في عام 1972، وأثناء الدراسة بالعزيزة مصر، صدر كتاب عودة الوعي لتوفيق الحكيم، فأحدث ضجة كبيرة، لأنّ الحكيم هو صاحب كتاب عودة الروح الذي اعتبرته ثورة 1952 من ملهماتها، وقد قلّد عبدالناصر توفيق الحكيم جائزة الدولة التقديرية، نظراً لمساهماته الأدبية الكبيرة. لذلك جاء كتاب عودة الوعي ليشكّل مفاجأة لمؤيدي فترة ما قبل 1970، لأنه قدّم محاكمة جادة وصارمة لها، ولأن الحكيم من الأوائل الذين كتبوا بصراحة عن الهزائم والممارسات التعسفية وغير الديموقراطية التي صفّق لها الكثيرون، وقد وصف الحكيم اكتشاف تلك الأخطاء بعودة الوعي. في كتاب الحكيم دعوة لكثير من المؤيدين والمندفعين مع اتجاه معيّن لمراجعة فكرية لتوجهاتهم السياسية، وتقييم أعمال من أيّدوا من الرموز، بعد أن أثبت الواقع ابتعاد هؤلاء الرموز عن المبادئ التي حملوها والإصلاح الذي نسبوا أنفسهم إليه، فظهرت حقيقتهم بعد أن فشلوا في تحقيق الأهداف التي وعدوا بها، أو خالفوا المبادئ التي أعلنوها عنواناً لهم وحازوا بها شعبية واسعة. فعندنا، مثلاً، هناك من رفع شعار «إلا الدستور»، وأقسم على العمل وفق أحكامه، وعندما وصل إلى المجلس خالف مبادئ الدستور التي لم تتفق مع هواه، وضرب بأحكامه عُرض الحائط، وهناك مَن أكد أن «الصوت الواحد» مخالف للدستور، وأقسم أنه لن يطأ أعتاب المجلس بالصوت الواحد، ثم رشّح نفسه ودخل المجلس، وهناك مَن أقسم على الذود عن المال العام، لكن عندما أُعلنت أسماء «القبيضة» تبيّن أنه أحدهم، وهناك مَن رفض تحرير الكويت من الغزو بمساعدة القوات الأجنبية، ثم شارك في أعلى مستويات التشريع بالكويت، بعد تحريرها بقواتهم، وهناك مَن شارك واستفاد من سوق المناخ، ثم يتم الآن تصويره على أنه رمز اقتصادي، وهناك مَن رفع شعار مكافحة الفساد، ثم هاجم الذين كافحوا الفساد. المشكلة الكبرى ليست في هؤلاء، بل في مَن لايزال يتبعهم ويعتبرهم رموزاً في العمل السياسي والاقتصادي، وقد تبيّنت أخطاؤهم الفادحة، هذا إذا سلّمنا بنزاهتهم وعدم ضحكهم على الناس. في الأمم الحية، مَن يرتكب من السياسيين هفوة كبيرة وقراراً فادح الخطأ، فإن ذلك يقضي على مستقبله السياسي ويبتعد عنه الناس، أما في الكويت، فإنهم يخطئون أخطاء كبيرة وضارة، لكن الناس يستمرون في تأييدهم، ولا يحاسبهم عليها أنصارهم، ومَن صفّق لهم، مما يؤكد أن الكثيرين عندنا بحاجة إلى عودة الوعي.
مشاركة :