أزاح فلكيون الستار عن ثقب أسود جديد يجاوز وزنه وزن شمسنا ب 17 مليار مرة، والمدهش أن الثقب المكتشف يقع في مكان لم يتوقع الفلكيون وجوده فيه، وهو وسط المجرة، في منطقة مأهولة بدرجة ضئيلة من الكون، التي تبعد 200 مليون سنة ضوئية، بحسب تقرير نشرته مؤخراً صحيفة الجارديان البريطانية. واكتشف الثقب تليسكوب هابل التابع لوكالة ناسا، وتلسكوب جيميني في هاواي، وقد يدلل الكشف على أن هذه الأجسام العملاقة قد تكون أكثر انتشاراً مما اعتقد من قبل، وأكبر ثقب مكتشف حتى الآن، يجاوز حجمه حجم الشمس بعشر مرات تقريباً، وأعلن عن اكتشافه في نوى مجرات عملاقة في مناطق من الكون، تحتلها مجرات أخرى كبيرة. يوجد الثقب الجديد وسط مجرة إهليجية عملاقة تعرف باسم NGC 1600، الواقعة في موقع كوني خلفي منعزل يحوي ما يقرب من 20 مجرة، بحسب قائد فريق العلماء، تشونج بي ما، في جامعة كاليفورنيا بيركلي، ورئيس فريق دراسة ماسيف سيرفي، التي تبحث في المجرات الأضخم، والثقوب العملاقة السود، وإذا كان متوقعاً العثور على ثقب أسود عملاق في مجرة ضخمة، في منطقة مزدحمة من الكون، إلا أن من غير المحتمل العثور عليها في التجمعات الكونية الصغيرة. ويضيف تشونج بي ما: هناك القليل من المجرات في حجم المجرة NGC 1600، التي تقطن في مجموعات مجرية ذات أحجام متوسطة، وبحسب تقديراتنا، فإن هذه المجموعات الأصغر تنتشر بكثافة تفوق كثافة العناقيد المجرية، مثل مجموعة كوما العنقودية خمسين مرة، ومن ثم فالسؤال الآن: هل هذه قمة جبل جليدي؟ فمن الممكن أن تكون هناك المزيد من الثقوب السود الأضخم. كما أصيب الباحثون بالدهشة، عندما اكتشفوا أن الثقب الأسود أكبر مما توقعوه في مجرة بهذا الحجم عشر مرات، واستناداً إلى مسح التليسكوب هابل سابقاً للثقوب السود، طور الفلكيون علاقة تبادلية بين كتلة ثقب أسود وكتلة مجموعة النجوم المركزية في مجرته المضيفة، فكان كلما كبر حجم المجرة وانتفاخها، زادت فرصة وجود الثقوب السود، وأضاف: على ما يبدو، فإن هذه العلاقة التبادلية لا تعمل جيداً مع الثقوب الأضخم، لأنها قطعة كبيرة من كتلة المجرة المضيفة. ونشر بي ما وزملاؤه في عدد إبريل 2016 من صحيفة نيتشر، أن الثقب الأسود المكتشف يقع على بعد 200 مليون سنة ضوئية عن الأرض، في اتجاه كوكبة Eridanus. ومن إحدى الأفكار التي تفسر السبب وراء ضخامة حجم الثقب المكتشف أنه اتحد منذ زمن مع ثقب آخر، عندما تداخلت المجرات بشكل متكرر، فعندما تتحد مجرتان، تتوسط ثقوبهما السود المجرة الجديدة الناشئة، وتدور كل منها حول الأخرى، أما النجوم التي تسقط قرب الثقب الثنائي، بحسب سرعتها ومسارها يمكنها أن تسلب الزوج الملتف كتلته الدافعة وتكتسب سرعة تكفي لتهرب من نواة المجرة، ويتسبب هذا التداخل المغناطيسي في تقارب الثقوب ببطء لتتحد في نهاية الأمر لتشكل ثقباً أسود بحجم أكبر، ثم يستمر الثقب الأكبر في التضخم من خلال التهامه الغاز المتسرب إلى النواة والناتج عن تصادمات المجرة، ولكي يصل الثقب إلى هذا الحجم العملاق، يمر الثقب بمرحلة نهمة تبتلع خلالها كميات كبيرة من الغاز. وربما تكون الوجبات المتكررة من الغاز التي تلتهما مجرة NGC 1600، السبب في استقرار المجرة في مكان صغير مزدحم، ويجاورها جيران من نوعيتها، كما أن هذه المجرة هي الأقوى والأكثر سطوعاً بين مجموعتها المجرية، فعلى