غزة.. الأطفال يتضورن جوعاً؟

  • 6/28/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تشير تقديرات مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى أن ما يقرب من 166 مليون شخص في أنحاء العالم في حاجة لإجراءات عاجلة لمكافحة الجوع. ويشمل هذا العدد جميع سكان قطاع غزة تقريباً، حيث يواصل جيش الاحتلال حرباً منذ أكتوبر في أعقاب هجوم شنه مسلحو حركة حماس. وتقول المبادرة، وهي شراكة عالمية تقيس مدى انعدام الأمن الغذائي، إن أكثر من مليون من سكان غزة يواجهون الشكل الأكثر تطرفاً من سوء التغذية الذي تصنفه المبادرة "كارثة أو مجاعة". ومن بين من يعانون في غزة الرضيع مجد سالم (سبعة أشهر) والذي وُلد في الأول من نوفمبر، أي بعد ثلاثة أسابيع من بدء الهجوم الإسرائيلي، ويتلقى العلاج من عدوى صدرية في وحدة عناية مركزة لحديثي الولادة في مستشفى كمال عدوان بشمال قطاع غزة منذ التاسع من مايو. وقالت الممرضة التي تعتني به إنه يعاني من سوء تغذية حاد. بينما قالت والدته نسرين الخطيب إن مجد ولد بوزن طبيعي يبلغ 3.5 كيلوجرام. وبحلول مايو، عندما كان عمره ستة أشهر، ظل وزنه بلا زيادة تذكر عند 3.8 كيلوجرامات، أي أقل نحو ثلاثة كيلوجرامات من المتوقع لطفل في مثل عمره. وقالت والدته إن مجد، الذي كانت عيونه تتابع الصحفيين الزائرين للمستشفى، كان يحتاج إلى مضادات حيوية للعلاج من العدوى وحليباً معززاً بالفيتامينات لزيادة وزنه. ولم تتمكن رويترز من متابعة الحالة بعد 21 مايو عندما تم إخلاء المستشفى في أعقاب هجوم إسرائيلي. وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، نقلاً عن شركاء يعملون على الأرض، إن واحدا من كل ثلاثة أطفال في شمال غزة يعانون من سوء التغذية الحاد أو الهزال. وقال إسماعيل الثوابتة مدير المكتب الإعلامي إن السجلات تظهر أن 33 توفوا بسبب سوء التغذية في القطاع، من بينهم 29 طفلاً، لكنه أضاف أن العدد قد يكون أعلى. وتشكل محنة أطفال غزة جزءًا من حالة أكبر. ووفقا للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، وهو تحليل لانعدام الأمن الغذائي يجرى بالتعاون بين 16 منظمة دولية، عانى أكثر من 36 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد في العام الماضي على مستوى العالم وكان ما يقرب من 10 ملايين منهم يعانون من ذلك على نحو خطير. ويشكل نقص الغذاء في غزة، على الرغم من انتشاره على نطاق واسع، جزءا من حالة جوع شديد أوسع نطاقا تتفاقم مع احتدام صراعات أخرى في أنحاء العالم. وبالمثل نتجت أزمة الجوع في غزة عن الحرب. وشن الجيش الإسرائيلي الحرب على القطاع ردًا على هجوم عبر الحدود نفذته حماس في السابع من أكتوبر . وتقول الإحصاءات من غزة وإسرائيل إن أكثر من 37 ألف فلسطيني ونحو 1500 إسرائيلي قتلوا منذ ذلك الحين. ودمر الهجوم الإسرائيلي مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في غزة. وفي الأيام الأولى للحرب، فرضت إسرائيل حصاراً كاملاً على القطاع وسمحت في وقت لاحق بدخول بعض الإمدادات الإنسانية لكنها لا تزال تتلقى نداءات دولية للسماح بدخول المزيد. واتهم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الشهر الماضي، في سعيه للحصول على أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين وقياديين من حماس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت باستخدام تجويع المدنيين وسيلة للحرب. ويقول خبراء التغذية إنه حتى إذا أفلت الأطفال من الموت فإن الحرمان من الطعام في السنوات الأولى يمكن أن يؤدي إلى أضرار صحية دائمة. ويتطور دماغ الطفل بأسرع معدل في أول عامين من العمر. وقالت أشيما جارج، خبيرة التغذية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اليونيسف، إنه حتى لو لم يمت الأطفال من الجوع أو المرض بسبب ضعف جهاز المناعة فمن المحتمل أن يتعرضوا لتأخر النمو والتطور. وتابعت "على الرغم من بقائهم على قيد الحياة، فقد يتعرضون لمشاكل في النمو في مرحلة الطفولة وما بعدها". وأطلعت ثلاث عائلات في غزة رويترز على تفاصيل ما تحصل عليه من غذاء يوميا، كما أوضح أربعة خبراء عالميين في مجال الصحة كيف يؤثر هذا الحرمان على الأجسام التي لا تزال في مرحلة النمو. وقالوا إن الضرر الذي حدث خلال أسابيع يظهر على مدى سنوات. وقالت هانا ستيفنسون، الرئيسة العالمية للتغذية والصحة في منظمة (انقذوا الأطفال) غير الربحية "يمكن أن يكون لهذا تأثير طويل الأمد على جهاز المناعة لديهم، وقدرتهم على الاستفادة من التغذية الجيدة، وعلى نموهم الذهني والبدني". وفقا لمبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يوجد في غزة أكبر عدد من الأسر على مستوى العالم التي تعاني من أشد مراحل الفقر الغذائي. وتصنف المبادرة مستويات الجوع في خمس فئات، أسوأها المجاعة. وقالت سيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي في الخامس من مايو إن الأسر في شمال غزة، حيث يعيش مجد، تعاني بالفعل من مجاعة مكتملة الأركان. وقد يستغرق الأمر شهوراً حتى يعلن نظام القياس الدولي عن وقوع مجاعة. لكن الضرر الأولي الذي يلحق بجسم الطفل يحسب بالأيام. وبحسب دراسة أجرتها اليونيسف في أواخر مايو، يعيش تسعة من كل 10 أطفال تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين في غزة في فقر غذائي حاد. وهذا يعني أنهم يأكلون من مجموعتين غذائيتين أو أقل يوميا، وهو ما قالت جارج إنه يعني الحبوب أو أحد أنواع الحليب. وأضافت أن هذا هو الحال منذ ديسمبر 2023، مع تحسن طفيف فقط في أبريل 2024. ولم يتناول ما يصل إلى 85 بالمئة من الأطفال من جميع الأعمار الطعام لمدة يوم كامل مرة واحدة على الأقل خلال الأيام الثلاثة التي سبقت إجراء الدراسة. وذكر تقرير لمجموعة التغذية العالمية، وهي مجموعة من الوكالات الإنسانية بقيادة اليونيسف، أن السبب الرئيسي لسوء التغذية الحاد في شمال غزة هو عدم التنوع في النظام الغذائي للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات. وهذا النقص الغذائي، قبل وأثناء الحمل والرضاعة الطبيعية، يضر بالأمهات والرضع على حد سواء. وكان عابد أبو مصطفى (49 عاما)، وهو أب لستة أطفال، لا يزال يعيش في مدينة غزة في أوائل أبريل. وقال إن الناس هناك أكلوا بالفعل "كل النباتات الخضراء التي يمكن أن نجدها تقريبا" ولم يتناول لحماً أو دجاجاً لمدة خمسة أشهر على الأقل. وفي رفح بالجنوب، تعيش مريم (33 عاماً)، وهي أم لخمسة أطفال، في مدرسة مع