وقف العالم مشدوها ومرعوبا في حرب الخليج 1991. والسبب لم يكن الدمار الذي نتج عنها. الحروب ترافق البشرية منذ نشأتها ولم ولن تخلو الدنيا منها. هذه كانت أول حرب في التاريخ يجري فيها استخدام ما يطلق عليه بالإنجليزية smart weapons أي: الأسلحة الذكية على نطاق واسع. والسلاح الذكي يسير في الطريق المحدد له صوب الهدف وبدقة متناهية حتى إن كان مقاتلا منفردا يعتلي دراجة نارية تسير بسرعة 100 كيلومتر في الساعة. ومنذ مستهل التسعينيات من القرن الماضي صار الذكاء الاصطناعي هدفا للدول الصناعية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول تعمل في فلكها مثل هولندا وتايوان حيث تقع أهم شركات الرقائق الإلكتروينة التي تقود هذه الثورة الصناعية الحديثة. الصين لم تجعل من الذكاء الاصطناعي هدفا لها إلا بعد مشاهدتها ما يمكن أن تفعله الأسلحة الذكية في ساحة المعركة. كانت الصين تراقب عن كثب استخدام الأسلحة الذكية التي يقودها الذكاء الاصطناعي من قبل الولايات المتحدة. وهنا أذكر لقاء مع مسؤول صيني يقول فيه: إن استخدام الولايات المتحدة بكفاءة عالية للأسلحة الذكية هي التي أدت بالصين للاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتطويعه في صناعة السلاح. ويقول المسؤول العسكري الصيني إن حال لساننا كان: ماذا لو كنا نحن المستهدفين وأسلحتنا التقليدية لا تملك من الذكاء ما يوازي عشر ما لدى الأسلحة التي لدى أمريكا في حينه؟ ومنذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم قررت الصين دخول معترك Artificial Intelligence أي الذكاء الاصطناعي في خطة تنموية انفجارية. سقت هذه المقدمة مدخلا لإلقاء الضوء على ثورة الذكاء الاصطناعي والصراع على احتكار إنتاج الرقائق الإلكترونية electronic chips التي تدير هذه الثورة. هذا صراع لا مثيل له في التاريخ رغم أننا في مستهله وهو يشبه كثيرا ما يحدث في أفلام أو روايات الخيال العلمي حيث الغلبة للذي يتحكم في الماكينة أو الآلة الذكية. ويبدو أن أمريكا لها قصب السبق في بعض حلقات الذكاء الاصطناعي والدليل على ذلك هي شركة إنفيديا Nvidia التي تجاوزت قيمتها شركات تريليونية أخرى مثل أبل Apple ومايكروسوفت Microsoft الشركتان اللتان كانتا الأغلى قيمة في العالم قبل بروز نجم إنفيديا وولوجها باب التريليونية. واليوم الثلاثاء الذي فيه أنكب على كتابة مقال الأسبوع وصلت القيمة السوقية لإنفيديا إلى 3.34 تريلون دولار في زيادة طفيفة على قيمة شركة مايكروسوفت البالغة 3.32 تريليون وأبل 3.29 تريليون. وكي نستوعب هذه الأرقام علينا وضعها ضمن سياق الاقتصاد العالمي، حيث تبلغ القيمة السوقية للشركات الثلاث، وكلها تستند الى الذكاء الاصطناعي في عملياتها الإنتاجية والبرمجية، أكثر من نصف قيمة الإنتاج الإجمالي الصيني البالغ 18 تريليون دولار، وأكثر من ثلث قيمة الإنتاج الإجمالي الأمريكي. وحاليا تقترب قيمة شركة إنفيديا من قيمة الإنتاج الإجمالي للملكة المتحدة، وتفوق قيمة الإنتاج الإجمالي لفرنسا وتزيد بأكثر من تريليون دولار على قيمة الإنتاج الإجمالي للبرازيل. قد لا توضح المقاربات هذه الواقع الحقيقي للاقتصاد في أي من الدول المذكورة في أعلاه، بيد أنها تؤشر إلى الثورة الصناعية الذكية الناشئة وأن مصير العالم برمته صار على المحك، لأننا جميعا سنصبح رهائن لدى أصحابها إن لم نمتلك ناصيتها. الذي بيده ناصية الذكاء الاصطناعي سيهيمن على العالم، وما نشاهده من إنجازات لهذه الثورة ، ورغم سحره ومعجزته لا يمثل إلا قطرة في بحر ما ينتظرنا. إنه عصر الرقائق التي هي من الذكاء ما قد لا يتداركه البشر، وانظر حواليك وسترى كيف أنها تقود المعارك وعجلة الإنتاج والصناعة والخدمات من الصحة والتربية وغيرها. "إنفيديا" فتحت عصرا جديدا، علينا اللحاق به إن أردنا لأنفسنا مكانا تحت الشمس.
مشاركة :