الأقل تفوق إضاءتها إضاءة جاراتها ثلاث مرات، فالمجموعات الأخرى مثل هذه، نادراً ما تتمتع بفجوة لامعة بين المجرة الأكثر لمعاناً، وما تليها من حيث شدة الإضاءة. وقد التهمت أغلب كميات الغاز منذ زمن طويل، عندما اشتعل الثقب الأسود، مثل جسم فضائي، بفضل مواد تدفقت إلى داخله، فتسببت في سخونته وحولته إلى بلازما ساطعة، ويقول ما: إن الثقب الأسود في الوقت الحالي عملاق خامد، وقد عثروا عليه بقياس سرعات النجوم القريبة منه، والتي تتأثر بشدة بجاذبية الثقب، وتعطي هذه القياسات العلماء تقييماً لكتلة الثقب. وقد استخدم العلماء منظار تحليل الطيف المتعدد Gemini، المثبت فوق تليسكوب Gemini في ماونا كي في هاواي، لقياس سرعات النجوم، وقد حلل المنظار الضوء الصادر من مركز المجرة بدقة شديدة، وكشف عن النجوم التي تبعد عن نواتها 3 آلاف سنة ضوئية، وبعض من هذه النجوم تدور حول الثقب الأسود وتتجنب الاقتراب منه، كما افترض الباحثون أن بعض النجوم المتحركة في مسار مستقيم بعيداً عن النواة، كانت قد اقتربت من المركز، ثم رحلت بعيداً، على الأغلب بفضل الثقبين التوأم. وتدعم الصور الأرشيفية التي التقطتها كاميرا الأشعة تحت الحمراء والمسبار هابل فكرة دفع الثقبين الأسودين للنجوم، وكشفت الكاميرا أن نواة المجرة كانت قد ضمرت بشكل غير معتاد، في إشارة إلى نقص عدد النجوم القريبة من مركزها، وتميز النواة قليلة النجوم المجرات الضخمة عن البيضاوية النموذجية، التي تتميز بأن مراكزها أشد إضاءة، وقدرما وزملاؤه، أن كم النجوم التي تقذف بها المنطقة المركزية يساوي 40 مليار شمس. وعلي الرغم من عدم وجود آلية سليمة لرصد أو متابعة الثقوب السود في الكون، إذ يصعب مراقبتها بشكل مباشر، إلا أنها ترصد من خلال متابعة ورصد المواد والغازات حولها، وكذلك رصد قرص التنامي الخاص بها في قلب المجرات، باستخدام أشعة إكس. والثقوب السود ظاهرة فضائية تتمتع بجاذبية هائلة خارقة يصعب تصورها، تجذب كل ما يقترب منها من أجرام وأشياء، منها غازات، ونيازك، وكواكب، ونجوم، كما تجذب الضوء، فلا يستطيع الهروب منها. ويبعد أقرب ثقب عن الأرض 1600 سنة ضوئية، بينما تبعد الشمس عن الأرض 8 دقائق ضوئية فقط، وسرعة الضوء 300 ألف كم في الثانية الواحدة. ولا تمثل هذه المسافة البعيدة السبب الرئيسي في ما يحيط بالثقوب السود من غموض، فهناك أسباب أخرى كثيرة، منها دورة حياة هذه الثقوب، وآلية تشكلها وطبيعة مكوناتها، وسر ما تتميز بها من جاذبية هائلة، وكذلك علاقتها بالمجرات، والنجوم. وما تفعله الثقوب السود أشبه كثيراً بما تفعله الدوامات في مياه البحار نتيجة العواصف، أو الأعاصير، التي تبتلع كل ما تجده، مهما كانت ضخامتها، فقد تبتلع سفناً ضخمة، وتجرها إلى أعماق البحر. وربما يظن البعض أن الثقوب فراغات سحيقة في الفضاء، تبتلع ما تجده في طريقها أو على مقربة منها، إلا أن حقيقة الثقوب مختلفة كل الاختلاف، فسر جاذبيتها الهائلة يكمن في قوة تركيز المادة فيها. وقد يوحي لفظ ثقوب، بأنها تشبه الثقوب المعروفة لنا جميعاً، إلا أنها في واقع الأمر كتلاً عملاقة مضغوطة من المادة، لكن العلماء سموها ثقوباً، لأن كل ما يمر منها يدخل فيها ويختفي، تماماً كما يختفي الماء إذا صب في إناء مثقوب، كما أن أي شيء يدخل الثقب لا يخرج منه أبداً. ويحيط بكل ثقب مجال يسمى مجال