أخذ معظم الفرقاء اللبنانيين يتصرفون على أن حكومة 8+8+8 باتت قاب قوسين من أن ترى النور، وحرص كثيرون من أصحاب هذه القناعة على التفتيش عن الأسباب الداخلية والإقليمية التي دفعت نحو هذا التطور المفاجئ وجعلت التجاوب مع هذا المسعى الجديد ينساب بسهولة، معتبرين أن الاتصالات الجارية لتذليل العقبات ستصل الى النتيجة النهائية، لأن قراراً اتخذ من فريقين رئيسيين هما «حزب الله» ومعه حركة «أمل» من جهة وتيار «المستقبل» من جهة ثانية ببذل الجهد من أجل استيلاد الحكومة. ويجمع غير مصدر في فريقي المواجهة السياسية الدائرة في لبنان وفي صفوف الوسطيين على ما سبق أن ذكرته «الحياة» من أن الجدية التي أظهرها رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام بالتوجه نحو حكومة حيادية كانت عاملاً أساسياً في الدفع نحو التفتيش عن حلول أخرى من قبل فريق 8 آذار تجنباً لكأس مواجهة الحكومة الحيادية، بالعودة الى صيغة 8+8+8 والتخلي عن اشتراط 9+9+6 التي كان هذا الفريق يصر على أن لا بديل منها، معتبراً أنها لن تكون على الطاولة إذا لم تقبل بها قوى 14 آذار. وتتفق المصادر نفسها، سواء من قوى 14 آذار أو 8 آذار، على القول إن «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري أرادا تفادي الإحراج إذا قامت الحكومة الحيادية، على رغم ضمان سقوطها -لأنها لن تنال الثقة-، ولأنها ستؤدي عملياً الى إبعادهما عن السلطة السياسية التي ستتولى صلاحيات الرئاسة الأولى في حال حصل فراغ، على رغم رفض الاعتراف بشرعيتها من قبل الحزب وحلفائه، فالمجتمع الدولي سيعترف بها وستتولى تصريف الأعمال على رغم أنها لن تحكم، وبالتالي فإن الوقوف ضدها لن يعطل صلاحيات الرئاسة على رغم التهديد بأنها كانت ستقود الى تكريس الفراغ الرئاسي. وتشير مصادر وثيقة الاطلاع على مجريات الأمور في أول يومين من السنة، الى أن رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط بعث برسالة الى الرئيس بري أبلغه فيها أن الحكومة الحيادية ستصدر الإثنين 6 الجاري «وأنا لن أقف معها، لكنها ستؤدي الى مشكلة كبيرة في البلد ومن الأفضل القيام بتحرك ما»، كما توجه الى الرئيس سليمان الذي كان خارج البلاد، داعياً إياه الى التمهل في إصدار المراسيم، فأخر عودته من يوم الجمعة 3 الجاري الى الأحد الخامس منه ريثما تظهر بوادر خيارات أخرى. وذكرت المصادر أن الرئيس بري كان تشاور في هذا الوقت مع قيادة «حزب الله» من منطلق الحاجة الى تفادي قيام الحكومة الحيادية، خصوصاً أنها قد تؤدي إلى قيام ميزان قوى جديد في البلد وسابقة تقضي بأن تتشكل الحكومة من دون الأخذ برأي القطبين الشيعيين. وعلى هذا الأساس فوّض «حزب الله» الرئيس بري الذي اقترح العودة الى صيغة 8+8+8 «مع تدوير الزوايا»، والتي أطلقت البحث في الحكومة على قدم وساق. وفيما تقول مصادر مقربة من 8 آذار إن حسنة هذه المحاولة اختراق جدار الجمود، ما يشكل اختباراً مهماً لسعي اللبنانيين الى التوافق بعضهم مع بعض من دون «دوحة -2» أو تدخل موفدين عرب أو أجانب هذه المرة، فإن مصادر رافقت الاتصالات التي جرت تعتقد أنه على صحة ذلك، يجب عدم تغييب العامل الإقليمي والظرف الدولي الذي دفع في هذا الاتجاه، إضافة إلى ضغط الأوضاع الأمنية المتردية بفعل اغتيال الوزير السابق محمد شطح وتفجير حارة حريك خلال أسبوع. وترجح المصادر المرافقة للاتصالات الجارية أن يكون لإيران دور أساسي في دفع حلفائها نحو الليونة إزاء الصيغة الحكومية، بعد تهديد نصرالله بأن فريقه سيرفع سقف مطالبه إذا لم تقبل 14 آذار بـ9+9+6، لأن همها استيعاب التأزم الذي قد ينجم عن تصعيد المواجهة الدائرة في لبنان، والمعاكسة لأجواء دولية وإقليمية تغلب عليها التفاهمات في ملفات عدة. التوقيت الدولي الإقليمي وتلفت المصادر الى أن توقيت حسم الملف الحكومي جاء في ظل جملة أحداث إقليمية ودولية فائقة الأهمية، منها: التفاوض على تفاصيل الاتفاق المرحلي حول النووي الإيراني مع الأوروبيين، والذي أعلنت طهران إنجازه، في انتظار تكريسه من قبل مجموعة 5+1، معارك الأنبار ضد الإرهاب بتعاون بين الولايات المتحدة وحكومة نوري المالكي وإيران من ورائها، على رغم التحفظات الأميركية عن دور طهران في العراق، المفاوضات التي تقودها واشنطن على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي والتي لم