الخرطوم- ضغطت سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في جنوب شرق البلاد على الجيش السوداني نحو الاتجاه إلى التفكير في حلول تفاوضية بشأن الحرب الدائرة منذ أكثر من عام، في ظل توقعات بأن تتزايد الهوة بين القادة في صفوف الجيش بما يدعم وقف مسلسل الخسائر. ووجدت قيادة الجيش نفسها في مأزق لأنها تواجه ضغوطا خارجية تدفعها نحو الحل السياسي بلا شروط أو إملاءات مع الخسائر التي تتعرض لها قواتها ميدانيا، وفي الوقت ذاته تخضع لسيطرة مجموعة تنتمي للحركة الإسلامية قدمت دعما لوجستيا للجيش مقابل تمرير رؤيتها الساعية للاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية. وأكدت تصريحات لوزير الخارجية المصري سامح شكري عن ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل حفاظًا على مصالح الشعب السوداني ومقدراته، أن دول الجوار لم تعد تحتمل مزيدا من المغامرات للاستمرار في حرب لا يستطيع أحد التحكم في مجرياتها عقب وصول المعارك إلى مشارف شرق السودان. الجيش يعتمد على خطابات شعبوية للتغطية على وعود بتحرير المناطق التي سيطرت عليها الدعم السريع وأوضح شكري خلال منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين الثلاثاء أن أيّ حل سياسي حقيقي لا بد وأن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم دون إملاءات أو ضغوط من أيّ أطراف خارجية بالتشاور مع أطروحات المؤسسات الدولية والإقليمية الفاعلة، مع أهمية معالجة الأزمة من جذورها عبر التوصل إلى حل شامل حفاظًا على مصالح الشعب السوداني ومقدراته وأمن المنطقة واستقرارها. وفي وقت تسعى فيه أطراف دولية للحل، صدرت عدة بيانات من جانب تيارات وتنظيمات تقاتل إلى جانب الجيش حاولت الإيحاء بأن المعارك في ولاية سنار لم يتم حسمها بشكل كامل وتعوّل على عوامل الزمن إلى حين إعادة تنظيم الجيش صفوفه لتوجيه ضربات جوية للمواقع التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع أملاً في استردادها، وتوصيل رسائل مفادها أن الأوضاع كرّ وفرّ وتتبادل فيها المواقع. ومع أن قوات الدعم السريع سيطرت على منطقة جبل موية قبل أيام، غير أن المتحدث باسم المقاومة الشعبية السودانية عمار حسن أشار إلى أن معارك استعادة منطقة جبل موية بولاية سنار مستمرة ولم تنته بعد، زاعما في تدوينة له على فيسبوك أن “المعركة تُحسم بالنقاط وأن القوات حققت فيها الكثير، ما دمنا على الطريق سنصل”. وحمل خطاب رئيس نظارات البجا في شرق السودان محمد أحمد الأمين ترك كلمات شبيهة تحدث فيها عن أن الاستنفار وما أسماه بـ”الجهاد” لدعم قوات الجيش لن يتوقف، وادعى بأن الشعب وكل القوات المسلحة مع تشكيل حكومة مدنية. ويشير سياسيون إلى أن الجيش يعتمد على خطابات شعبوية تطلقها جهات تقاتل معه وتسانده في المعارك في محاولة للتغطية على وعود سابقة قطعها على نفسه بشأن تحرير المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع وإمكانية حسم المعارك عسكريا، والإيحاء بوجود تقدم بالخرطوم في وقت قد يجد نفسه أمام مأزق أكبر كلما اقتربت الدعم السريع من شرق السودان، حيث يتحصن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان به، ويتخذه مقراً للحكومة الحالية. ويحاول الجيش الخروج بصورة الطرف الداعي للسلام عبر مبادرات تأتي من جانبه أو الحديث عن استجابة لمنبر جدة كي يخفف من الضغوط الخارجية والشعبية عليه، خاصة أن عمليات النزوح الكبيرة