ترحل الأمهات لكن الحبل السري الخفي الذي يصلنا بهن لا ينقطع... في ذكرى ميلاد الوالدة الغالية ابتسام، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، أكتب وهي التي لا تنصفها الكلمات، ولا تكفي السطور للحديث عنها... فهي الفضل، هي الخير، هي الطيبة، هي ست الكل. رحلت أمي في نوڤمبر 2023 بعد سنوات من تشخيصها بذلك المرض اللعين المسمى الشلل التقدمي، ست سنوات وهو يزحف عليها تدريجيا، بلاء من رب العالمين، بعدما كرست حياتها بعطائها للوالد، حفظه الله، ولأبنائها وعائلتها وصديقاتها وزميلاتها. بدأ الشلل التقدمي يسبب خللا في توازنها وتدريجيا انتقل إلى بصرها، ثم تسبب بضعف قدرتها على التحكم بيديها، وفي بداية كل مرحلة كانت ترفض الوالدة تقبل هذا الضعف والواقع الذي كان جديداً عليها وصادما لها، لكنها في تلك المرحلة بحثت وقرأت وأصغت بشجاعة تامة لأوامر الطبيب واختصاصيات العلاج الطبيعي، وضعت نفسها تحت نظام قاس ومنضبط من الحمية والمكملات الغذائية والأدوية، ولا أخفي عنكم أنها على الرغم من شجاعتها وقوتها وإيمانها، فقد مرت بانتكاسات نفسية ممزوجة بالخوف والمرارة والرهبة أحيانا، وكانت تجربتها صعبة، وكانت تنتابها حالات من الخوف والرعب... لكنها أبدا لم تيأس ودائما كانت تستعين بذكر الله وقراءة القرآن الكريم، وتستمع إلى تأملات عن الحياة. في آخر شهور حياتها كانت قد قررت ختم القرآن، رغم صعوبة حركتها وضعف نظرها ونطقها، لكنها كانت مُصرّة، كانت قوة إرادتها وعزمها، وإصرارها على التطور والتفكير الإيجابي سببا حاضرا يحضر مع ابتسامتها التي تفتح نوافذ الخيرات على كل من حولها... فكانت ينبوع الحب والحنان ليس لعائلتها وحسب بل لكل من عرفها وكل قريب وبعيد. أمي الغالية حتى وهي في فترة مرضها العصيبة وعدم قدرتها على التعبير أو الضحك كانت حريصة على أن تغمرنا بنظرات الحب والحنان، تلك النظرات التي تتغلغل الى عمق الروح والقلب، كأني بها تدعمنا وتقوينا كما اعتادت أن تكون مصدر قوتنا وسندنا طوال عمرها. عجزت عن الكلام لكن حضورها وروحها الطيبة احتويانا، كانت دائما «تتنقص» لنا ولحبايبها حتى من طعامها، كان صعبا عليها أن تستمتع بأي شيء جميل دون أن تشارك فيه من تحب، ولطالما كانت تردد على مسمعي «أنت ابنتي الوحيدة»، وأنا بالفعل كنت بنتها الوحيدة، لكني لم أفهم معنى كلمتها إلا بعد رحيلها، إذ فهمت أنني كنت مرآة لها. كانت أمي وما زالت وهي الغائبة الحاضرة أمي وأختي وصديقتي التي استمتعت بحياتي معها... أمي يا غائبتي الحاضرة أنت دوما في قلوبنا وأذهاننا، وما زلت معنا في كل خطواتنا وأيام حياتنا، دعيني أقل لك إني كامراة، كإنسانة، كأم، ابنة، وحتى أخت، أستمتع بحبك العميق بكل كياني وجوارحي حتى بعد رحيلك. لقد علمني ذلك أن أذكر نعم الله مع كل بلاء ومحنة، هناك رحمة من رب العالمين، بقلبي هناك ابتسامة وفرحة وشعور بالامتنان، فمن خلال رحمة وحب الله نستطيع، نعم نستطيع أن نفرح ونحب، مهما كانت مشاكلنا صعبة أو معقدة. شكراً لله على جميع نعمه وبركاته المغدقة علينا الصغيرة والكبيرة، من صحة وعقل ووعي... فوجودنا الآن في هذه اللحظة بحد ذاته بركة، دعونا لا نستهين بها فهي نعمة من نعم رب العالمين مهما كانت عادية أو بسيطة.
مشاركة :