نحو 24 من أقاربها. قارنت بين وجبة عادية لعائلتها قبل الحرب وما يأكلونه حاليا كما هو موضحا أدناه. قبل الحرب، قالت والدة مجد إن وجبة العائلة المتوسطة تتكون من الأرز مع الدجاج أو اللحم، إلى جانب الخضار مثل البامية أو القرنبيط أو البازلاء. خلال الحرب، أجبرت ندرة الدقيق الأسر على صنع الخبز من علف الحيوانات. وفي الآونة الأخيرة، بدأ الخبز والسلع المعلبة مثل التونة والفول في الظهور مرة أخرى، لكنها ليست متاحة على نطاق واسع. وقالت والدة مجد، التي لم تتمكن من العثور على طعام لإطعام نفسها واضطرت إلى النزوح بسبب القصف الإسرائيلي في وقت مبكر من الحرب، إنها وجدت صعوبة كبيرة في إرضاع الصغير. وأوضحت أنها لم تتمكن من العثور على حليب أطفال ذي نوعية جيدة ولا مياه نظيفة لإعداده لذلك أطعمته أنواعاً مختلفة من الحليب الممزوج بمياه الأمطار أو المياه قليلة الملوحة من آبار غزة الملوثة، ما أصابه بالإسهال. وقالت "عند الولادة كنش فيه تغذية فيش أي حاجة اتغذاها أنا كأم والدة، بعدين كمان مع الحصار ومع الحرب شردنا واتشردنا على (مستشفى) الشفا واتحصرنا بالشفا، أنا مكنتش اتغذى أصلا عشان أعطي ابني حليب يعني. فيش إشي في السوق نشتريه كان بسبب الحصار. وهو فيش حليب نوع جيد أشربه ياه. فكنت المتوفر في السوق أشربه ياه. كل مرة أعطيه حليب شكل. بس الحليب يعني كمدعم مبدعموش بإشي على الفاضي". وقالت جارج خبيرة التغذية باليونيسف إن هناك مشكلة كبيرة في تغذية الأمهات المرضعات في غزة وبالتالي قدرتهن على إرضاع صغارهن. وقالت "إنهن لا يأكلن الفواكه والخضراوات. ولا يأكلن اللحوم. ولا يتناولن الكثير من الحليب". ويعني هذا النقص في العناصر الغذائية حليب ثدي رديء الجودة. والتركيبة المخففة أكثر من اللازم من الألبان الصناعية ليست آمنة وتؤدي إلى الإصابة بالإسهال، الذي قد يكون في حد ذاته مميتا. ولا يزال بوسع الأمهات اللاتي يعانين من مستوى معتدل من سوء التغذية إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية، لكن النساء اللاتي يعانين من سوء التغذية الحاد يواجهن صعوبات. وقال أحمد الكحلوت، الممرض الذي يرأس وحدة حديثي الولادة، إن مرض مجد كان بسبب سوء التغذية. وأوضح "بسبب سوء التغذية اللي عند الطفل لا توجد مناعة وأي عدوى تحصل للطفل من مراكز الإيواء.. تصيب الطفل بهذه الالتهابات الرئوية الحادة في الصدر". وتزداد القابلية للإصابة بالأمراض عادة بعد أسبوعين من عدم تناول ما يكفي من الطعام. يؤدي استهلاك الجسم لاحتياطياته من الدهون إلى تآكل الأنسجة العضلية، ولهذا السبب يستخدم عمال الإغاثة عند تقييم الحالات شرائط ورقية بدائية لقياس مدى خطورة حالة الأطفال. ووفقا للمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة، يجري استخدام شريط لقياس محيط الذراع، وإذا كان محيط أعلى الذراع 11.5 سنتيمتر أو أقل بالنسبة لطفل يتراوح عمره بين ستة أشهر وخمس سنوات، يعتبر الطفل يعاني من سوء التغذية الحاد. وأوضحت بيانات قياس محيط منتصف الذراع من جميع أنحاء غزة منذ منتصف يناير كانون الثاني أن أكثر من سبعة آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات يعانون بالفعل من سوء التغذية الحاد حتى 26 مايو.

مشاركة :