بعد مضي أكثر من 13 عامًا على اختطاف عملاء وكالة المخابرات الأميركية للداعية أبو عمر المصري من قلب شوارع ميلان، تواجه ضابطة سابقة بالمخابرات الأميركية، تقطن حاليًا في البرتغال، خطر التسليم إلى إيطاليا لتنفيذ حكم قضائي صدر ضدها بالسجن لأربعة أعوام بتهمة تتعلق بعملية الاختطاف. كانت صابرينا دي سوزا (60 عامًا)، واحدة من بين 26 أميركيا أصدرت محاكم إيطالية بحقهم أحكامًا غيابية لدورهم المزعوم في تسليم حسن مصطفى أسامة نصر، المعروف أيضًا باسم أبو عمر، في فبراير (شباط) 2003. وكغيرها من الأميركيين المدانين، لم تواجه دي سوزا خطر السجن في إيطاليا لأنها عادت إلى الولايات المتحدة قبل بدء المحاكمات في إيطاليا بفترة طويلة، إلا أنها انتقلت إلى البرتغال في الربيع الماضي لتكون بالقرب من أقربائها. وفي الخريف، اعتقلتها السلطات المحلية في مطار لشبونة بناء على مذكرة اعتقال أوروبية. وقد أيدت محكمة البرتغال العليا هذا الأسبوع الأحكام التي أصدرتها المحاكم الأدنى، وذكرت أن الأحكام لا تتعارض مع الدستور، وأكدت على ضرورة تسليم دي سوزا إلى إيطاليا بحلول يوم 4 مايو (أيار) المقبل. وكررت محكمة البرتغال الدستورية الشرط الذي وضعته المحاكم الأدنى - الذي اعتمدته إيطاليا في مذكرة الاعتقال الأوروبية الصادرة بحق دي سوزا - بأن تتم إعادة محاكمتها، فور وصولها إلى إيطاليا، أو السماح لها بالاستئناف على الحكم حال وجود أدلة جديدة، كما يمكنها استدعاء شهود إيطاليين أو أميركيين، نظرًا لأن الحكم الذي صدر ضدها كان غيابيًا. من جانبها، تقول دي سوزا - التي طالما أنكرت أي دور لها في اختطاف أبو عمر المصري إنها ليست واثقة تمامًا من أن إيطاليا لن تزج بها إلى السجن ببساطة فور وصولها إلى هناك. يقول محاميها البرتغالي مانويل ماغالاس إي سلفيا، إنه قد تنامى إلى علمه أن السلطات الإيطالية لا تأخذ هذا الشرط على محمل الجد، وقد ينتهي بها المطاف إلى إجبار دي سوزا على إتمام العقوبة المحددة بالسجن لأربع سنوات. تقول دي سوزا في حوار مع «واشنطن بوست»: «الوضع أشبه بالخيالي إلى حد ما. لقد أمضيت سنوات كنت أود فيها درء الاتهامات الموجهة ضدي. أما الآن، فأنا أريد معرفة ما يحدث في إيطاليا خطوة بخطوة.» وبدوره، يقول بنجامين فيشر، أحد كبار المؤرخين السابقين لوكالة المخابرات المركزية إنه لا يستطيع تذكر أي قضية مشابهة لقضية دي سوزا عبر تاريخ المخابرات الأميركية، ويشدد على كلامه قائلاً: «لم يسبق لها مثيل». وعندما تواصلت «واشنطن بوست» مع السفارة الإيطالية، أحالها موظف المكتب الإعلامي إلى جيوفاني ميليلو، رئيس مجلس وزارة العدل الإيطالية، «إلا أنه لم يرد على أي من مكالماتنا الهاتفية». ومن جانبها، رفضت وكالة المخابرات الأميركية التعليق. وأصدرت وزارة الخارجية بيانًا مقتضبًا مساء يوم الخميس تقر فيه أن المسؤولين هناك اطلعوا على تقارير حول قرار المحكمة البرتغالية، وأحالت «واشنطن بوست» إلى الحكومات الإيطالية والبرتغالية للمزيد من التعليقات. ولطالما كانت دي سوزا - التي تحمل الجنسية البرتغالية والأميركية - على دراية بأن السفر إلى أوروبا يجعلها عُرضة للاعتقال، ولكن الكثير من أقربائها يعيشون في البرتغال (ويحمل شارع في لشبونة اسم عمها)، كما