شكسبير.. يتربع على عرش السينما

  • 4/23/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: أحمد يوسف تذكر موسوعة جينيس للأرقام القياسية أن شكسبير هو المؤلف الأكثر اقتباساً لأعماله في السينما، وتتجاوز في تقديرها الأربعمئة عمل، بينما يصل موقع قاعدة معلومات السينما العالمية بهذا الرقم إلى ما يزيد على الألف. وفي الحقيقة أن ذلك يعود إلى أسباب عديدة، ليس من أهمها أن بناء مسرحياته يقوم على المشاهد التي تشبه إلى حد كبير المشاهد السينمائية، التي تنتقل في الزمان والمكان بحرية مثل السينما تماماً، لكن الأهم عنصران جعلا من أعماله مادة خصبة للاقتباس السينمائي، قابلة للتحول إلى وسائط فنية مختلفة مثل السينما والتلفزيون. أول هذه العناصر هو الاهتمام الفائق بالتفاصيل النفسية والدرامية الدقيقة لشخصياته، حتى الثانوية منها، أياً كانت مادة الموضوع التي يتناولها، مأساة أم كوميديا أم تاريخاً. أما العنصر الثاني فهو أن شكسبير كان رجل مسرح بالمعنى الكامل للكلمة، أي أنه كان يراقب الجمهور في كل ليلة عرض، ليرى ما أعجبه أو أغضبه، وليقوم بتعديلات عديدة على النص، تجعله أقرب إلى قلب المتفرج وعقله. وهذا العنصر الأخير كان سبباً في اجتماع ما يبدو متناقضاً من الناحية الأسلوبية، حيث تتجاور الدراما المرهفة، والميلودراما الزاعقة، والمأساة الباكية، والكوميديا الضاحكة، وكل أدوات التلاعب بالحبكة وتحولاتها، كل ذلك في مزيج لا يمكنك أن تفصل مكوناته عن بعضها، فتكاد أن تحاكي الحياة في حلوها ومرها. ولعل أول الأفلام المقتبسة عن شكسبير كان نسخة عام 1900 لمسرحية هاملت، التي أدت فيها ممثلة المسرح الفرنسي الشهيرة سارا بيرنار دور هاملت، ولم تكن مع ذلك نسخة صامتة، فقد عرضت مع صوت متزامن على أسطوانة. وإذا كان العصر الذهبي للاقتباس السينمائي عن شكسبير هو الأربعينات والخمسينات في السينما البريطانية، وكان أشهر ممثلي هذه الأفلام هو العملاق لورانس أوليفييه، فإن الاكتشاف السينمائي الأهم لأعماله جاء مؤخراً، فظهرت معالجات عديدة مختلفة لبعض مسرحياته، تجعل لها مضموناً معاصراً، كما تنقلها أحياناً إلى أجواء لم يكن من المتخيل أن تدور فيها. إن المخرج الياباني الأشهر أكيرا كيروساوا يصنع فيلم عرش الدم، مقتبساً ماكبث، ولكنه ينقلها إلى عصور الإقطاع في اليابان، حيث رجل الساموراي الساعي إلى الوصول إلى السلطة على جثث الآخرين، تشجعه على ذلك زوجته التي يستولي عليها الحلم أن تكون زوجة الحاكم. كما تناولت السينما مسرحية هاملت في نسخ درامية مختلفة، منها ما هو تقليدي متقن على النحو الذي جسده كينيث براناه أو ميل جيبسون، لكن إيثان هوك يجعله شاباً معاصراً، قتل عمه أباه وتزوج أمه، واستولى على الشركة الضخمة التي تحمل اسم الدنمارك، ليصبح الفيلم تجسيداً لقلق وجودي عاصف يستولي على هاملت، ويقوده شيئاً فشيئاً نحو الانتقام. ولعل من أكثر المعالجات السينمائية طرافة لمسرحية روميو وجولييت هي فيلم روبرت