أطلقت شركة "أوبن أيه إي" الأمريكية، أواخر عام 2022، تطبيق المحادثة ChatGPT؛ القائمة على تكنولوجيا الذكاء التوليدي، ما جعل المنافسة تحتدم بين واشنطن وبكين بشأن الهيمنة على عرش الذكاء الاصطناعي على الصعيد العالمي. رغم إقدام إدارة بايدن على اعتماد سياسة التطويق الأمريكي، على مدى العاميين الماضيين، بفرضها قائمة من القيود، تمنع تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة إلى الصين، لمحاولة تأخيرها أو على الأقل إبطاء تطويرها لهذه التكنولوجيا الحديثة. هذا دفع نوابا في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إلى تقديم مشروع قانون جديد، لتسهيل فرض مزيد من ضوابط التصدير على نماذج الذكاء الاصطناعي؛ حيث يمنح القانون للوزارة سلطة صريحة، لمنع الأمريكيين من العمل مع الأجانب لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي. لكن ذلك لم يؤثر في طموح بكين، فقد أعلن معهد أبحاث الفضاء السيبراني التابع لإدارة الفضاء السيبرانية الصينية، في 24 مايو الماضي، عن لحاقها بالركب بعد إطلاق تطبيق المحادثة (Chat Xi PT)، باعتماد برنامج LLM (Large Language Model) المختلف من حيث قواعد البيانات عن أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى. يستند التطبيق الصيني الجديد الذي يعمل باللغتين الصينية والإنجليزية إلى قاعدة معرفية محلية المنشأ والمعالجة، وليست مفتوحة المصادر، على غرار التطبيق الأمريكي، ما يضمن، وفق الصينين، أمانة وموثوقية البيانات، فأساسها مصادر ومستندات صينية رسمية، مبثوثة على خوادم صينية. وبلغت درجة التطوير، بحسب مجلة CAC التابعة لإدارة الفضاء السيبراني في الصين، مستوى وصفه بـ"نظام الذكاء الاصطناعي الآمن والموثوق"، بعد نجاح الصينيين في تطوير نموذج متسق مع الرؤية السياسية للنظام الصيني، فالتطبيق يرتكز على الفلسفة السياسية للرئيس، المعروفة باسم "فكر شي جين بينج حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد". هكذا نجحت بكين في تسجيل هدفين في الصراع الاستراتيجي المحتدم حول الذكاء الاصطناعي، أحدهما خارجي؛ يتعلق بقدرتها على كسر قيود واشنطن، وتقليل الفجوة مع الشركات الأمريكية المهيمنة على المجال، والآخر داخلي، مرتبط بتسخير الذكاء الاصطناعي في خدمة المصالح السياسية والاقتصادية، فمحتوى التطبيق، وفق صحفية فاينانشيال تايمز "لا يتضمن أي محتوى يقوض سلطة الدولة". بذلك، تضمن الصين تحصين الذكاء الاصطناعي من الانحراف أو السير عكس توجهات النظام الحاكم في بكين، لما لهذا الأمر من تأثير عميق في المجتمع. وسبق للصين أن قامت في فبراير 2022 بإيقاف تطبيق "ChatYuan" أياما فقط بعد إطلاقه، بعد وصفه الحرب في أوكرانيا بأنها "حرب عدوانية روسية"، وذكر أن "الاقتصاد الصيني لا مجال فيه للتفاؤل"، لأن البلاد تواجه قضايا حرجة. تبدو الصين عازمة، رغم المعوقات والقيود، على كسب رهان التحدي الذي أعلنته 2017، بالتحول إلى قوة مهيمنة على مستوى العالم في الذكاء الاصطناعي، بحلول 2030. والأرقام تتحدث عن طفرة في أعداد مستخدمي تطبيقات الذكاء الاصطناعي المحلية، فعلى سبيل المثال نجح تطبيق إرني بوت (Ernie Bot)، من تطوير شركة التكنولوجيا الصينية بايدو من جذب أكثر من 200 مليون مستخدم، في أبريل 2024، مسجلة بذلك ضعف ما أعلنته مطلع العام الجاري. لا ريب أن سوق الذكاء الاصطناعي الصينية على موعد مع ثورة، بفضل اشتداد المنافسة بين الشركات المحلية، ما يجعل الهيمنة الأمريكية في مهب الريح، ولا سيما بعد قرار الصين قبول دخول الاستثمارات الأجنبية هذا المجال.
مشاركة :