الطليعة الشحرية تتجلّى آية الله سبحانه في الإعجاز الإعلامي الرائع في قول الهدهد: "وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ" (النمل: 22)؛ حيث نرى في قصة الهُدهُد تنوعًا في أبطال القصة، فمرّة نجد نبي الله سُليمان يتفقَّد الطير فلا يجد الهدهد، ومرة نجد الهدهد يقف بين يدي نبي الله سليمان مُتحديًا "أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ" (النمل: 22)، ومرة ثالثة نجده عند ملكة سبأ وقد عبدت الشمس من دون الله، وكأنه يُحلِّل المعلومات ويفهمها ويعقلها.. وهنا نسأل: أيُشبه هُدهد سليمان مُسيَّرة حزب الله؟! اخترقت مُسيَّرة حزب الله "الهدهد" شمال فلسطين المُحتلة، وعادت بمقطع مدته 9 دقائق عالي الدقة والوضوح، يكشف مواقع إسرائيلية حسّاسة وقواعد عسكرية ومخازن أسلحة وصواريخ وموانئ بحرية ومطارات، ومشاهد جوية لمدينة حيفا، من بينها مجمع الصناعات العسكرية ومنطقة الموانئ التي تضم قاعدة حيفا العسكرية ومنشأة بتروكيميائية، علاوة على مبنى قيادة وحدة الغواصات وسفن ساعر الحربية بأنواعها؛ مما يعني أنَّ حزب الله يمتلك القدرة على اختراق دفاعات الكيان المحتل والعودة دون أن يُكشف. خطاب الـ Golden Time قال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله إنَّ المقاومة "ستقاتل بلا ضوابط أو قواعد أو سقوف إذا فُرضت عليها حرب شاملة مع إسرائيل"، وأشار إلى أنَّ "العدو يجب أن ينتظر المواجهة برًا وبحرًا وجوًا"، واعتبرُ أن هذا الخطاب هو "خطاب الفترة الذهبية"، وهي الفترة الزمنية التي تتراوح مدتها من بضع دقائق إلى عدة ساعات عقب الإصابة بصدمة بعد أي اعتداء. لقد فجّر خطاب الأمين العام لحزب الله، الرعبَ في الشارع الإسرائيلي؛ فالمُقاومة اللبنانية تمتلكُ القدرة العسكرية، وتعرف أهدافها بدقة، ولن تستثني صواريخها هدفًا ثابتًا أو متحركًا في حالة صعّد الجيش المُحتل والمختل دائرة الصراع، واجتاح لبنان، أو شن عدوانًا عليه. عاد هُدهد حزب الله بالخبر اليقين، مُثيرًا الشك والرعب؛ فلم تعد فكرة اجتياح لبنان اليوم بذات السهولة كاجتياح بيروت في 1982؛ إذ إن إسرائيل الأمس مُحصّنة دوليًا تستطيع اجتياح دولة أخرى ذات سيادة وسلطة وشرعية بذريعة طرد المنظمات الفلسطينية! لكن المُسيَّرة "هدهد" قلبت الطاولة على رأس دول الكهنوت الخائنة والتي تنسج مخططًا عنكبوتيًا مع الجيش المُختَل لتطويق وتصفية الشعب الفلسطيني والمقاومة. جيش الـ70 ألف مجنون انهيار "الجيش الذي لا يُقهر" تأكد من خلال التراشق بالتصريحات بين المتحدث الرسمي باسم الجيش دانيال هاغاري وابن نتنياهو الهارب من جحيم الحرب إلى رغد العيش في ولاية فلوريدا الأمريكية؛ إذ قال هاغاري: "حماس فكرة وحزب وهي مغروسة في قلوب النَّاس ومن يعتقد أن بإمكاننا إخفاءها فهو مخطئ"، مضيفًا "الكلام عن القضاء على حماس خداع للجمهور". هذا يؤكد أنَّ جيش الكيان المُختَل فَقَدَ توازنه لا سيما مع ارتفاع عدد المُعاقين في صفوفه، وقد كشفت الأرقام أنَّ 70 ألفًا يعالجون من أمراض عقلية جرّاء الحرب. لقد صَدَقَ العدو، عندما قال إن حركة حماس تجسّد فكرة مُطلقة غير محدودة، هدفها التحرر من الظلم ومُقاومة الطغيان، وهذه سُنة كونية، لن تُبدّل ولن تتغير. وجنون السفاح نتنياهو وسعيه إلى فتح جبهة حرب في لبنان، ما هي إلا مُماطلة للبقاء في السلطة. العالم يعلم أن مرتكب الهولوكوست هم النازيون الألمان وليس الفلسطينيون، والعالم يعلم أن أول دولة طُرِدَ اليهود منها كانت بريطانيا العظمى، بعد أن أصدر ملك إنجلترا إدوارد الأول عام 1290 أمرًا بطرد كل اليهود من بلاده، وأصبح أول بلد يُقدِم على هذا الإجراء في أوروبا قبل إسبانيا بثلاثة قرون! والعالم يعلم من هم الذين قتلوا 140ألف شخص في هيروشيما و80 ألف شخص في ناغازاكي، ومن ارتكب مجزرة "بود داجون" بحق سكان قبيلة "المورو" (Moros) الواقعة جنوب الفليبين، ومن ارتكب مذابح قندهار بأفغانستان والفلوجة بالعراق. بكل أسف ستطول قائمة المذابح التي ارتكبها الجيش الأمريكي بمفرده! واليوم تُساعد الإدارة الأمريكية وجيشها على تنفيذ أبشع المذابح بحق الفلسطينيين، وارتكاب جرائم إبادة جماعية بالصوت والصورة وعلى الهواء مباشرة، مع تعمُّد تجويع الشعب الفلسطيني.. لذلك نسأل: لماذا لا يُدرج الجيش الأمريكي على قائمة العار الأممية؟! لماذا لا تتنازل بريطانيا عن دولة تابعة للتاج البريطاني لصالح اليهود؟ إنَّ المقاومة فكرة أقوى من رصاص الاحتلال، والفكرة لا تموت ولا تنتحر؛ بل يُخلِصُ المرء لها ويتفانى في سبيلِها ويسترخِصُ لقاءَ تحقيقها كلَّ غالٍ ونفيس. لقد غاب هُدهد سليمان، تم أتاه بـ"نبأ يقين"، واخترقت مُسيَّرة حزب الله "الهدهد" قبل خطاب الفترة الذهبية بـ24 ساعة وعادت بمشاهد تشل الكيان وحلفاءه. نكأ الخطابُ جبهةَ الأعداء، وقطع المسار السياسي الذي يسعى لرسمه آموس هوكشتاين مبعوث الرئيس الأمريكي، وكُل المساعي على الصعيدين السياسي والإعلامي لتشويه المقاومة ولتبرير الذبح والإبادة غير مجدية؛ بل عقيمة؛ لأن الشعوب أحاطت بما جهلت، الشعوب كالهدهد حلَّلت وفهِمَت؛ ففكرة المقاومة لا تحتاج إلى قهر أو إجبار أو إخضاع أحد لقبولها والإيمان بها. عندما تلقفت آذان تلميذ إسحاق بن راهويه يوم قال: " لو أن أحدَكم يَجْمَعُ كتابًا فيما صحَ من سُنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم"، مات إسحاق ونتيجة فكرته ماثلة في صحيح تلميذه البخاري. إنَّ الايمان بالمقاومة فكرة لن تموت، ولن يدفنها الاحتلال ولا أعوانه.. تفنى الأجساد وذاكرة الهُدهد تُسجِّل وتحفظ وتوحي للبشر بأفكار عظيمة يُخلِّدُها التاريخ.
مشاركة :