تعيش أختها في ألمانيا، وتعيش أمها البالغة 90 عامًا في الهند. إلا أنها كانت تضع في الحسبان أن إلحاح قضيتها سيدفع الولايات المتحدة والحكومة الإيطالية إلى إعادة التحقيق، في حال اعتقالها أو إرسالها إلى إيطاليا. قالت دي سوزا: «لو كنت مواطنة أميركية المولد وأسرتي تعيش بالكامل في كانزاس، على سبيل المثال، فلربما ما كنت لأخشى الذهاب إلى أوروبا من جديد». من شأن تسليم دي سوزا وسجنها المحتمل أن يكون بمثابة تحول صادم للأحداث بالنسبة إلى قضية تثير تساؤلات كبرى حول مدى الحماية الدبلوماسية التي يتمتع بها ضباط الاستخبارات المركزية بالخارج عندما ينفذون عمليات بموافقة رؤساءهم. خلال فترة عملها بالاستخبارات المركزية، كانت دي سوزا مسجلة في إيطاليا كمسؤولة بوزارة الخارجية في القنصلية الأميركية في ميلانو. لم تكن تعمل بوضع عميل سري «من دون غطاء رسمي»، الذي يفتقر للحماية الدبلوماسية. قالت دي سوزا: «الذين أدينوا منا كانوا دبلوماسيين معتمدين ومعلنين بالنسبة للحكومة الإيطالية. أما نحن فنجد أنفسنا نتعرض لمعاملة كأولئك الذين من دون غطاء رسمي، مع انتفاء علاقتنا بالحكومة الأميركية. وما كنت لألتحق بالاستخبارات المركزية لو عرفت بأنه هناك احتمال بعيد لئلا أرى أمي في غوا مرة أخرى وألا أسافر للخارج. لقد ضرب هذا سابقة فظيعة. لقد مول الكونغرس هذا التمويل بموافقة مسؤولين حكوميين كبار في الولايات المتحدة، وإيطاليا ومصر». بدأت القصة بالكامل في 17 فبراير 2003، عندما اختطف رجلان أبو عمر، بينما كان يسير باتجاه أحد المساجد في ميلانو، واقتاداه إلى حافلة. تم نقل رجل الدين إلى مصر جوا، حيث تعرض للضرب والصدمات الكهربائية، لكن أطلق سراحه في نهاية المطاف. لم يتم إخلاء سبيله إلا في بداية عام 2005، عندما ظهرت تقارير صحافية تفيد بأن السلطات الإيطالية تحقق مع ضباط بالاستخبارات المركزية بسبب مخالفة مزعومة للقوانين المحلية التي تمنع اعتقال المشتبهين بالإرهاب في أوروبا. تسبب الادعاء الإيطالي، المستند إلى حد بعيد إلى تسجيلات المكالمات الهاتفية لضباط الاستخبارات المركزية، في إحراج الوكالة - حيث سلط الضوء على ما كان يعتبر عملا قديما لـ«سي آي إيه» - وتسبب في توتير العلاقة بين الولايات المتحدة وحليف أوروبي، حول واحد من أكثر ممارسات الوكالة إثارة للجدل بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. في بداية عام 2009، استقالت سوزا من الـ«سي آي إيه» بعد أن أخفقت في محاولاتها لإقناع وزارة الخارجية بمنحها الحصانة. وفي وقت لاحق من ذلك العام، لاحقت دي سوزا قضائيا رب عملها السابق، وزارة العدل، ووزارة الخارجية لإجبار الحكومة على منحها الحماية الدبلوماسية. لكن كان الأوان قد فات. بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، أدينت دي سوزا وكثير من ضباط الـ«سي آي إيه» الآخرين غيابيا في إيطاليا بتهم الاختطاف. لم يقدم الإيطاليون أي أدلة دامغة تثبت تورط دي سوزا، بخلاف إظهار مكالمات هاتفية أجريت من هاتفها إلى أحد الخاطفين قبل عدة أشهر، وقرب وقت التسليم. قال أرماندو سباتارو، المدعي الإيطالي الذي تولى القضية، لـ«واشنطن بوست» في 2012 إن «الحكومة ليست بحاجة إلى مدفع الدخان لتمرير عقوبة».
مشاركة :