برامج "التوك شو" الرياضية تعوض السياسة في توجيه الرأي العام المصري

  • 6/26/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تتصدر محتويات بعض البرامج الرياضية التلفزيونية في مصر “تريندات” مواقع التواصل الاجتماعي مع توالي الأزمات التي تعانيها لعبة كرة القدم، صاحبة الشعبية الأكبر. وانتشار البرامج عبر فضائيات مصرية وعربية وجدت فيه فرصة للحفاظ على ما تبقى من جمهور عزف جزء منه عن متابعة وسائل الإعلام التقليدية ما يحقق أهدافا أخرى للحكومة المصرية التي تستفيد من انشغال الجمهور بقضايا بعيدة عن مشكلات الاقتصاد والسياسة والمجتمع. القاهرة - حضر برنامج “الكورة مع فايق” الذي يقدمه الإعلامي المصري إبراهيم فايق على فضائية “أم.بي.سي مصر2” بعد انتقاله من قناة “أون تايم سبورت” إلى القناة السعودية أخيرا، بقوة في تدوينات المصريين على مواقع التواصل المختلفة الأيام الماضية، بعد أن شرع البرنامج في عقد مناظرات بين شخصيات محسوبة على ناديي الأهلي والزمالك، صاحبي الشعبية الكبيرة في مصر. أثارت حلقة استضاف فيها فايق مدير كرة القدم السابق بالنادي الأهلي سيد عبدالحفيظ، والمحلل الرياضي والإعلامي الزملكاوي أحمد عفيفي قبل أيام، جدلا واسعا في أوساط الرياضيين، وانخرط الجمهور في عقد مقارنات بين براهين كلاهما في دعم ناديه وصحة موقفه من بعض القضايا الخلافية، وتحول الأمر إلى صراع وتراشق على مواقع التواصل حول من حقق انتصارا في المباراة الكلامية. يتوقع خبراء الإعلام أن تحضر مثل هذه المناظرات أكثر في برامج تبحث عن جذب الجمهور بكل السبل المشروعة وغير المشروعة لضمان استمرارها وتحقيق مكاسب مادية لأصحاب الفضائيات الذين يعانون من تراجع حصيلة الإعلانات. وعلى الرغم من أنها تساعد في زيادة الاحتقان الرياضي الذي تعاني من نتائجه مصر مؤخرا، لكنها تبدو مقصودة لتوجيه الرأي العام نحو قضايا وخفوت الجدل بشأن أخرى. يكمن الحضور الطاغي للبرامج الرياضية في بعض الفضائيات في تخصيص ساعات يومية لتقديم برامج شبيهة ببرامج “التوك شو” السياسية التي كانت لها الغلة العليا في الماضي قبل أن تتراجع، ما منح البعض من مقدمي هذه البرامج فرصة للظهور والتطرق إلى أحداث رياضية وحوارات وتحليلات خاصة بمسابقات محلية وعربية، تطغى عليها حالة الشد والجذب بين الضيوف في غياب مهارات إدارة الحوار من جانب بعض المذيعين، ومعظمهم من لاعبي كرة القدم السابقين. عزة هيكل: الإعلام الرياضي يتم توجيهه لتسليط الضوء على لعبة كرة القدم عزة هيكل: الإعلام الرياضي يتم توجيهه لتسليط الضوء على لعبة كرة القدم قالت عميدة كلية اللغات والإعلام بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بالقاهرة عزة هيكل إن الإعلام الرياضي يتم توجيهه لتسليط الضوء على لعبة واحدة، وهي كرة القدم، ضمن عملية استقطاب لتظل النقاشات المحتدمة داخل المجال الرياضي بديلا عن الأحزاب السياسية والأنشطة الفكرية والثقافية، وممارسة الحريات التي قيدت منذ مواجهة الفوضى والإرهاب في الداخل، والتي انتهت الآن. وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن الإعلام المصري يتعامل مع لعبة كرة القدم على أنها رياضة استقطابية وليست تنافسية، تعتمد على تحقيق أهداف شخصية لأصحاب القنوات والأندية، بالتالي تغيب عنها المهنية لصالح دفاع كل مذيع أو ضيف عن ناديه الذي ينتمي إليه، ما يضاعف من الاحتقان الرياضي ويصب في صالح عملية الإلهاء الفكري والنفسي، ولفت الأنظار عن المشكلات أخرى. وأشارت إلى أن المؤسسة المسؤولة عن تنظيم الإعلام في مصر غير موجودة وإن كانت هناك هيئات تتواجد على الورق، لكن ليس لديها دور فعال في أي من مناحي الإعلام بما فيها البرامج الرياضية، ما يترك مردودا سلبيا على مصداقية الإعلام المصري محليا وعربيا ودوليا، ويظهر الإعلام الذي يتم من خلاله تصدير المشكلات الرياضية على أنه يسد المنافذ أمام تطهير الجروح الغائرة في جسد