يعد لطهران التأثير الذي كان لها في خربطتها كما كان يحصل في السابق، عن طريق حلفها مع «حماس»، التحضير لبدء المحاكمات للمتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري في لاهاي، الدعوة الى عقد مؤتمر جنيف - 2 حول سورية الذي يجري الحديث عن دور إيران في تسهيل ما سيقرره، على رغم عدم دعوتها إليه، والذي حددت الأمم المتحدة في دعواتها عنوانه بقيام الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحية في سورية، وذلك بالتوازي مع الحملة التي يخوضها «الجيش السوري الحر» بالتحالف مع التشكيلات الإسلامية الأخرى ضد الإرهاب في سورية المتمثل بـ «داعش». وتضيف المصادر: «هذه الأحداث اجتمعت في أسبوع واحد تقريباً مع ما لها من استمرارية وتداعيات في الأسابيع المقبلة، وهي إضافة الى أن إيران في كل منها، فإن المملكة العربية السعودية لها دور فيها وموقف منها، وهي تأتي في ظل توافق دولي، لا سيما أميركي روسي على كل منها. لكن المهم أيضاً أن هذا التوافق ينسحب على دعم الاستقرار في لبنان ومنع فلتان الوضع الأمني فيه، وعلى التشديد على ملء الفراغ الحكومي، وهذا التوافق تكرس في بيانين لمجلس الأمن، وجرت ترجمته في محادثات ممثلي الدول الكبرى كل على طريقته مع القوى الإقليمية المعنية بلبنان، لا سيما إيران. ويقول أحد المصادر السياسية البارزة المتابعة للمحادثات الدولية - الإقليمية حول كل العناوين المذكورة، إنه يجب عدم الاستهانة بدور إيران في دفع حلفائها اللبنانيين الى ترجيح التفاهم على الصدام في ما يخص التأزم السياسي الداخلي، فطهران تدرك أهمية التوافق الدولي على منع التفجير في لبنان، الذي كان يمكن أن يحصل لو قرر حلفاؤها الذهاب الى المواجهة ضد الحكومة الحيادية في لحظة تراوح علاقتها مع القوى الدولية بين التفاوض وبين الشراكة في محاربة الإرهاب وفي التحضير للتسويات في جنيف - 2 وغيره، فهذا كان سيضيف الى اتهامها، مع «حزب الله»، بالتسبب بالوضع المتفجر في سورية والعراق وبالتدخل في ساحات أخرى، تهمةً أخرى بأنها تقود لبنان الى وضع مشابه، وهو ما قد ينعكس سلباً على موقعها التفاوضي مع الدول الكبرى. ولذلك، فإن من الطبيعي أن تقدِّم نفسها بمظهر المتعاون في لبنان، لأنه لن يكلِّفها ثمناً باهظاً وتنازلات جوهرية قياساً الى ما هو مطلوب منها في العراق، خصوصاً في سورية التي تعتبر معركتها ودورها فيها أساسيين وأكثر أهمية، خصوصاً أن استبعادها عن جنيف - 2 يعني أن دورها في التسوية هناك مؤجل. ويضيف المصدر: «إذا أضفنا إلى التوقيت الذي يجري فيه البحث في الحكومة اللبنانية الجديدة موعداً جديداً هو زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بدءاً من غد الإثنين بيروت، والذي سيلتقي خلالها كبار المسؤولين وقادة سياسيين أيضاً، وهي زيارة تتزامن ايضاً مع مواعيد أخرى: يجتمع اليوم وزراء خارجية اصدقاء سورية في باريس، ثم اجتماع وزراء المبادرة العربية للسلام مع نظيرهم الأميركي جون كيري، الذي سينتقل بعد غد الى جنيف للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في سورية الأخضر الإبراهيمي في جنيف في اليوم نفسه الذي ينتقل وفد ائتلاف المعارضة السورية الى موسكو». تقديم التنازلات وينتهي المصدر الى القول إنه إذا كان أسهل مواقع تقديم التنازلات من قبل إيران وإظهار الرغبة في التعاون هو لبنان، وفي ظل هذه التحركات من قبل الدول الكبرى حول الأزمات الكبرى، فإن وجود ظريف في بيروت يساعد طهران على إبراز دورها فيه، وعلى الاستثمار من أجل دفع الدول الكبرى الى التسليم لها بهذا الدور في المستقبل، وبأدوارها الإقليمية الأخرى، مقابل تشجيعها حلفاءها على بعض التنازلات، من دون أن تمس قدراتهم ومواقعهم. لكن المصدر السياسي البارز نفسه يعتبر أن موافقة القوى الرئيسة في قوى 14 آذار وفي تيار «المستقبل» على الصيغة الحكومية الجديدة، لا بد من أن تكون حصلت على تشجيع سعودي، لأن الرياض المنشغلة أيضاً في عناوين التأزم الإقليمي نفسها، تعتبر من الأساس أن حفظ الاستقرار في لبنان وعقد التسويات المقبولة هو أفضل من إشغالها فيه عن الاهتمام بما هو أهم، خصوصاً أن حلفاءها حصلوا على تنازلات في شأن التركيبة الحكومية تتعلق بالثلث المعطل والبيان الوزاري، باعتبار أن مطلب سحب «حزب الله» من سورية هو قرار إيراني وليس لبنانياً.
مشاركة :