ضوضاء «السيكادا»..أم سنة انتخابية صاخبة؟

  • 6/14/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كانت الضوضاء مثيرة للقلق. ذلك أننا كنا على الطريق السريع على متن سيارة، كنا قد استعدناها للتو من الورشة حينما بدأ الطنين يفوق الصوتَ المنبعث من مكبرات الصوت ويطغى عليه. كانت سيارتي من موديل 2011، وبالتالي، فإن أي أعطال ميكانيكية كانت محتملة ووشيكة. كان الصوت يتصاعد وينخفض، بينما كنا نسير على الطريق «آي 70». ولم تتح لي الفرصة للتحقق حتى توقفنا عند مخرج الطريق، لأكتشف أن مصدر الصوت لم يكن السيارة، وإنما الحشرات. لقد نشأتُ في الغرب الأوسط، ولذلك، فإنني لست غريباً عن حشرات السيكادا، غير أن الصوت الصادر عن هذه الحشرات الصغيرة كان قوياً لدرجة أنه كان يخترق الزجاج، وصوت احتكاك العجلات بالطريق، ومكيّف الهواء، وصوت المذيع بيل كورتيس. وللحظة، تخيلتُ الأشجار القريبة ملأى بعصافير صغيرة تزقزق، وكل واحدة منها تتنافس على جذب الانتباه بالصراخ في الفراغ. بدا الأمر كله أشبه بسنة انتخابية. والواقع أنه إذا كان هناك ما يستدعي مصطلح «الموجة الكبيرة»، فهي انتخابات 2024. تذكّرنا أسراب حشرات السيكادا بصوتها الحاد الذي يتطابق مع الطنين الجماعي لبلد يتصارع مع ثقل المسؤولية: حلّ مشاكله، ومشاكل العالم من قبل الرجل الذي ستفرزه الصناديق (مع توجس ونفور من جهة، ومشاعر أمل وتفاؤل وتوسّم الخير من جهة أخرى)، غير أنه من المنطقي أن تصل ذروة الحروب والمحاكمات والفضائح والإيديولوجيات المتطرفة إلى مستوى صوتي لا يحتمل، مستوى قوي بما يكفي، ليشق طريقه بقوة إلى مساحاتنا الشخصية ويخترقها. اللافت أن أنماط ظهور الصخب تتوافق مع الانقسامات السياسية في البلاد، إذ يظهر بعضها في ولايات زرقاء موثوقة (ولايات ديمقراطية) مثل إلينوي وويسكونسن، في حين يظهر بعضها الآخر في ولايات حمراء (ولايات جمهورية) مثل ميسوري وأركنساس وتينيسي وألاباما، بل إن حتى عيونها إما حمراء أو زرقاء. فهل هي مجرد مصادفة؟ لا أعتقد. تماماً على غرار هذه الانتخابات الرئاسية (وسابقاتها، وتلك التي سبقت سابقاتها)، يتزامن ظهور حشرات السيكادا مع تفشي المعلومات المغلوطة والخاطئة. إذ تروّج وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو فيها كثير من الغلو والمبالغة كما لو أن الأمر يتعلق بـ«معركة بين قوى الخير والشر في نهاية العالم». فنقرأ أو نسمع عناوين من قبيل «مليارات الحشرات تستعد للظهور في غزو مزدوج» (بل «تريليونات»!)، عناوين تجعل الأمر يبدو كما لو أن قواتها تتّحد من أجل القضاء على البشرية. أغلقتُ النافذة مرة أخرى بعد ثوان فقط من اندهاشي بموسيقى السيكادا التي كانت مضبوطة عند «المستوى العالي»، والجدير بالذكر هنا أن صوت الحشرة الجنوبية العظيمة يمكن أن يصل إلى 75 ديسيبل، وهو مستوى شبيه بذاك الذي يصدره مجفف الشعر. فالبودكاست الذي كنت أستمع إليه لم يتمكن من التغطية عليها. فهل كان علي أن أبذل جهداً أكبر لإلغاء الصوت؟ وعموماً، إليك ما ينبغي تذكّره عن حشرة السيكادا، وعن ضوضائنا الكبيرة: قد يكون الصوت مزعجاً، لكنه صحي، ذلك لأن كل انتخابات (وما يصاحبها من ضوضاء كبيرة) تتيح فرصة للنقاش حول مستقبلنا، وإعادة ترتيب أولوياتنا، إن اقتضى الأمر. والواقع أن حتى ضجيج الملايين يمثّل حريات التعبير والإيديولوجيا والخطاب التي نقدسها ونتمسك بها. وفي وقت تهدد فيه القوى المناوئة للديمقراطية هذه الحريات، سواء هنا في الولايات المتحدة أو في الخارج، من الضروري أن نحتفي بهذه الفضائل ونعلي من شأنها. وطالما استمرت حمى الحشرات والانتخابات في الحدوث في موعدها المحدد، فإننا نعلم أننا على الطريق الصحيح. وأي تهديد لذلك يجب أن يؤخذ على محمل الجد. وبينما كنتُ أقود سيارتي على الطريق السريع، أعترف بأنني شعرتُ ببعض الرهبة من جوقة حشرات السيكادا المهيبة. ولكن بشكل عام، شعرتُ بالذهول لقوتها الصوتية الهائلة. كم هو مدهش أن تتمكن هذه الحشرات الصغيرة معاً من إنتاج أغنية بمثل هذه القوة! وكم هو ملهم أننا نفعل الشيء نفسه – كدولة -- منذ 236 عاماً! قد نتعجب ونهز رؤوسنا وأحياناً نغلق النوافذ استهجاناً، ولكن الأهم أن نتعلم كيف نتعايش مع الضجيج، من أجل الحفاظ على ما يظل في النهاية نظاماً بيئياً هشاً. *صحافي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»

مشاركة :