يعيش السفاح النرويجي أندرس بهرنغ بريفيك الذي قتل 77 شخصًا في تفجير قنبلة وإطلاق نار عشوائي عام 2011 في رفاهية وفق معايير الاحتجاز الأميركية. فقد خصص للسفاح جناح من ثلاث غرف بها آلة ركض، وثلاجة، وتلفزيون مع مشغل أقراص دي في دي، وجهاز ألعاب سوني «بلاي ستايشن». غير أنه، يوم الاثنين، قالت المحكمة النرويجية إن الحكومة قد انتهكت حقوقه الإنسانية، ووصلت لاستنتاج على لسان قاضي المحكمة بأن عزلته الطويلة شكلت تهديدًا على صحته العقلية. عمليًا، بريفيك محروم من أي تواصل مع باقي النزلاء، ويخضع للتفتيش الذاتي، كما تخضع الزنزانة للتفتيش الدقيق. وفي جلسة محاكمة جرت في شهر مارس (آذار) قال بريفيك إن عزلته شكلت عذابًا له. قالت هيلين أنيدنيس سكيوليك، القاضية بمحكمة منطقة أوسلو التي شهدت المحاكمة التي بدأت في السجن لدواعٍ أمنية، الأربعاء، إن مسؤولي السجن قد انتهكوا أحد بنود الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تحظر «المعاملة غير الإنسانية أو المهينة أو التي تمثل عقوبة». وأمرت القاضية الحكومة بتخفيف حدة عزلة بريفيك، وإن لم تحدد الطريقة، مطالبة الحكومة بتحمل نفقات التقاضي المفروضة على بريفيك والبالغة 331 ألف كرونر، 40.600 دولار أميركي. غير أن القاضية رفضت شكوى السجين من أن مسؤولي السجن خرقوا أحد بنود الاتفاقية التي نصت على احترام الحياة الخاصة والأسرية للسجين، ورفضت طلبًا بتخفيف القيود والسماح له باستقبال الزوار والقيام بالاتصال الهاتفي واستقبال المكالمات والخطابات. وبررت الحكومة ذلك بأنها تقيد وتراقب اتصالاته بهدف منعه من تشجيع ممارسة العنف والتطرف. وأفاد ممثل الادعاء، أدلي ماثسون ميستيد، بأن المسؤولين لم يوافقوا على ما انتهت إليه المحكمة وأنهم يفكرون في الاستئناف. تسبب القرار في إثارة غضب الكثير من النرويجيين. «يا له من حكم بائس»، بحسب تغريدة سليجي غريتين، مستشارة سياسية بحزب العمل وعضو بالبرلمان النرويجي، على موقع «تويتر». وفي 22 يوليو (تموز) 2011، أقدم بريفيك على قتل 8 أشخاص بقنبلة في مبني حكومي وسط مدينة أوسلو ثم فتح النار ليقتل 69 آخرين وجرح العشرات بمعسكر صيفي بجزيرة أتويا. قال بريفيك إنه كان في «عملية (استشهادية) تهدف لإيقاف (الغزو الإسلامي) لأوروبا»، واصفًا نفسه بصليبي العصر الحديث في مواجهة «الجهاديين» الذين يُعتبرون جزءًا من تنظيم كبير. وأفاد ماريوس أمبرلاند، المحامي عن الحكومة النرويجية، بأنه فوجئ بقرار المحكمة بأن حقوق السفاح بهرنغ بريفيك المتهم بالقتل الجماعي قد انتُهكت. وفي جلسة المحاكمة التي عُقدت في 2012، توصلت المحكمة إلى أن المتهم كان ذئبًا منفردًا، وأنه كان مهووسًا بألعاب الكومبيوتر، وأنه خطط بنفسه لجرائم القتل من غرفة نومه في منزل والدته. وحكم علي بريفيك بالعقوبة القصوى (السجن لـ21 عامًا)، وقد يقضي مدة أطول لو أن المحكمة رأت أن خروجه من السجن قد يشكل تهديدًا على المجتمع. وكان بريفيك قد تقدم بشكوى ضد