في ولاية سنار أخيرا حملت معها حالة من السخط ضد البرهان الذي ثبت أنه يمضي في حرب لا نهاية لها لحماية الإسلاميين أولا. ولعل ذلك ما يترجم حديث نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار عن مبادرة لوقف القتال، وأن المجلس يتبنى خارطة طريق تتضمن ثلاث مراحل، تبدأ بوقف الأعمال العدائية والفصل بين القوات المتحاربة، وتركز الثانية على الجانب الإنساني، ويتم العمل خلالها على الاستجابة للحاجات المستعجلة، والثالثة هي الأصعب وتتعلق ببحث دمج القوات، وهي نقطة تستغرق وقتا طويلا، وتنتهي هذه المرحلة بتوافق سياسي. وقال مصدر مطلع بالجيش السوداني لـ”العرب” إن ما يحدث في سنجة “مناوشات عسكرية، والجيش يحاول حصار قوات الدعم السريع التي وصلت إلى هناك”، معتبراً أن ما يجري “محاولة لتشتيت أذهان قيادة الجيش وأن الدعم سيصل لتلك المناطق، وسيكون الجيش أكثر قبولاً للسلام الفترة المقبلة مع الالتزام بما جاء في الإعلان الأول لمنبر جدة في مايو من العام الماضي”. وأوضح المصدر ذاته أن الجيش سيعمل على التجاوب بشكل أكبر مع المبادرات التي يتم طرحها على الساحة الإقليمية، وقد يقدم مبادرات خاصة به للحل السياسي، لكنه يربط بين الاتجاه لتنفيذها وبين دفع قوات الدعم السريع للخروج من الأماكن الحيوية. وحسب شهود عيان، فإن قوات الدعم السريع سيطرت الثلاثاء على مدينة الدندر، بولاية سنار، وتقع على بعد 400 كيلومتر جنوب شرق الخرطوم، بعد أن أكدت تقارير عدة سيطرة الدعم السريع على منطقة جبل موية و مدينة سنجة عاصمة سنار. وأكد اللواء كمال إسماعيل، وهو عسكري سابق بالجيش السوداني وعضو تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، أن فقدان الجيش السيطرة على بعض المناطق في ولاية سنار وتحديداً في مدينة سنجة وهي منطقة إستراتيجية من المفترض أن يدفعه نحو البحث عن حلول سياسية، والوقت الحالي مناسب لتأكد قيادة الجيش أن هذه الحرب ليس فيها منتصر والاتجاه للمفاوضات في صالح الشعب ووحدة البلاد، وأن توالي الضغوط الخارجية على قيادة الجيش تجعله في النهاية مرغمًا على هذا الحل. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه من الوارد تصاعد الأصوات داخل الجيش التي تنادي بالحل السياسي ووقف المعارك، فالحرب التي استغرقت أكثر من 14 شهراً جعلت هناك معنويات منخفضة بين صفوفه، وهناك مشكلات جمة على مستوى نقص الإمدادات وإدارة العمليات العسكرية. وشدّد إسماعيل على أن بعض القادة العسكريين يعوّلون على أن يكون تقدم قوات الدعم السريع في سنجة بمثابة تفوق لحظي واستخدام سلاح الطيران في مثل هذه المعارك لا يحقق انتصاراً سريعًا، وتبقى هناك حاجة إلى الوقت كي يتم حسم المعركة بشكل نهائي بتثبيت تموضع الدعم السريع أو بقدرة الجيش على تصحيح وضعه، وثمة قناعة بأن الجيش يمضى نحو الانتحار لصالح خدمة مجموعة من الإسلاميين ثار عليهم الشعب. وأكد أن المستفيد الوحيد من هذه الحرب هم أتباع الرئيس السابق عمر البشير والمحسوبون على التيار الإسلامي، وهم يوجّهون الدفة باتجاه استمرار المعارك العسكرية، مشيراً إلى أن مبادرة مالك عقار كان يمكن أن تلقى أصداء إيجابية إذا خرجت من طرف محايد، وأن حركات الجبهة الثورية الموقعة على اتفاق جوبا للسلام كان من المفترض أن تتخذ موقفًا محايداً يمكنها من التوسط بين الجيش والدعم السريع، لكن انحيازها لهذا الطرف أو ذاك أخرجها من معادلة القدرة على الوساطة.
مشاركة :