المجتمع. ومع أن التوافق بين المسؤولين والإعلاميين على أن البرامج الرياضية تزيد حدة التعصب ويتحول إلى عنف وشغب، فإن تحركات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أو نقابة الإعلاميين ضيقة، وتأتي في توقيتات تتجه فيها الأنظار لمحاولة تخفيف الاحتقان بشكل مؤقت من دون أن تشكل العقوبات المحدودة تهديدا لباقي مقدمي البرامج، وربما تشجع بعض القنوات على تقديم برامج رياضية إدراكا منها بعدم وجود رقيب عليها. وأصدر مجلس تنظيم الإعلام في مصر “مدونة سلوك الإعلام الرياضي” منذ نحو عامين، حظرت على الإعلاميين الرياضيين الإساءة بأي شكل كان إلى الفرق الرياضية المحلية أو تلك التي تنتمي إلى دول أخرى، ومنعت المشاركة في أي أنشطة أو القيام بوظيفة تؤدي إلى تعارض المصالح أو تظهر شبهة بذلك، سواء أكان هذا التعارض حقيقيا أم محتملا، وهي بنود لم يتم الالتزام بها، والواقع يشير إلى وجود تضارب بين غالبية المذيعين والمناصب التي يتولونها في أندية واتحادات رياضية. حسن خلف الله: البرامج الرياضية تستغل التراشق للدخول على تريندات مواقع التواصل حسن خلف الله: البرامج الرياضية تستغل التراشق للدخول على تريندات مواقع التواصل وأعلن المجلس ذاته في العام 2020 عن عشرة ضوابط لمقدمي البرامج الرياضية، قال إنها تهدف إلى “إرساء معنى المسؤولية الإعلامية والقيم الأخلاقية أثناء ممارسة الإعلامي لعمله”، بينها الالتزام بالحيادية وإيجاد قاموس رياضي لتثقيف المشاهدين، وتعزيز الثقافة الرياضية المتنوعة وغير المتعصبة. واعتبر رئيس رابطة النقاد الرياضيين بنقابة الصحافيين المصرية حسن خلف الله عدم وجود معايير واضحة لاختيار المذيعين والضيوف المشاركين في البرامج الرياضية وغياب كافة أشكال متابعة ما يتم بثه من محتويات، لن يتوقفا، لأنها تستغل التراشق بين الأهلي والزمالك للدخول على تريندات مواقع التواصل ونقل ما يدور للتلفزيون. وأكد في تصريح لـ”العرب” أن استضافة القنوات شخصيات تنتمي إلى الناديين، ووضعهما أمام بعضهما ومحاولة كلاهما إرضاء جمهوره، تفتح الباب أمام إنهاء الحيادية المطلوبة في الإعلام، وأن الإعلان عن الهوية سائد الآن لأنه يستطيع جذب فئة كبيرة من الجمهور، ما يدفع الكثير من اللاعبين المشاهير ممن اعتزلوا كرة القدم إلى الاتجاه إلى الإعلام كوسيلة مضمونة للنجاح السريع، وهؤلاء تتهافت عليهم القنوات للإعلانات. وذكر أن ظاهرة تأجير ساعات الهواء لبعض لاعبي كرة القدم السابقين لتقديم برامج خاصة بهم منتشرة في الوقت الحالي، ويتحول البرنامج إلى فقرة إعلانية لا وجود لرقابة عليها، ويبقى الهم الأكبر للمذيع تقديم محتوى يتسم بالسخونة والجرأة ويتضمن جرائم السب والقذف في الكثير من المرات بحثا عن الجمهور الذي يضمن الحصول على دعاية إعلانية تعوض ما دفعه للقناة لاستئجار الهواء. وتابع قائلا “بعض الضيوف يدفعون مبالغ مالية نظير ظهورهم ويدركون بأن تواجدهم ولعبهم على وتر الفتنة بين الجمهور يمكن أن يحقق انتشارا لهم ويساعدهم على التواجد في قنوات أخرى، وقد تتم الاستعانة بهم لتقديم برامج رياضية، وجميعها ظواهر غير مألوفة على الإعلام الرياضي”. يتفق خبراء الإعلام على أن التنافس الإعلاني بين الفضائيات تظهر معالمه في برامج الرياضة، وهناك قنوات بعينها تحظى بالنسبة الأكبر للعوائد الإعلانية التي تأتي للمحتويات الرياضية فيما يحاول أصحاب قنوات أخرى الدخول على خط المنافسة عبر تقديم برامج تغيب عنها المعايير المهنية وتهدف إلى جذب الجمهور إليها، ومن ثم إرغام المعلنين على التوجه إليها، وهو ما يظهر من محاولات التعاقد مع إعلاميين رياضيين بعينهم لديهم القدرة على جذب الجمهور. ويسهم فتح الباب أمام المنافسة الإعلانية بين جميع الفضائيات في ضبط الأداء والتخلي عن إثارة الفتن والدخول في تراشقات كلامية يبحث عنها جمهور تمت تغذيته بمحتويات التعصب، ما يشير إلى وجود أزمة إدارية تنعكس على الإعلام الرياضي.

مشاركة :