بعينين مغرورقتين وغصة تكاد تكتم أنفاسه، يطالع الطالب الفلسطيني رافع إياد من قطاع غزة صور طلبة الثانوية العامة (التوجيهي) عبر هاتفه النقال بينما يقدمون على أداء امتحاناتهم النهائية. وتوجه أكثر من 50 ألف طالب وطالبة في الضفة الغربية أمس (السبت) لأداء امتحانات الثانوية العامة في دورها الأول للعام 2023-2024، فيما غاب نحو 39 ألف من قطاع غزة جراء استمرار الحرب بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل. وبلغت نسبة من سيتقدمون لاجتياز الاختبارات نحو 56% فقط، وفق وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية. وذكرت الوزارة أن نحو ألف طالب من سكان القطاع الذين نزحوا إلى مصر تمكنوا من المشاركة بالامتحانات في قاعة دراسية خاصة، علما بأن الامتحانات ستستمر لغاية الثامن من يوليو المقبل. ويقول إياد البالغ من العمر (18 عاما) الذي حرم من مواصلة تعليمه الدراسي بسبب الحرب لوكالة أنباء ((شينخوا)) "في مثل هذا اليوم، كان من المفترض أن أتواجد على أحد مقاعد الامتحانات النهائية، وأن تكون بداية خطواتي نحو بناء مستقبلي". ويضيف إياد بينما بدت شفتاه متشققتان بسبب الجفاف "اليوم، أنا أقف هنا بين خيام النازحين لا أعرف ما هو مصيري ولا مصير عائلتي ولا حتى إن كنا سنعيش مستقبلا أصلا". وبالنسبة لإياد، فقد تبددت جميع أحلامه بأن يدخل كلية الطب، وأن ينهي رحلته التعليمية في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة قبل أن يسافر إلى إحدى الدول العربية ليتخصص في جراحة القلب. وبصوت حزين ومنهك يقول "إسرائيل دمرت كل شيء في غزة (..) ليس فقط المباني والحياة ولكن دمرت حتى أحلامنا وطموحاتنا بأن نكون مواطنين صالحين نساهم في بناء مجتمعنا بطريقة متحضرة". ويتابع الشاب "ببساطة لقد أعادتنا إسرائيل إلى العصور الحجرية، ونحن سنحتاج سنوات طويلة وربما عقود حتى نتمكن من استعادة حياتنا ما قبل السابع من أكتوبر الماضي". ويضيف رافع الذي بدا حزينا لأن الطلبة في الضفة الغربية والخارج أدوا أول امتحاناتهم أن "اختبارات الثانوية العامة مهمة في حياة الطالب وتحدد مصيره ومن خلالها يشق طريقه إلى الجامعة أو السفر إلى الخارج". ويقول رافع بينما ينظر إلى السماء يشاهد طائرة إسرائيلية اخترقت حاجز الصوت محدثة صوت انفجار كبير "ما ذنبنا ؟" في عدم تقديم امتحانات الثانوية العامة كباقي الطلبة في الضفة الغربية والخارج. ورافع واحد من بين 39 ألف طالب حرموا من التوجه لتقديم الامتحانات أسوة بزملائه في الضفة الغربية والخارج، وذلك لأول مرة في تاريخ فلسطين بسبب الحرب المتواصلة في القطاع الساحلي الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة. ونزح رافع مع أفراد عائلته من بيتهم في حي الشجاعية شرق مدينة غزة في أكتوبر الماضي إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة بأمتعتهم الشخصية دون أي متعلقات خاصة بدراسته بسبب سوء الأوضاع الميدانية في حينه. وقتل 430 من طلبة الثانوية العامة و350 من المعلمين والمعلمات في قطاع غزة بفعل الحرب، وأصيب أكثر من 12 ألف طالب، بينهم 2500 أصبحوا من ذوي الإعاقة، بحسب بيان لوزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية. وتسيطر الحسرة والقهر والغضب أيضا على الطالب تامر منصور الذي فرضت عليه الحرب أن يحول مقعدا دراسيا كان من المفترض أن يجلس عليه في مدرسته في حال لم تندلع الحرب إلى بسطة متنقلة يبيع عليها مواد تموينية لإعالة أسرته النازحة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة. ويقول منصور بينما انتهى للتو من ترتيب البسطة ل((شينخوا)) إن الطلبة وعائلاتهم يفكرون حاليا بإدارة شؤون حياتهم الصعبة التي فرضت عليهم قسرا أكثر من امتحانات الثانوية العامة رغم الغصة الكبيرة. ويضيف الشاب الذي يحرص على مراجعة بعض العبارات التعليمية وهو جالس رغم أجواء الحرب أن "العلم سلاحنا الذي نتمسك به ولكن لدينا أولويات الآن، فنحن نعيش حرب طاحنة ونحتاج مصاريف فلا تعليم ومدارس حاليا". ويتابع منصور أن الطلبة في غزة ينظرون إلى زملائهم في الضفة الغربية والخارج وينتابهم حزن لأنهم لم يستطيعوا مشاركتهم وإنهاء مرحلة من حياتهم. ورغم ذلك إلا أن الطالب منصور يقول إن الأجواء العامة في القطاع "لا تساعد على التفكير في امتحانات الثانوية العامة بسبب الحرب المتواصلة ودوي الانفجارات على مدار الساعة وفقدان الأصدقاء والأقارب وتدمير المدارس". وبحسب إحصائيات فلسطينية، فإن الجيش الإسرائيلي دمر قرابة 110 مدارس وجامعة بشكل كلي و321 مدرسة وجامعة بشكل جزئي بالقطاع، فيما قالت وزارة التربية والتعليم إن الإحصائيات قابلة للارتفاع مع استمرار الحرب. وأكدت الوزارة التزامها الكامل إزاء طلبة الثانوية العامة من سكان قطاع غزة وذلك من خلال عقد دورة خاصة لهم لتقديم الامتحانات حال توفر الظروف الموضوعية والوصول للحد الأدنى من المادة التي يجب أن يمتحنوا فيها. وقال الوكيل المساعد للشؤون الطلابية في وزارة التربية والتعليم العالي والناطق باسم الوزارة صادق الخضور "يجب أولا أن يتوقف العدوان حتى نبدأ بتطبيق الخطط التي وضعتها الوزارة لنتمكن من تجميع الطلبة وإعطاء المادة التعليمية بشكل مكثف لفترة من الزمن، ومن ثم التفكير بتحديد موعد لعقد الامتحان الخاص بطلبة التوجيهي". وذكر الخضور ل((شينخوا)) أن الخطوط العامة للخطة تقوم أولا على تنفيذ مسح شامل للوقوف على حجم الخسائر وطبيعة الأضرار التي لحقت بالمؤسسات التعليمية الناجمة عن "العدوان واستيضاح أماكن تجمع المواطنين لإقامة وحدات صفية بديلة عن تلك المهدمة تراعي التوزيع الديمغرافي". وتقوم الخطة في البند الثاني، وفق الخضور، على إنقاذ الفاقد التعليمي وفق خطة تستند إلى نظام الرزم التعليمية المكثفة وتقديم التدخلات النفسية والاجتماعية لمساعدة الطلبة على التعافي مما لحق بهم من ضرر نفسي واجتماعي. ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، تشن إسرائيل حربا واسعة النطاق ضد حركة حماس في غزة تحت اسم "السيوف الحديدية" أدت لمقتل أكثر من 37 ألف شخص وخلفت أزمة إنسانية ودمارا كبيرا في المنازل والبنية التحتية. وجاءت الحرب بعد أن شنت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أسمته "طوفان الأقصى"، أودى بحياة أكثر من 1200 إسرائيلي، وفق السلطات الإسرائيلية.■
مشاركة :