من سنن الله في خلقه أن تمرض الأبدان، وقد يطول بها المرض أحيانًا، لكن من آتاه الله صبرًا على الابتلاء، وقويت نفسه؛ استطاع أن يتعايش مع المرض، وإن اشتد أحيانًا، فالمرض حتمًا لا يعوق الحياة، كما أنه ليس السبب الوحيد للوفاة، أقول هذا في هذه اللحظة، وقد بلغني نبأ وفاة أخي غير الشقيق، ووالدته خالتي أخت أمي، وهو أكبر الذكور بعدي، وإن سبقه شقيقتان لي إحداهما توفّت صغيرة، والأخرى أمد الله في عمرها ومتعها بالصحة والعافية، فأخي طلال منذ وُلد وهو مريض، أصابه مرض عضال، وعلاجه تسبَّب له في أمراضٍ أخرى، ولكنه بكل عزيمة تعايش مع المرض، وتزوَّج وأنجب وعاش زمنًا ليس بالقصير، فأظنه اليوم قد تجاوز السبعين من عمره، وسألتُ الله عز وجل له الجنة، فلعل ابتلاءه سبب من أسباب الفضل عليه، ليُدخله الله الجنة التي أتمنَّاها له، ومما اشتد عليَّ، أني لم أستطع السفر إلى المدينة التي كان يعيش فيها؛ لأحضر دفنه وأحضر عزاءه، لما أُعانيه اليوم من آلام تُلزمني الفراش، وأسأل الله عزوجل أن يجمعني به وبوالدته خالتي التي توفيت العام المنصرم في الجنة، فغياب الأحباب على أمثالي أثره عظيم، ولكن الله عزوجل دومًا يمدهم بالصبر، ما داموا له قانتون عابدون، وأوكلت أولادي في حضور عزائه، وهم بحمد الله بارون بأبيهم، والأبناء البررة -سادتي- خير ما يُصيب الإنسان من فضل الله ونعمته في دنياه، فهم يكونون له عونًا على الخير، يجدهم بجواره؛ إذا ضعف ساعده أو كلّ، وإذا وهنت قوته، واحتاج لمن يعتني به، وبرّهم له؛ ثمرة بر سبق منه لأبويه، ولذا فأبنائي الثلاثة هوّنوا عليّ سني المرض، وهم اليوم يقومون -بدلًا عني- بالواجبات في سائر المناسبات، مما يستوجب مني شكرًا مضاعفًا لربي، حيث منَّ عليَّ بهم، وبر الوالدين -في زماننا هذا- عملة نادرة، خاصة بعدما انتشر العقوق، ورأينا من بعض الأبناء من القسوة على والديهم؛ ما يجعلنا نحس أن حياتنا في هذا العصر ينالها الكثير من المشقّات، بتفريط في التربية الحميدة للأبناء، ولعدم ضرب المثل لهم، حين يحتاج الأمر إلى القدوة، بينما كُنَّا في الماضي، إذا سمعنا عن عاقٍّ لأبويه، اقشعر منّا البدن، ورأينا أن فعله لا يُحتمل، ولم يعد له مكانة بيننا، أما أيامنا هذه، فالعقوق يكاد أن يكون ظاهرة، حتى وجدنا الابن يُسيئ إلى أبويه حتى بالضرب، وحينًا بالقتل، فها نحن نقرأ أخبار ذلك في الصحف، وأرى أننا في حاجة إلى توعية بحق الأبوين على الأبناء، وحضهم على الوفاء به، وما لبرهم بهم من فوائد عظيمة عليهم في هذه الدنيا، حيث يبرهم أولادهم، ويمنحهم الله التوفيق في كل أمور حياتهم، ولا أقول هذا وعظًا، بل عن تجربة وتتبُّع لأحوال البارين بوالديهم ممن عشت معهم، أو علمت بأحوالهم، وسوء عاقبة العاقين لهم، وما يجري لهم في الحياة من مشكلات، وكم تمنَّيتُ لو أن أئمة مساجدنا وخطباءها ومدرسي أولادنا بثّوا هذا فيمن يَتعاملون معهم، ويُسألون عنهم، فصلاح المجتمع لا يكون إلا بتعاون أهله على الخير، فالحمد لله الذي منَّ عليَّ بأبناء بررة هم زهور في بستان حياتي، وهم اليوم عون لي على كل خير، وهو فضل من الله أشكره عليه، ويُزيدني طاعة له، وتعلُّقًا بحبه سبحانه وتعالى، وسأظل أدعو لك أخي طلال أن يغفر الله لك ذنبك، وأن ينعم عليك برضوانه وقد صبرت على بلائه، وأن يُلهم ابنتيك الصبر على فقدك، إنه القادر على ذلك. ابنتي فاطمة وإيمان، عزائي لكما، وأسأل الله دومًا أن يُغنيكما بفضله عمَّن سواه، وأن يرحمكما رحمة تُغنيكما عن رحمة من سواه، ففي مثل هذه الأحداث تنبض القلوب بمخافة الله، وتنبض المحبة والمودة وتسري بين الناس. اللهم فارحمنا رحمة عامة واسعة؛ تشمل الطائعين منّا والمذنبين، وتقودنا إلى الهداية، التي تُنقذنا بها من مساوئ هذه الدنيا، إنَّك مُجيب المضطر إذا دعاك. alshareef_a2005@yahoo.com
مشاركة :