مسؤولي السجن العام الماضي بدعوى أن الحكومة تعمل على «قتله ببطء». وأفاد أوستن ستروفيك، محامي المتهم، بأن بريفيك يعاني نفسيًا، رغم أن التقارير التي أعدها الأطباء النفسيين لم تدعم هذا الادعاء. وقال ستروفيك في مرافعته إن على المحكمة أن تنظر «لما هو أبعد من مطالب الناس» وتتقيد بالقوانين الصارمة. قارن المحامي حالة بريفيك بحالة سفاح آخر عُرف إعلاميًا باسم «ذا جاكال» الذي سُمِح له برؤية الكثير من المحاميين لدرجة أنه تزوج من إحدى محامياته، ونشر كتابًا من داخل زنزانته. احتل سلوك بريفيك أثناء جلسات المحاكمة عناوين الصحف وأحيت مشاعر الغضب العام بعدما اشتكى بريفيك من أن الطعام الذي يقدم له يجري تسخينه بالميكروويف، وأن القهوة تصل إليه باردة. وأدى بريفيك التحية النازية، وأفاد بأنه ارتد عن إيمانه بالمسيح، وأنه بات يؤمن بكبير الآلهة أودين، وطالب بحق نشر مطبوعة سياسية، ورقية أو إلكترونية، مرة كل ثلاث سنوات، وأفاد بأنه قد ألف كتابين بالفعل تحت عنوان «يوميات بريفيك» و«دولة الشمال»، إلا أنه لم يسعَ لطباعة أي منهما. من جانبهم، دافع محامو الحكومة عن ظروف الحبس المشدد - بالنظر لوضع الدولة التي تعطي أولوية لإعادة التأهيل عن العقاب - وقالوا إن «بريفيك لا يزال يشكل خطرًا كبيرًا»، مشيرين إلى أن بريفيك لا يزال يمكنه الخروج للهواء الطلق والتمتع بالرعاية الصحية. وأفادت ميستيد، أحد محامي الحكومة، بأن بريفيك حاول التواصل مع متطرفين في الولايات المتحدة وأوروبا وأشارت إلى أن كثيرًا من المتطرفين في بولندا وجمهورية التشيك وبريطانيا أفادوا بأن بريفيك شكل مصدر إلهام لهم. ووصفت ميستد فكر بريفيك بـ«الخليط من انعدام الآدمية، ومعاداة الإسلام، ورهاب الأجانب، والكراهية العميقة». وقال لارس إيريك برنتزن، باحث زائر بمركز أبحاث الإرهاب بأوسلو، الذي درس الرسائل التي أرسلها بريفيك من سجنه، والتي نشرت لاحقًا على الإنترنت، في مقابلة صحافية، إن أنصار بريفيك هم تلك الفئة التي تجتذبها جرائم القتل الجماعي، منهم هؤلاء النسوة اللاتي كتبن له خطابات غرامية، مضيفًا أن «بريفيك يحاول الآن التواصل مع من يتفقون معه في الفكر المتطرف». وصرح كاتو هيمنغبي، باحث بأكاديمية الشرطة النرويجية ومؤلف كتاب عن بريفيك، في مقابلة شخصية بأن «عدم إمكانية الوصول للإنترنت وانعدام التواصل هو كل ما يضايق بريفيك». وأفاد راندي روسنكفيت، طبيب نفسي عينته المحكمة وأجرى لقاء مع بريفيك عام 2011، أمام المحكمة خلال جلسات المحاكمة بأن بريفيك بدا مدركًا لما يفعله، وعاقد العزم على «مواصلة الدراما» التي بدأها لو أنه أطلق سراحه. ومنذ عام 2012، استمر بريفيك في رفض التحدث إلى الأطباء النفسيين باعتبارهم جزءًا من المؤامرة التي تُحاك ضده. وأفاد ألريك فريدريك مالت، طبيب نفسي وأستاذ متقاعد بمستشفى جامعة أوسلو، الذي أدلى بشهادته في محاكمة بريفيك عام 2012، بأن المتهم يعاني من متلازمة اسبرجر، أحد اضطرابات طيف التوحد.
مشاركة :