قال فضيلة الشيخ عبد الله السادة إن الإسلام يحث على أحسن الخلق وأجمل الصّفات، وأنبل القيم كما يدعو أيضاً إلى نبذ كل ما هو مذموم من الطّباع والعادات. وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد مريم بنت عبد الله بالدحيل إلى أنه من الصّفات التي ذمّها الإسلام صفة الأثرة، وهي تعـني الاستبداد وحبّ التّملّك والأنانيّة، وهي ضرب من ضروب الشحّ والبخل، وسبب لمنع ما أمر الله من الإنفاق والبذل وأكد أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الشّحّ أيّما تحذير، لأنّه صفة مذمومة وداء خطير، إذ قال -عليه الصّلاة والسّلام-: "إيّاكم والشّحّ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم"، وكما قال رب العزة في كتابه العزيز : "ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون". ونبه الخطيب إلى أنه كلّما كان الإنسان أكثر أثرةً، كان أكثر بعداً عن الله عزّ وجلّ، كيف لا؟! وقد أمره بالجود والإنفاق بسخاء، بينما شحّ هذا الإنسان أبعده عن البذل والعطاء. ما جاء في الأثر وأوضح أنه قد جاء في الأثر: "السّخيّ قريب من الله، قريب من الجنّة، قريب من النّاس، بعيد عن النّار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنّة، بعيد من النّاس، قريب من النّار"، وحذر من أنّ الأثرة مرض نفسيّ ووباء، إذا فشا بين أفراد المجتمع؛ انتشرت بينهم البغضاء، وصار بينهم الكره والحقد، والتّدابر والحسد. موضحاً أنه يجعل أفراد المجتمع لا همّ لهم سوى الحصول على مصالحهم الشّخصيّة، فيحصل التّنازع بين بني الإنسان. وأشار إلى أنه ما أقبح أن يتّصف الإنسان بالأثرة وحبّ الذّات، وما أجمل أن يسعى بالتّخلّص منها بأفضل الصّفات. وزاد خطيب مسجد مريم بنت عبد الله بالقول: إنّ الإنسان بطبيعة فطرته يميل إلى الصّفات الحسنة، ويبتعد عن الصّفات التي تكسبه المذمّة، وبيّن أن الإسلام جاء ليحقّق أسمى الفضائل لنفس الإنسان، ليحيى الجميع حياة الاستقرار والاطمئنان، ويعيشوا عيشة السّلامة والأمان. خلق أسلامي وذكر أنه من الصّفات التي حثّ عليها الإسلام صفة الإيثار، موضحاً أن الإيثار معناه تقديم الغير على النّفس في الحظوظ الدّنيويّة، رغبةً في نيل رضا ربّ البريّة،. وأشار إلى أن الإيثار فضيلة أخلاقيّة نبيلة، وصفة حميدة جليلة، لا يتحلّى بها إلاّ أصحاب القلوب الكبيرة، والهمم العالية، والعزائم الثّابتة، لكنّه يحتاج لتحقيقه إلى صبر واحتمال، وبذل وكرم على أيّ حال، موضحاً أنه ما أعظم أن يحبّ المرء لأخيه ما يحبّ لنفسه، وما أجمل أن يشاركه في كلّ أحواله، ويواسيه بمستطاع ماله، والأعظم من ذلك أن يؤثر الإنسان غيره بالشّيء وهو أحوج ما يكون إليه، وأن يبذل له من ماله ووقته وجهده ما لا يبذله لنفسه التي بين جنبيه. أعلى الدرجات واستشهد الخطيب بقول النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- : "لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه". وقال الشيخ السادة: المؤثر هو الذي يجوع ليشبع أخاه، ويظمأ ليرويه، ويسدّ له خلّته، ويقضي له حاجته، ولو بقي طاوياً محتاجاً، فهذا والله ذو حظّ عظيم، وخلق كريم، له في مراتب الإيمان المرتبة العظمى، والدّرجة الكبرى، بل ينال أعلى درجات البرّ، كيف لا؟! والله سبحانه وتعالى يقول: "لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون وما تنفقوا من شيء فإنّ اللّه به عليم". وأضاف: لقد فرّق بعض العلماء بين التّقيّ والسّخيّ والجواد، فالذي يؤثر حبّ الله ورضاه على حبّ الدّنيا هو التّقيّ، والذي يسهل عليه العطاء ولا يؤلمه البذل والإيثار هو السّخيّ، وإن كان ممّن يعطون الأكثر ويبقون لأنفسهم فذاك جواد. الإيثار أنواع وأكد أن مفهوم الإيثار لا يقتصر على المؤاثرة في الأشياء المادّيّة، بل الإيثار أنواع ودرجات، وأعلى درجات الإيثار هو إيثار مرضاة الله على أهواء النّفس ورغباتها، داعياً إلى تأمل قصّة موسى -عليه السّلام- مع سحرة فرعون، وكيف ظهرت لهم معجزة موسى -عليه السّلام- إذ تحوّلت العصا بقدرة الله إلى ثعبان، فأقرّوا بالحقّ والإيمان، وأنّ موسى -عليه السّلام- نبيّ مرسل من الواحد الدّيّان، "قالوا آمنّا بربّ هارون وموسى"، فهدّدهم فرعون بأشدّ العذاب، إذ قال لهم كما حكى عنه القرآن الكريم: "لأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذاباً وأبقى". ونبه إلى أن السحرة آثروا رضا الله عزّ وجلّ "قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والّذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنّما تقضي هذه الحياة الدّنيا". مؤاثرة الغير ولفت إلى أن في مؤاثرة الغير على النّفس من حظوظ الدّنيا، حيث ضرب لنا النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- مثلاً عالياً، وخلقاً أصيلاً، إذ كان -عليه الصّلاة والسّلام- يؤثر غيره على نفسه بما هو محتاج إليه، ويجود بكلّ ما عنده ولا يبخل عليه، فإن لم يكن عنده ما يجود به اقترضه وردّه، وإن تعذّر عليه أمّله ووعده. وروى الشيخ السادة قصة الرجل الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه صدقةً، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما عندي شيء، ولكن اذهب فابتع عليّ فإذا جاءنا شيء قضيناه"، فقال عمر -رضي الله عنه-: ما كلّفك الله ما لا تقدر عليه، فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه المقالة، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، فتبسّم النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وعرف البشر في وجهه وقال "بهذا أمرت".
مشاركة :