بحر البلطيق هو ممر مائي دولي متلامس مع الدنمارك، وألمانيا، وبولندا، وروسيا، ولاتفيا، وإستونيا، وليتوانيا، وفنلندا، والسويد والنرويج، ولهذا إذا أرادت الولايات المتحدة أن تبحر سفينة حربية تابعة لها هناك، فلها كل الحق في أن تفعل ذلك، ولكن نشر وإذاعة أخبار هذه الحادثة بنزاهة وموضوعية كان ينبغي أن يشيرا إلى أن المدمرة كوك لم تكن تكتفي بمجرد المرور البريء في مياه البلطيق المفتوحة. فهي اقتربت إلى مسافة 79 ميلاً ( 112,6 كلم ) من الميناء الروسي في جيب كاليننغراد، وهو الجزء المعزول والمنفصل، وبالتالي الحساس، من الأراضي الروسية الواقعة على ساحل البلطيق. وتوجد في كاليننغراد قاعدة بحرية روسية كبرى، كما أنها موطن 500 ألف روسي. والتقارير الإعلامية الأمريكية حول مجمل هذه الحادثة كانت هيستيرية. وعلى سبيل المثال، قال مراسل سي إن إن في وزارة الدفاع الأمريكية، إن الطائرتين الروسيتين اللتين حلقتا فوق السفينة كانتا تقومان بطلعات تحاكي القصف، وأوحى ضمنياً بأن ذلك كان سيشكل خطراً، لأنه لو كانت الطلعات قصفاً حقيقياً لما أدركنا ذلك إلا بعد فوات الأوان. ولكن، حيث إن روسيا والولايات المتحدة لم تكونا في حالة حرب، فلماذا ستقوم طائرات روسية بطلعات قصف فوق مدمرة أمريكية ؟. تقرير سي إن إن لم يقل شيئاً بهذا الخصوص. وبدلاً من ذلك، قال إن قائد السفينة يستحق كل الثناء على احتفاظه برباطة جأشه وامتناعه عن إطلاق النار على الطائرتين الروسيتين. ولا بد من الإشارة إلى أن الطائرتين الحربيتين الروسيتين لم تكونا مسلحتين، كما لم تكونا تحملان أي صواريخ بجناحيهما، ولكن الإشارة إلى ذلك لم ترد إلا في آخر تقرير سي إن إن. في المقابل، لم تكن المدمرة الأمريكية مجهزة بأسلحة دفاعية فتاكة مضادة للطائرات، فحسب، بل أيضاً بصواريخ كروز توماهوك ( القادرة على حمل رؤوس نووية )، مما جعل كل مناوراتها حول القاعدة الروسية غير بريئة إطلاقاً. وقد كانت تقارير إعلامية أمريكية أخرى حول الحادثة متحيزة، وتنضح بنزعة قومية متطرفة. وفي الواقع، لم تكن الحادثة تنطوي على أي خطر باستثناء أن طاقم المدمرة الأمريكية كان سيعد متهوراً لو أنه أطلق النار على الطائرتين الروسيتين. ( في الحقيقة، بدا أن أحداً على متن السفينة لم يكن قلقاً بشأن تحليق الطائرتين الروسيتين). والإعلام النزيه ربما كان سيتساءل كيف كانت قوات أمريكية سترد لو أن فرقاطة أو مدمرة روسية تحمل صواريخ كروز قد اقتربت إلى مسافة 70 ميلاً من أي قاعدة بحرية على ساحل أمريكي. بموجب القوانين البحرية الدولية، يحق لبلد أن يعلن المياه الممتدة لمسافة 12 ميلاً ( 19,3 كلم ) من سواحله مياهاً إقليمية، وأن يحظر على السفن الأجنبية دخول هذه المياه، ولكن عندما يتعلق الأمر بقواعد عسكرية، وعندما يعتبر بلد بلداناً أخرى معينة كمنافسة محتملة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، فإن السفن التي تبحر على مسافة أبعد من قاعدة عسكرية تكون عرضة للمراقبة، وحتى للاعتراض، إذا اقتربت. وأظن أنه إذا اقتربت سفينة حربية روسية إلى مسافة 70 ميلاً من منشأة بحرية عسكرية أمريكية، فسوف نجد أن طائرات حربية أمريكية تحلق فوقها على علو منخفض، أو حتى صعود حرس السواحل من الأمريكيين إلى متنها. ولنتذكر أنه إذا كان المسؤولون الأمريكيون لا يكفون عن الحديث عن عدوان روسي وهم (يدعون كذباً أن الجيش الروسي غزا أوكرانيا، وخصوصاً منطقة القرم التي كانت روسية تاريخياً)، إلا أن الولايات المتحدة هي التي كانت في الواقع تتخذ موقفاً عدائياً جداً تجاه روسيا. وفي الفترة الأخيرة، أخذت الولايات المتحدة تنشر أسلحة هجومية في بولندا وإستونيا وبلدان أخرى محاذية لروسيا، وهذا تحرك ينطوي على تهديد في وقت تفرض الولايات المتحدة حظراً تجارياً على روسيا، وهو بحد ذاته يعد شكلاً من أشكال الحرب الاقتصادية، ولكن تقارير وسائل الإعلام الرئيسية الأمريكية حول الحادثة خلت كلياً من الموضوعية، وتبنت ببساطة خط وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، وصورت كل ذلك على أنه سياسة حافة هاوية روسية. صحفي استقصائي ومعلق أمريكي - موقع كاونتر بانش
مشاركة :