واستطرد المعيقلي يقول: لقد فقه الصحابة ذلك عن رسول الله ــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــ ، فكانوا يصلون المشركين من أقاربهم، ويحسنون إليهم، ويرجون هدايتهم ، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رأى حُلَّةً عند بابِ المسجدِ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! لو اشتريتَ هذه فلبستَها للناسِ يومَ الجمُعةِ ، وللوفدِ إذا قدموا عليكَ ! فقال رسولُ اللهِ ــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــ ( إنما يلبسُ هذه من لا خلاقَ له في الآخرةِ ) ثم جاءت رسولُ اللهِ ــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــ منها حُللٌ . فأعطى عمرَ منها حُلَّةً . فقال عمرُ : يا رسولَ اللهِ ! كسوتَنيها . وقد قلتَ في حُلَّةِ عطاردَ ما قلتَ ؟ فقال رسولُ اللهِ ــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــ ( إني لم أكسُكَها لتلبسَها ) فكساها عمرُ أخًا له مشركًا بمكةَ ، أهداها عمرُ رضي الله عنه أخًا له مشركًا بمكةَ. هكذا بمنتهى التسامح والرحمة، فهي شريعة خاتم المرسلين ، قال تعالى : {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. وأكد أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على مبدأ المساواة بين البشر، فأعلن ذلك في حجة الوداع بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) ، (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير). داعياً إلى أهمية التعايش السمح فيما بين الجميع .. بيعاً وشراءً .. قضاءً واقتضاءً .. ظعنا وإقامة .. ولنصلح فيما بيننا من خلافات، فالإصلاح بين الناس من أعظم القربات ..ففي سنن أبي داود بسند صحيح من حديث أبي الدرداء أن النبي ــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــ قال: ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ .. قالوا بلى يا رسول الله .. قال: إصلاح ذات البين) ، وصدق الله تعالى إذا يقول: (خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما)، ولقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية أشرف حلف شهدته العرب قبل الإسلام .. ألا وهو حلف الفضول .. وكان ذلك في نصرة المظلومين .. وقال ــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــ ( لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان .. ما أحب أن لي به حمر النعم .. ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت) ، قال تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}. // انتهى // 19:34 ت م spa.gov.sa/1492789
مشاركة :