أصبحت الصين مجتمعاً متزايد الشيخوخة مع تزايد عدد السكان المسنين، ويشير التعداد السكاني الوطني السابع في الصين إلى أن من تبلغ أعمارهم 60 عاماً فما فوق، يمثلون 18.70% من السكان، وأن عدداً متزايداً من هذه الفئة يرغبون في الزواج مرة أخرى، والعثور على شريك حياة. ويلجأ عدد كبير من المسنين الصينيين إلى مكاتب الزواج، بحثاً عن شريك مناسب، ويعتقد مطلعون على الأمور أن المنصات التي تقدم خدمات الزواج للمسنين آخذة في الازدياد نسبة للعدد المتزايد للمسنين في الصين. وعلى الرغم من أن هذه الفئة من المجتمع لديها الكثير من الخبرة الحياتية، فإن سعيها وراء البحث عن شريك آخر فيما يبدو تعوقه الأعراف المجتمعية، سواء كان ذلك بتقييم الشريك وفقاً للمعايير المالية أو الخوف من «القيل والقال». تشانغ يبحث عن نصفه الآخر في زاوية بحديقة تيانخه في قوانغتشو، يبحث تشانغ داماو البالغ من العمر (65 عاماً) عن شريكة مناسبة، لكنه لايزال غير قادر على العثور عليها، فقد التقى العام الماضي بالعديد من النساء اللاتي يبحثن أيضاً عن شريك، لكنه لم يوفق. ويقول: «أعتقد أن أياً منا لم يلفت انتباه الآخر، إما لأنها تعتقد أنني لست جيداً بما فيه الكفاية، وإما لأني أعتقد بأننا لسنا متطابقين بشكل جيد». ويعمل تشانغ في صناعة الطب الصيني التقليدي، ويشير إلى نفسه باسم (الطبيب ماو). طلق زوجته منذ 20 عاماً، بسبب «التصادم بين شخصيتيهما» وظل عازباً منذ ذلك الحين. وفي العام الماضي، انتقل من بكين إلى قوانغتشو، وقرر الإقامة الدائمة في هذه المدينة الجنوبية. وبعد فترة وجيزة، قام بتعليق ملصق يحتوي على معلوماته الشخصية في زاوية الحديقة، حيث تنتشر إعلانات مشابهة لأشخاص يبحثون عن شريك مناسب، على أمل العثور على سيدة متواضعة تبلغ من العمر (60 عاماً) ليستقر معها. ركن للبحث عن شريك ويؤم ركن «البحث عن شريك مناسب» في هذه الحديقة، العديد من الأشخاص في قوانغتشو في نهاية كل أسبوع، حيث يحتشد متوسطو وكبار السن من جميع مناحي الحياة في المنطقة، بحثاً عن شريك مناسب. وأوضح تشانغ صراحة في إعلانه أنه لا يمتلك منزلاً أو سيارة أو مدخرات، وأوضح أنه مع ذلك معتدل المزاج، يحب الطبخ، ويتمتع بمهارات طبية جيدة، ويمكنه الاهتمام بصحة شريكته، ويوضح للشريكة المحتملة أنه يستطيع أن يضمن لها حياة صحية جيدة، لكن صدقه وصراحته بشأن وضعه المالي في معظم الأحيان، يجعل الشريك المحتمل يغيّر رأيه في الاقتران به. ويعرب تشانغ عن أسفه لذلك، قائلاً: «لقد التقيت بسيدة بالأمس، وظلت تسألني عمّا إذا كنت أقول الحقيقة». ووجد فيما بعد أنها مملة للغاية، ولم يكلف نفسه عناء الاتصال بها مرة أخرى. ويبدو أن العوامل المادية أكثر أهمية عندما يبحث كبار السن عن شريك. ويعترف تشانغ، الذي بدا مهزوماً إلى حد ما، «إن العوامل المادية تصبح أكثر أهمية عندما يجد كبار السن شريكاً». وعلى مر السنين، شارك في العديد من فعاليات الزواج، حتى إنه سافر إلى بكين لحضور برنامج تلفزيوني عن «التوفيق بين شخصين». وقال: إن أكثر من 90% من النساء اللاتي واعدهن استفسرن عمّا إذا كان يمتلك منزلاً وسيارة. وتنهد قائلاً: «أولئك الذين لا يتحدثون عن المال هم واحد في المليون». مواصفات الشريكة المحتملة ويوافق تشاو، المتقاعد البالغ من العمر (67 عاماً)، الذي وضع أيضاً معلوماته الشخصية في زاوية البحث عن شريك، على أنه من الصعب على متوسطي العمر وكبار السن العثور على شريك. ويتمتع تشاو بوضع مالي أفضل، ويدعي أنه يمتلك عقارين، ناهيك عن معاش تقاعدي سخي. وخلال الأشهر القليلة الماضية، التقى ببعض المواعيد المحتملة في الحديقة، لكن لم يتحول أي من مواعيده إلى علاقة جدية. وأوضح تشاو: «إما لأنه لم يكن هناك أي انجذاب بيني وبين الشريكة المحتملة، وإما لأننا نفتقر إلى مفاهيم مشتركة». كان تشاو موظفاً في إحدى الشركات قبل أن يتقاعد، وبعد وفاة زوجته قبل 10 سنوات، شجعته ابنته المنفتحة على البحث عن شريكة. استجمع، أخيراً، هذا العام ما يكفي من الشجاعة في محاولة للبحث عن زوجة. ويبحث عن امرأة متفهمة يسهل التواصل والانسجام معها، ولن يتنازل ويقبل بأي شريكة غير التي تحمل هذه الصفات، لكنه حتى الآن لم ينجح في مسعاه. تقول وسيطة الزواج واسمها يي، في مكتبها بقوانغتشو إن هناك إقبالاً كبيراً على الزواج بين من هم في منتصف العمر وكبار السن من الجنسين، لكن تواجههم تحديات كبيرة. على سبيل المثال، مقارنة مع الجيل الأصغر سناً، فإنهم يرغبون بأن يكون شركاؤهم في وضع معين. ولديهم أيضاً أمور معينة يجب مراعاتها من قبل الشريك الآخر، مثل ممتلكاتهم الفردية، والضمان الاجتماعي والتأمين الطبي، والخلفية التعليمية، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، إضافة إلى أبنائهم. وتشير يي إلى أنه على الرغم من تحسن الوضع، فإن العقلية الإقطاعية لاتزال موجودة في المجتمع الصيني، وبعض الناس يعارضون زواج كبار السن مرة أخرى، ويبدو أن الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 70 و80 عاماً أكثر قلقاً بشأن الأشخاص الذين يختارونهم، حيث إن كسب دعم أبنائهم في الزواج، يؤثر في كبار السن في بحثهم عن شريك آخر. وتشير أيضاً إلى أنه في الماضي، كان السبب الرئيس وراء اعتراض العديد من الشباب بشدة على زواج آبائهم المسنين مرة أخرى، هو توزيع الممتلكات، لكن الوضع تحسن الآن، حيث أصبح الناس أكثر وعياً واستعداداً لاحترام الاحتياجات العاطفية لكبار السن. وفي الوقت نفسه، يعيش عدد أقل من الأزواج الشباب مع والديهم بعد الزواج، ما يعني أنه سيكون من الجيد للمسنين غير المتزوجين أن يتزوجوا مرة أخرى حتى يكون لديهم من يعتني بهم، والعكس صحيح. كما أن العديد من كبار السن قد نقلوا بالفعل ملكية المنزل والأصول الأخرى إلى أبنائهم قبل زواجهم مرة أخرى، في حين يعيش آخرون معاً دون تسجيل زواجهم، ما يعني أن أبناءهم لا يقلقون بشأن توزيع الممتلكات. شركة الإعلام الصناعي «إيدج كلوب»، التي تركز على ابتكار الخدمات لكبار السن، قدرت سابقاً أن هناك ما لا يقل عن 50 مليون مستخدم في منتصف العمر وكبار السن في الصين لديهم احتياجات حقيقية في الحب والزواج. ومقارنة مع الشباب الذين لديهم خيارات اجتماعية أكثر ثراء من حيث الحب والزواج، كان هناك في السابق نقص نسبي في القنوات المتاحة لكبار السن للبحث عن شركاء. ومع ذلك، هناك في السنوات الأخيرة زيادة تدريجية في قنوات البحث عن الشركاء التي تلبي احتياجات كبار السن ومتوسطي العمر بشكل خاص. إلى جانب زوايا البحث عن شركاء في المتنزهات وفعاليات المواعدة