وايز قصة الحي الغربي، الذي ترك أثراً كبيراً في معالجات سينمائية أخرى. إن المسرحية تتحول إلى عمل موسيقي راقص يشبه عروض مسرح برودواي في نيويورك (في الحقيقة أنها كانت كذلك)، ويجعل من شلة روميو مجموعة من الشباب الأمريكيين، الذي يعادون شلة من شباب بويرتوريكو المهاجرين، والتي تنتمي إليها جولييت (التي تدعى هنا ماريا)، وتتجسد المواجهات بين الشلتين في رقصات وأغنيات مبهرة، بينما يتحول القس الطيب إلى صيدلاني يتمكن بأدويته من تدبير حيلة لإنقاذ الحبيبين، لينتهي الفيلم على عكس المسرحية بانتصار الحب، هذا الانتصار الذي يعبر عن ضرورة السلام بين الأعراق المختلفة. تطرقت السينما المصرية أحياناً لتقديم معالجات سينمائية عن أعمال شكسبيرية، وإن تفاوتت النتائج تفاوتاً كبيراً. كما أنها اقتصرت على أعمال هي بطبيعتها أقرب إلى الميلودراما الزاعقة أو الكوميديا الصارخة، اللتين تميل السينما المصرية إليهما. وهذا التناقض يظهر واضحاً بين فيلمين مقتبسين عن مأساة روميو وجولييت، الأول هو ممنوع الحب (1942) لمحمد كريم، وشهداء الغرام (1944) لكمال سليم، ففي الفيلم الأول لمسة كوميدية تعززها أغاني محمد عبد الوهاب، ونهاية الفيلم بزواج الحبيبين وتصالح العائلتين المتخاصمتين، بينما يظل الفيلم الثاني لصيقاً بالجو المأساوي، الذي يزداد وضوحاً مع الأداء التمثيلي المسرحي الذي كان يميز تلك الفترة من تاريخ السينما المصرية. وبالطبع فإن مضمون ترويض النمرة يكون مناسبا لرؤية الرجل الشرقي، ورأيه حول ضرورة ترويض المرأة المتمردة، وهو ما يظهر في فيلم آه من حواء (1962) لفطين عبد الوهاب، واستاكوزا (1996) لإيناس الدغيدي، وفي هذا الفيلم الأخير تميل الدغيدي كعادتها إلى تلميحات جنسية، جعلت الفيلم يفقد كثيراً من روح الدراما الأصلية. أما المآسي فهناك عطيل، التي عولجت في أفلام مثل المعلمة (1958) لحسن رضا، أو الغيرة القاتلة (1982) لعاطف الطيب، بينما يظهر الملك لير في ثوب مصري فاقع في الملاعين (1979) لأحمد ياسين، و حكمت المحكمة (1981) لأحمد يحيى، ويكتفي هاملت بفيلم يمهل ولا يهمل (1979) لحسن حافظ، وفيه تتحول الدراما النفسية المرهفة إلى نوع من سينما العنف والدماء والأكشن. والغريب أن أجمل أعمال السينما المصرية المقتبسة عن شكسبير هو مشروع لم يكتمل أبدا للمخرج الأشهر يوسف شاهين، الذي ظل هاملت يطارده من فيلم إلى آخر، فهو يأتي في شكل مونولوج على لسان بطل إسكندرية ليه؟ ثم بطل المهاجر ، لكنه في إسكندرية كمان وكمان (1990) يصور مشاهد كاملة من المسرحية، وقد نقلها إلى أجواء الصيادين في الإسكندرية، نراها كمشروعات سينمائية ينوي المخرج بطل الفيلم تنفيذها. لقد كانت هذه المشاهد القصيرة هي الأكثر إتقاناً ورهافة وجدية في معالجات السينما المصرية عن شكسبير، والتي تجعلك تأسف من أن يوسف شاهين لم يقم بصنع فيلمه عن هاملت، الذي ظل بالنسبة له شبحاً فنياً مؤرقاً، أو حلماً لم يستيقظ منه أو يحققه أبداً.

مشاركة :