصاب في اليابان من المحكمة، فاستنفرت الحكومة كل إمكاناتها البشرية والأمنية والعسكرية للقبض عليه وإعادته إلى قفص الاتهام، لأنها جريمة شنيعة تتجاوز كونها حادثة فردية إلى ما هو أخطر على المجتمع، ولأن الحكومة اليابانية تعي جيدا ما يمكن أن يسفر عنه التساهل في قضية كهذه، وما يمكن أن ينعكس على شعور المجتمع. وقبل أيام قليلة، تحرش شخص بفتاة تعتبر في سن الطفولة في إحدى الدول الأوروبية فحكم عليه بالسجن عشرين عاما، ونحن لا نريد سوى إخضاع مثل هذه الحوادث لقانون واضح وصارم وعادل بدلا من الاجتهادات الفردية التي تسفر عن عقوبات متباينة لا يرقى أشدها إلى فظاعة الجريمة. إننا نطالب المسؤولين عن التشريع لدينا بأن يتخيلوا تلك الطفلة ابنة أحدهم؛ كي يتصوروا العذاب الذي يمكن أن يعيشه وهو يرى طفلته المنتهكة تكبر أمام عينيه بكل الجراح النفسية الغائرة في أعماق الروح، بينما المجرم يقضي حياته بشكل طبيعي بعد عقوبة اجتهادية عابرة. فهل ينتظر المجتمع بعد كل هذه المآسي مزيدا من الوقت قبل إصدار نظام رادع للتحرش؟؟. habutalib@hotmail.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة
مشاركة :