التي تنظمها وكالات الزواج، بدأت بعض محطات التلفزيون أيضاً، تنظيم عروض المواعدة فقط لمن هم في منتصف العمر وكبار السن، في حين توجد أيضاً غرف مواعدة للبث المباشر عن طريق منصات الزواج والتواصل الاجتماعي. هذا العام، حظيت برامج المواعدة التي تستهدف فئات منتصف العمر وكبار السن بشعبية كبيرة، في قنوات مثل «بلو» و«هوبي» و«الحب لا يأتي متأخراً»، حيث ينجذب المشاهدون إلى كيفية تبادل المشاركين المسنين لوجهات النظر الصريحة والحادة، ولا يخجلون من إعلان حبهم بصدق لشركائهم المحتملين. طلب متزايد على عروض الزواج يقول الأستاذ بكلية الصحافة والاتصال بجامعة رنمين الصينية، تشو شياو بو: «إنه في عصر الإنترنت، ابتعد الشباب عن التلفزيون، بينما يفضل كبار السن مشاهدة التلفزيون بدافع العادة، وهو أحد أسباب ارتفاع عروض المواعدة لكبار السن على هذه الأجهزة. وأيضاً، بما أن معظمهم قد تزوجوا من قبل، ولديهم حاجة واضحة لتكوين عائلة أخرى، فإن لديهم فكرة أوضح عمّا يريدون في نصفهم الآخر، وأكثر جرأة في التعبير عن أنفسهم، ما يمنح مثل هذه العروض سوقاً أكبر وأكثر إحساساً. ويضيف البروفيسور تشو، أن الطلب المتزايد على المواعدة بين من هم في منتصف العمر وكبار السن، يعكس تغييراً حقيقياً في صناعة الزواج، وتلبية الاحتياجات العاطفية للمجموعات المختلفة وجذب الاهتمام. في السابق، كانت أقلية فقط من كبار السن الذين فقدوا أزواجهم يرغبون في الزواج مرة أخرى، لكن مع ارتفاع معدلات الطلاق في الصين، فإن هناك زيادة في الطلب على الزواج بين من هم في منتصف العمر وكبار السن، ما حفّز نمو صناعة الزواج. ويشير البروفيسور تشو أيضاً إلى أن العلاقات الأسرية بين الصينيين أصبحت الآن أكثر مساواة من ذي قبل، فمن ناحية، أصبح الشباب أكثر تقبلاً لزواج كبار السن مرة أخرى، بينما من ناحية أخرى، أصبح كبار السن أكثر استقلالاً مالياً وأكثر وعياً باحتياجاتهم العاطفية، ولا يضعون آراء أبنائهم في المقام الأول، كل ذلك يشير إلى علامات التقدم الاجتماعي. أنشطة اجتماعية للتوفيق بين الشركاء كبار السن حوّلت بعض وكالات الزواج تركيزها إلى خدمة فئات منتصف العمر وكبار السن. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نظمت وكالة الزواج التي تملكها يي أنشطة اجتماعية منتظمة لكبار السن ومتوسطي العمر، ما أتاح لهم الفرصة للتعرف إلى بعضهم بشكل أفضل من خلال جلسات شرب الشاي والغناء والألعاب. وتقول يي إنهم جمعوا العديد من الأشخاص في منتصف العمر وكبار السن معاً. بعض كبار السن تزوجوا مرة أخرى، بينما اختار آخرون العيش معاً دون زواج، حفاظاً على حقوقهم الفردية. وتشعر يي أنه مقارنة مع الطلب الضخم في السوق، فإن الاحتياجات العاطفية لمن هم في منتصف العمر وكبار السن لا تحظى بالاهتمام الكافي. على الرغم من أن العديد من هؤلاء الأشخاص يتخذون خطوة شجاعة بالوقوف أمام الكاميرا أو أمام حشد من الناس، ومع تزايد القبول الاجتماعي للزواج مرة أخرى بين كبار السن، فإن العديد من كبار السن لم يغيروا عقليتهم، ولا يرغبون في الاعتراف باحتياجاتهم العاطفية، أو التفكير أيضاً بمشاعر من حولهم، وينتهي بهم الأمر بقضاء بقية سنوات العمر بمفردهم. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :