ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم يفدون إلى مكة هذه الأيام لأداء فريضة الحج "لمن استطاع إليه سبيلاً"، لغات وقوميات وألوان وأجناس مختلفة يجتمعون في أقدس بقعة بالنسبة إلى المسلمين في كل مكان، والحج مناسبة لكل من يؤدي هذه الفريضة من المسلمين لممارسة مناسك روحانية تعمل على تطهير الروح وتعيد الجدولة لسلوك الإنسان المسلم، إذ يحاول قدر إمكانه أن يتماشى مع القيم والأخلاق التي يحث عليها الدين. لوحة بشرية جميلة يجتمع بها البشر "من كل حدب وصوب"، حيث أصبح الحج في مكة كل عام من المظاهر القليلة التي نفخر بها في عالمنا العربي والمسلم، فالملايين يؤدون شعائر دينية مقدسة بطريقة منظمة تعكس قدرات حضارية لدى القائمين على إدارة هذا المرفق العظيم، وعلى استضافة هذه الأعداد الهائلة في منطقة جغرافية محدودة لا تتجاوز بضعة كيلومترات مربعة. قليلة هي المظاهر التي يمكن أن تعطي صورة حضارية عن عالمنا الذي ارتبطت صورته النمطية بالحروب الأهلية والإرهاب والاقتتال، وكانت قطر قدمت صورة مشرفة بتنظيم "كأس العالم عام 2022" بطريقة أذهلت العالم، وسبقتها الإمارات بأشهر بتنظيمها لـ "إكسبو دبي" مقدمة صورة مبهرة للتنظيم والنظام والأمن. وقد دأبت السعودية كل عام على النجاح المتكرر بتنظيم التظاهرة الدينية الأكبر في العالم في مكة المكرمة، في انسيابية ونظام وأمن وضيافة ووفادة وكرم سعودي يتحدث عنه القاصي والداني، وهو أمر يوصل رسالة إلى العالم مفادها أن هذه الشعوب قادرة على العمل والانضباط والنظام والنظافة والأمن، لكن قلة بيننا تأبى إلا أن تخرب هذا العمل الجليل، فتهدد وتتوعد بقيامها بأعمال شغب وفتن وفوضوية بحجة حرية ممارسة الشعائر بطريقتهم، وتحت شعار "البراء والولاء"، وهو شعار "كلمة حق يراد بها باطل"، فالمسألة لا تحتاج إلى ذكاء ولا إلى تنظير لفهم أن شعار "البراء والولاء" السياسي يعني البراءة من التعليمات والإرشادات والتمرد على التنظيم، وتخريب شعائر الحج هدفاً لإحداث الفوضى على أمل أن تعم جميع أرجاء السعودية، أسوة بما جرى في العراق واليمن وسوريا ولبنان وليبيا والسودان. والولاء السياسي هنا يعني التبعية للولي الفقيه الذي لن تصح الحجة إلا بالصلاة خلفه في الحرم المكي الشريف، وهذا هو هدف هؤلاء القلة، ناسين أو متناسين أن الغالبية الساحقة من المسلمين، ليس في مكة وحدها وإنما في العالم أجمع، لا يتفقون مع هذه الطروحات ولا يؤمنون بهذه التوجيهات العدوانية لمشاعر يفترض أن تجمع المسلمين لا أن تفرقهم، وأن تخلق الأمن والطمأنينة في نفوس الحجاج لا أن تروعهم وتثير الفتن بينهم. لكل حاج في مكة حرية أن يصلي بطريقته ومذهبه، ولكل منهم الدعاء بما يشاء شرط ألا يخلق المسيرات ولا أن يحدث الفوضى ويخالف التوجيهات التي تضمن انسيابية حركة الجموع، وألا يثير الشغب والتدافع الذي يمكن أن يخلق الهلع في نفوس الحجاج وينتج منه ما لا تحمد عقباه. الرسائل الرسمية السعودية واضحة، ومفادها حجوا كما تشاؤون لكن لا تحتجوا بفتوى معتوه هنا أو خطاب من معتوه هناك لتثيروا الفوضى بما يعرض حياة ملايين الحجاج للخطر، فالحج وأمن الحجاج خط أحمر، كما صرح بذلك رئيس اللجنة الأمنية للحج الفريق محمد البسامي. ما جرى على مدى العقود الماضية من تنظيم لشعائر الحج يعكس درجة عالية من الدقة والحرص على أمن وسلامة الحجاج في مكة المكرمة، وهو ما يثير حنق المرضى والمعتوهين الذين لو أداروا تنظيم مباراة كروية في ملعب رياضي لرأينا العجب العجاب من الفوضى والتدافع والمآسي، والأمثلة على غوغائيتهم وفوضويتهم لا تحويها مقالة، وكل عام وأنتم بخير.
مشاركة :