اللاعودة، إذ يمنع أي شيء يمر إلى داخله من الخروج مرة أخرى، مهما كان حجمه، وأياً كانت سرعته. نظريات حول التكوين طرح العلماء عدة نظريات حول كيفية تكون الثقب الأسود، إلا أنه لم يتأكد أي منها، ولا تزال نشأة الثقوب لغزاً يحير ألباب العلماء، ومن أشهر النظريات وأكثرها قبولاً لدى العلماء تقول: إن الثقوب نشأت نتيجة استنزاف طاقة النجوم العملاقة، كونها مصانع عملاقة لإنتاج هذه الطاقة عبر تفاعلات نووية هائلة، بفضل الاندماج النووي بين ذرات الهيدروجين المكون الأساسي لمادة النجوم، وبعدما تندمج ذرات الهيدروجين مع بعضها بعضاً، وينتج غاز الهيليوم، الذي يندمج ليشكل عناصر أخرى أثقل، ثم تندمج العناصر الأثقل لتشكل عناصر أكثر ثقلاً، وهكذا في سلسلة من التفاعلات النووية، التي ينتج عنها كميات هائلة من الطاقة، تلك التي ترسلها النجوم إلى الأرض في شكل أشعة، منها أشعة الشمس، ومن الممكن أن تستمر هذه التفاعلات لمليارات السنين، بحسب كمية المادة في النجم. وبحسب هذه النظرية، تبدأ نشأة الثقوب السوداء عندما تنفد طاقة النجوم العملاقة، التي تزيد كتلتها عن 25 مرة ضعف كتلة الشمس، ففي حياة النجم، يحدث توازن بين القوة الطاردة الناتجة عن الاندماج النووي، التي تدفع بمادة النجم بعيداً عنه، وبين قوة التجاذب بين العناصر والذرات التي تتكون منها مادة النجم، والتي تجذب المادة نحو مركزه، فيحافظ على كتلته، وعندما تنفذ طاقة النجم، تتغلب قوة الجاذبية على قوة الطاقة، فتتراجع مادة النجم إلى مركزه، وتنضغط بشدة بفضل كثافتها وقوة التجاذب بينها، فيتشكل الثقب الأسود، بعد انفجار هائل بسبب التدافع الكبير بين المادة الموجودة في مركز النجم، نتيجة انضغاطه، ويطلق الباحثون على هذا الانفجار اسم سوبرنوفا، والذي يتسبب في قذف الغلاف الخارجي للنجم وما تبقى من غازاته بعيداً في الفضاء، فيتحول مركز النجم العملاق إلى كتلة شديدة الانضغاط من المادة وهي الثقب الأسود. ويعتقد بعض العلماء أن كتلة الثقب الأسود كلها تتركز في نقطة واحدة في مركزه، وما يحدث داخل الثقب الأسود لا يزال لغزاً لم يصل العلماء إلى حله، ويشير العلماء إلى أن النجوم الصغيرة مثل شمس الأرض، لا تصبح ثقوباً سوداء بعد نفاذ طاقتها، لكن تصبح أجراماً خافتة تعرف باسم النجوم النيترونية، أو الأقزام البيضاء. ثقوب غير متجانسة رصد العلماء في ما مضى هالات ضخمة من الغاز تحيط ببعض الثقوب السوداء، وأسموها دونتس، أو الكعكات، لأن شكلها يشبه الكعكة، وساد اعتقاد بين العلماء أن هذه الكعكات المتجانسة المنتظمة، تدور حول الثقوب السوداء، مثلما تدور عجلة الدراجة حول محورها. واكتشف علماء ناسا بعد ابتكار تلسكوب نيوستار الذي يعمل بتقنية مصفوفة الطيف النووي، اكتشفوا أن الهالات المحيطة ببعض الثقوب السوداء أشد كثافة وأكبر سمكاً مما اعتقدوا، كما وجدوا أنها غير متجانسة، وأنها مختلفة الكثافة، وغير منتظمة، وأنها ليست أسطوانية الشكل تشبه الكعكة. كما أن تسميتها بالكعكة لا يعود إلى الشكل فقط، لكن لطبيعة الثقب الأسود الذي يلتهم كل شيء يفد إليه، من مكونات هذه الهالات الضخمة. وأثبت الباحثون أخيراً أن جميع الثقوب السوداء محاطة بهذه الهالات، وليس بعضها، إلا أنه البعض منها لا يمكن رؤيته بسبب مكان الهالات بالنسبة للأرض، أو بالنسبة للتلسكوب الذي يرصدها.
مشاركة :