قبل نحو عشرة أسابيع تحديداً من الموعد النهائي الذي لا بد أن يختار فيه الحزبان الأمريكيان الرئيسيان مرشحيهما للسباق، تبدو معالم الانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2016 غير واضحة وربما غير محسومة، فليس الديمقراطيون قادرين على البت مرة وإلى موعد انتخابات الرئيس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل- بشأن مرشحهم- وليس الجمهوريون بدورهم مستقرين على مرشح ضرورة ينقذهم من الخيار الوحيد الظاهر للعيان أمام جميع الأمريكيين حتى الساعة. يدهش المرء المتابع للحالة السياسية والأجواء التي تحيط بعملية الانتخابات التمهيدية هذه المرة والتي وصفها الكاتب الأمريكي جيفري أرونسون بأنها تحمل معالم غضب وربما حنق وكراهية من جانب الأمريكيين تجاه المؤسسات الحزبية الأمريكية لا سيما الحزبين البارزين، الجمهوري والديمقراطي على حد سواء. وفيالوقت نفسه تبدو متابعة الأمريكيين للانتخابات التمهيدية شكلاً من أشكال الاهتمام باستعراض فني أو رياضي، وهي مجالات تبرع فيها عادة الآلة الدعائية والتسويقية في البلاد، وهذا كلام خطر مؤداه أن الجماهير لم تعد تثق في القيادات السياسية ولا فيما تقول، وربما تكون حظوظ المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز والجمهوري دونالد ترامب العالية، نوعاً من أنواع العقاب المقنع من ا لطبقة المتوسطة الأمريكية تحديداً للقيادات الأمريكية، بدءاً من الرئيس الذي روّج بأنه قادر على التجرؤ على الأمل وإحداث التغيير في الداخل الأمريكي، وقد خيل لكثيرين أنهم أمام نموذج إصلاحي جديد يستلهم روح الغلاسنوست والبريسترويكا عند ميخائيل غورباتشوف، لكن وقبل بضعة أشهر من نهاية ولايته اكتشف الأمريكيون أن تفكيرهم رماد في حين كانت عواطفهم حريقاً. هل حسم الديمقراطيون مرشحهم الذي سيحوز بطاقة ترشيح الحزب في المؤتمر العام في يوليو/تموز القادم؟ أظهرت نتائج استطلاع رأي لرويترز ابيسوس جرت في الفترة من 8 إلى 12 إبريل/نيسان ما يشبه التعادل في كفتي التأييد للمتنافسين الرئيسيين على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية، فقد حصل كل من السيناتور بيرني ساندرز، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون على نسبة تأييد قدرها 48% في الاستطلاع الذي شمل 719 ديمقراطياً.. هل معنى ذلك أن ساندرز يقترب من مستوى التأييد لهيلاري ويمكن أن يهدد حظوظها في نيل ترشيح الحزب الديمقراطي لها؟ بعد فوز ساندرز على منافسته هيلاري في مجالس الناخبين التي جرت في ولاية وايومينغ الأسبوع الأول من الشهر الجاري ارتفع عدد أصوات المندوبين المؤيدين له إلى 1113 مندوباً، فيما ظلت كلينتون تتصدر عدد المندوبين بفارق واضح، حيث وصل عدد المندوبين المؤيدين لها إلى 1790 مندوباً، ما يعني أن هناك فارقاً يصل إلى سبعمئة صوت تقريباً لصالح هيلاري.. هل هذا التقدم يمكن أن تهدده الانتخابات التمهيدية التي ستجرى في ولاية نيويورك في التاسع عشر من إبريل/ نيسان الحالي؟ الشاهد أن نيويورك تحوز 291 مندوباً للديمقراطيين، ومعنى ذلك أن فوز هيلاري بالغالبية هناك سيدعم طريقها إلى الدور النهائي في المنافسة. تعد نيويورك، موطن ساندرز الأصلي، فقد ولد في بروكلين وعاش فيها حتى الثامنة عشرة من عمره، ويكتسب ساندرز شعبية كبيرة هناك لا سيما بين الشباب الجامعي المتحمس الذي لا نستطيع وصفه بالاشتراكي, لكن الذي حصل أن هيلاري فازت بنسبة 60 بالمئة من الأصوات.