لا شك أن المرأة السعودية تحقق اليوم تقدما هائلا في أوضاعها التعليمية والمهنية والحقوقية لا يمكن مقارنته حتى بما كان سائدا خلال السنوات العشر التي خلت، لذا نستطيع أن نرى ملامح امرأة جديدة تساعدها الإرادة السياسية لتحقيق مكاسب هنا وهناك بحيث تمكنت خلال عقد من انتزاع حقوق كبيرة في مجالات مختلفة ومنها التعليم والتوظيف والاستقلال المادي والقانوني وهو الذي لم يكن إلا حلما قبل سنوات. المشكلة إذن ليست تماما في المشرع (على الأقل في بعض الجوانب المهنية والتعليمية) لكنها في التطبيقات الميدانية من طبقة التنفيذيين الذين لم يتمكنوا من تجاوز عقلية الوصاية التي اعتقلت وعطلت المرأة السعودية لسنوات. وحتى يكون ما أقوله أكثر تحديدا: سأورد هنا أحد الأمثلة الصارخة الذي تم نشره في صحفنا المحلية قبل أسبوعين والعنوان يقول: قاضٍ، شركة وظفت زوجته دون علمه، هل يتخيل أي منكم قراءنا الأعزاء (وخصوصا من الرجال) أن يكون لأحد حق إيقافك من الذهاب إلى عملك اليومي أو إيقافك من الالتحاق بمؤسسة تعليمية، فقط بسبب جنسك؟ الطريف (أو هو المبكي)؟ هو ما أوضحه مسئول الموارد البشرية لاحقا حيث ذكر أن المواطن يدعي ان الموظفة زوجته ولكن هي في الواقع طليقته؟ في الحقيقة أرى أن المشكلة ليست فقط (في الحق الثقافي والاجتماعي الذي مكن هذا المواطن من رفع الشكوى الكيدية ضد طليقته: المشكلة في ما قاله المسئول في الشركة لتبرير (سلامة) موقف الشركة اجتماعيا وقيميا: حيث قال نصا: مكتب العمل لا يشترط موافقة ولي الأمر ولكننا نحن نشترط ذلك لذا حرصنا على الحصول على موافقة ولي أمرها وهو والدها الذي أحضر دفتر العائلة بما يثبت طلاق ابنته من المواطن، كما قام بتوقيع كافة الأوراق الرسمية الخاصة بموافقة ولي الأمر والذي تم على أساسه توظيف (المذكورة)! يا لها من بائسة هذه المذكورة ومثلها مئات الآلاف عبروطننا الكبير المترامي الأطراف اللاتي يقعن تحت وصايات لا تنتهي بدءا من الأب وانتهاء بالزوج وحتى آخر فرد من العصبة إذا وجدوا سبيلا لذلك وهو الأمر الذي أجاز لقاضي أن يطلق امرأة حاملا من زوجها بدعوى عدم كفاءة النسب رغم أنها تزوجت بموافقة الولي وهو والدها بعد رفع العصبة الأمر بعدم رضاهم؟؟! فمسكينة هذه (المرأة) التي ستظل مطاردة في كل موقف حياتي ومنذ ولادتها حتى مماتها بفعل الأنظمة التي تشعشع في كل جنبات الممارسات الميدانية التي تواجهها المرأة السعودية. من الواضح إذن أنه ورغم نجاح الضغط النسوي مدعوما بإرادة سياسية إيجابية خلال الاثنتي عشرة سنة الأخيرة وهو ما أدى إلى تغيير في بعض الأنظمة القائمة التي تحكم حركة المرأة الا إن روح النظام وقوالبه التنفيذية الجاهزة هي ما يتحكم في شؤونها على أرض الواقع الذي لم يتغير للأسف. أين تكمن المشكلة إذن؟ إنها في الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها منذ السبعينيات، أية حقوق او مشاركات تخص المرأة السعودية سواء تعلق الأمر بتعليم أو توظيف أو استثمار أو بيع وشراء وخلافه. الفكرة كانت أن المرأة كائن ناقص (بحكم جنسه) وغير عاقل ولا يستطيع تدبير نفسه بما يبرر حاجة هذا المخلوق (الضعيف) للحماية والوصاية. هذه الفكرة هي من تحكمت في مساراتنا كنساء وحتى الآن فحددت نوع تعليمنا ونوع الوظائف التي يمكن لنا أن نعمل فيها ومقدار حركتنا في الفضاء الخاص (ضمن نطاق الأسرة) أو في الفضاء العام (خارج المنزل)، فمنعت القيادة وقيدت حركة السفر الا برضى الولي وهلم جرا. ورغم أن المشرع نفسه يحاول اليوم إصلاح الأمر بقرار هنا وقرار هناك، لكن من الواضح ان الأجهزة التنفيذية لا تستجيب إلا لما اعتادت عليه من ممارسات بيروقراطية (آمنة) اجتماعيا وثقافيا.. إذن ما العمل؟ أولا: وضع قوانين واضحة تجرم أية ممارسات على أساس الجنس ضد أي كان وتحديدا المرأة بمعنى ان الشركة نفسها يجب أن تعاقب لأنها خالفت النص القانوني الذي لا يطلب موافقة ولي الأمر لكن اجتهادات التنفيذيين وقناعاتهم الذاتية هي ما يحرك سلوكهم الإدراي الذي تدفع المرأة ثمنه بما يحتم إيجاد (عقوبات) تلسع هذا التنفيذي عند تخطيه الأنظمة. ثانيا: إيجاد جهات رقابية رسمية ومدنية تتابع كل ما له علاقة بالمرأة ومن أمثلتها مكتب العمل وكذلك الجمعيات النسائية والجماعات داخل مجالس الغرف الاقتصادية وتجمعات حقوقية ونسائية مدنية لديها كل الاستعداد للعمل من أجل ضمان تطبيق أمثل يراعي حقوق المرأة. ثالثا: وهو الأكثر أهمية كما أرى وهو إشراك الذكور مباشرة في كل هذه النشاطات وبث الوعي بأهمية التوعية للوعي بمعنى الممارسات غير المنطقية وتطبيقاتها على أرض الواقع في المدارس، وخاصة الثانوية وكما نجحنا اليوم في توعية المجتمع بحقوق الكثير من الأقليات المغبونة في مجتمعنا مثل الفقراء أو الأيتام يمكن لنا فعل الشيء نفسه بالنسبة للمرأة التي تتعرض لشتى أنواع التمييز في كل خطوة من حياتها. التحول الوطني يفرض علينا أن نغير العدسات التي نرى بها المرأة السعودية الجديدة بحيث يكون هذا التحول عدسة كبرى ننظر من خلالها للجميع من مواطني المملكة بدرجة متساوية مهما اختلفوا في أجناسهم او ألوانهم أو خلفياتهم القبلية. يجب أن نتذكر بأنه لا مفر لنا من الدخول إلى عالم اليوم: عالم جديد مؤسس على احترام الجميع وإعطائهم حقوقهم مهما اختلفوا في الوظائف أو الواجبات. مقالات أخرى للكاتب التحول الوطني: حين تتسع الأسئلة؟ البحث العلمي في الجامعات السعودية كيف يمكن لنشاطات ما بعد المدرسة أن تدعم النمو العاطفي والاجتماعي للتلاميذ؟ مجتمع ساخر حتى حدود التدمير الأطفال بين الألعاب الإلكترونية والتقليدية: رؤية تربوية مستقبلية
مشاركة :