تعد زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية في الحادى والعشرين من الشهر الجاري فرصة لبحث تقدم التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والمملكة ودول المجلس بعد القمة التي استضافها أوباما عام 2015 في كامب ديفيد. وسيتناول أوباما أثناء زيارته عدد من الملفات المهمة مثل مناقشة تكثيف جهود مواجهة تنظيم داعش والصراعات الإقليمية وسبل تقليل حدة التوتر في المنطقة. ومن المنتظر أن تعيد المملكة التأكيد أثناء الزيارة على مواقفها الثابتة في قضايا اقليم الشرق الأوسط وبيان أن اطماع الهيمنة الايرانية في المنطقة لا تزال تحتاج إلى اجراءات واضحة لكبح جماحها في ظل تنسيق أكثر فاعلية يضمن انصياع طهران ووقف تجاوزاتها وتدخلها في الشؤون العربية. والتهديد الايراني وبنود الاتفاق الإطاري الذي وقعته طهران مع الغرب منذ شهور ستركز عليه محادثات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وباراك أوباما وكذلك على سبل تعزيز الشركة الثنائية، بما في ذلك الجهود الأمنية المشتركة وكذلك مكافحة الإرهاب. على المستوى السياسي تطمح المملكة في أن تقوم ادارة اوباما بدور أكثر فاعلية في ملفات اقليمية مهمة كالوضع المشتعل في سوريا وتنظيم داعش ومسار الصراع العربي-الاسرائيلي فضلا على مراقبة تنفيذ طهران لالتزاماتها. وعلى الطرف الآخر لا تريد واشنطن ان تغامر بخسارة علاقات قوية وممتدة مع المملكة، وحتى مع وجود بعض الاختلافات في وجهات النظر فإن الرئيس الأمريكي دائما ما يصف علاقات بلاده بالسعودية بأنها «صداقة استثنائية»، وتعهد في تصريح له في مايو الماضي أثناء محادثاته في البيت الأبيض مع الأميرين محمد بن نايف ولي العهد ومحمد بن سلمان ولي ولي العهد بالاستمرار في بنائها، وفي المقابل قال سمو ولى العهد الأمير محمد بن نايف إن المملكة تولي أهمية كبيرة «للعلاقات الاستراتيجية والتاريخية» مع الولايات المتحدة. وفي تلك الظروف الدقيقة التي تمر بها الكثير من الدول العربية، تبذل الدبلوماسية السعودية في السنوات الأخيرة جهودًا مضنية لتحقيق الاستقرار بالمنطقة بما يحقق المصالح الوطنية للمملكة ويبرز الصورة الحضارية المشرقة لها. وقد استطاعت العلاقات السعودية - الأمريكية منذ وقوع الاحداث الارهابية منذ عام 2001 تجاوز جميع العقبات والصعوبات والعودة إلى الإطار التاريخي الطبيعي الذي جمع بين البلدين. علاقة تاريخية وللمملكة أهمية كبرى في حسابات الدول الأقوى في العالم بسبب مكانتها السياسية الرفيعة وموقعها الاستراتجي المهم وقدرتها على التأثير في الأحداث بالمنطقة وامتلاكها أضخم احتياطي للنفط في العالم. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أبدت الولايات المتحدة اهتماما أكبر للدفاع عن شركاتها النفطية واستثمار وجودها العسكري، فأرسلت أول بعثة عسكرية أمريكية في ديسمبر عام 1943م بعد الزيارة التي قام بها الجنرال رويس القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط إلى المملكة واتفق خلالها مع الملك عبدالعزيز على إقامة مطار كبير بالظهران بالقرب من آبار النفط وبدأ العمل بإنشاء قاعدة الظهران الأمريكية عام 1944م وأنجزت عام 1946م لتصبح من اكبر القواعد العسكرية في المنطقة العربية وجنوب غرب آسيا. وبحكمة الملك المحنك أدرك الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الحاجة لمدّ جسور العلاقة مع الولايات المتحدة - الدولة العظمى- مستشرفًا أهمية قيام علاقة متينة بين البلدين تلبي مصالح الطرفين وتحقق العديد من المكاسب. وانطلاقًا من هذا الإدراك السياسي والنظرة الإستراتيجية الثاقبة قام الملك المؤسس باستقدام مجموعة من المهندسين الزراعيين من الولايات المتحدة وأوكل إليهم مهمة البحث عن المياه في مناطق المملكة كما منح شركات النفط الأمريكية امتياز التنقيب عن النفط في أراضي المملكة. وفي عام 1945م كان اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز - رحمه الله - والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر المدمرة الأمريكية كوينسي، ووصلت المساعدات الأمريكية إلى مائة مليون دولار مطلع 1947 وفي سنة 1948م دخلت قطع بحرية أمريكية مياه الخليج لأول مرة ورفعت درجة المفوضية الأمريكية في جدة إلى درجة سفارة، كما تم تقديم المساعدة الفنية للسعودية. وفي 18 يونيو1951م وقعت اتفاقية دفاع مكّنت السعودية من شراء أجهزة حربية أمريكية وقيام المدربين الأمريكيين بتدريب الجيش السعودي. وفي 1957 اصبح الملك سعود - رحمه الله- أول ملك سعودي يزور الولايات المتحدة، واجتمع مع الرئيس دوايت ايزنهاور وكان ذلك بعد دور ايزنهاور الرئيس في وقف العدوان البريطاني الفرنسي الاسرائيلي على مصر. مصالح مشتركة وفي الستينيات ومطلع السبعينيات بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة اندفعت الولايات المتحدة نحوالخليج في محاولة لملء الفراغ الذي سينشأ عن هذا الانسحاب ودرء محاولات الاتحاد السوفيتي للسيطرة على الخليج. وفي نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات انتهجت واشنطن إستراتجية جديدة عرفت بمبدأ كارتر في عام 1980م والذي يقضى بأن أي اعتداء على الخليج يُعد اعتداء على المصالح الأمريكية وأصبح الخليج ثالث اعظم منطقة حيوية للمصالح الأمريكية بعد الولايات المتحدة نفسها وأوروبا الغربية. ثم أصيبت العلاقات مجددا بانتكاسة واضحة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 رغم دخول المملكة بقوة في الحرب الدولية على الارهاب، ثم الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003. ولكن ساعد البلدين في الحفاظ على العلاقات القوية الرؤية الحكيمة للقيادة السعودية بالحفاظ على تميز العلاقات مع جميع الدول والعمل على تجاوز الخلافات. أما حرب العراق عام 2003 فقد كانت نقطة خلافية واضحة، فقد حذرت المملكة من وقوع كارثة إنسانية كبيرة في حال القيام بهجوم على العراق، وقالت إن مثل ذلك الهجوم سيعرض استقرار منطقة الخليج للخطر، ودعت إلى إعطاء الجهود الدبلوماسية فرصة إضافية. وقد أثبتت الايام حكمة الرؤية السعودية بعدما أسفرت الحرب وما تبعها عن خسائر بشرية واقتصادية هائلة للمنطقة. ومنذ ذلك الوقت والعلاقات السعودية الامريكية بين مراحل صعود وهبوط واتفاق في وجهات نظر واختلاف في اخرى خاصة فيما يتعلق بملف ايران وسوريا وايضا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ولكن دون ان يؤثر ذلك على قوة العلاقة.
مشاركة :