فقد شكلت نيويورك ملعبا فسيحاً ومتسعاً لهيلاري، فقد اختارتها مقراً لإقامتها بعد نهاية الولاية الثانية لزوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، وقد انتخبت كممثلة للولاية في مجلس الشيوخ منذ عام 2000، وحضور كلينتون هناك قوي ونافذ لاسيما ارتباطها الواضح مع جماعات وول ستريت القادرة على زخم حملتها بالمال اللازم، عطفاً على الأصوات المؤيدة لها من الجماعات الداعمة لدولة إسرائيل، وذلك بسبب مواقفها - الإيجابية بالمطلق - من الدولة العبرية، فضلاً عن علاقاتها مع المؤسسات الشعبوية والنخبوية في الولاية. الثابت أن الاختيار في حالة الحزب الديمقراطي قد يكون واضحاً جداً، ذلك أنه إذا لم يحقق ساندرز مفاجآت كبيرة فيما تبقى من ولايات- وهو أمر مشكوك في إمكانية حدوثه- فإن الطريق إلى اختيار هيلاري سيمضي إلى الأمام دون عوائق أو معوقات، وسيعلنها الحزب في يوليو القادم مرشحة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض في 2016.. أين يغيب بل ويصعب هذا الحسم؟ بالقطع تقع الإشكالية الكبيرة عند الحزب الجمهوري فقد غاب المرشح النجم القادر على الحسم المبكر، مثلما كان المشهد في انتخابات عام 1981 عندما جاء رونالد ريغان ليكتسح الديمقراطيين. نهار السبت التاسع من إبريل الجاري كان المرشح الجمهوري الذي يمكن وصفه باليميني بدرجة أو بأخرى وربما ينطبق عليه تعبير يمين الوسط تيد كروز يفوز بجميع أصوات مندوبي ولاية كولورادو، البالغ عددهم 34 مندوباً، وبذلك رفع كروز عدد المندوبين المؤيدين له نحو 538 مندوباً، لكن يظل دونالد ترامب متقدماً عليه حيث بلغ عدد المندوبين المؤيدين له نحو 746 مندوباً، ما يعني أن هناك نحو مئتي مندوب جمهوري حتى الساعة يؤيدون ترامب بأكثر من داعمي أو مرشحي كروز.. يبدو أن المصالح تتصالح، كما يقال، والتحالف بين المال والأعمال من جهة وبين إمبراطوريات الإعلام من جهة ثانية يمضي إلى الأمام بغير رجعة. قبل عدة أيام خرجت الصحيفة الشعبوية واسعة الانتشار بافتتاحية تروج فيها لترامب واصفة إياه بأنه أفضل من يمثل القيم النيويوركية، بل والأفضل لجميع الأمريكيين الذين يشعرون بأن الطبقة السياسية الحاكمة قد خانتهم أو باعتهم على قارعة الطريق. هل ترامب عقبة في طريق حسم الجمهوريين لاختيار مرشحهم؟ أغلب الظن أن ترامب سيفوز وبقوة في ولاية نيويورك، فهو رجلها الثري وصاحب كنزها العقاري والمالي المعلن وليس الخفي. هنا ستتعقد الحبكة الدرامية السياسية- إن جاز التعبير- عند قيادات الحزب الجمهوري غير الراضين عنه، فترامب، وكما أشار البروفيسور جيمس زغبي، أداة ناقدة ومحطمة للعقيدة الأرثوذكسية السياسية التقليدية للحزب الجمهوري منذ عقود طوال، كما أن أفكاره لا تجمع الأمريكيين من حوله بل تفرقهم، ولا توحد العالم حول أمريكا الاستثنائية والضرورة بل تشتتهم في طريق أمم وشعوب مغايرة روسية أو صينية تحديداً. المؤكد أنه إن لم يحرز كروز مفاجآت فلن يكون أمام القيادات غير ترامب، لكن هناك من يدعو لأن يستمر جميع المرشحين الجمهوريين في السباق، وألا ينسحب أحد منهم حتى لا يحصل أي منهم على الأغلبية المطلوبة، وبالوصول إلى المؤتمر العام في يوليو القادم يمكن طرح اسم آخر للترشح والاتفاق عليه.. هل من أسماء فعلية في هذا الإطار؟ يبدو أن الجمهوريين ومن باب المناورة السياسية التكتيكية يطرحون اسم ميت رومني لكن أعينهم على خيار استراتيجي آخر هو رئيس مجلس النواب الجمهوري الشاب بول رايان، وهو حديث ربما يكون سابقاً لأوانه في الأسابيع القادمة. وفي كل الأحوال لا يبدو أن الإعلان عن عملية حسم واضحة داخل الحزبين مسألة قريبة في انتخابات مثيرة ترتفع فيها أصابع الأمريكيين بالاتهامات للمؤسسات الاقتصادية والسياسية والوطنية.
مشاركة :