لا تحتاج إلى أن تمشي في شوارع وأحياء غزة لتعرف حجم الدمار الذي حل بها، والجوع الذي يفتك بسكانها، فربما الصور تنقل المشهد بشيء من التفصيل والدقة، فحجم الدمار والركام في القطاع الجريح غير مسبوق، ويشير بوضوح إلى قسوة العدوان الإسرائيلي الغاشم، كما أن الجوع الذي ينخر في أجساد أبنائها واضح للعيان. فمنذ أكتوبر الماضي، يئن نحو مليوني فلسطيني في غزة من الجوع، ويواجهون نقصًا هائلاً في الغذاء والمياه النظيفة، فيما يحيط بهم من كل جانب الدمار والركام، وتحولت منازلهم إلى أنقاض، وغابت كل أشكال ومظاهر مقومات الحياة في القطاع الجريح. ويعد الدمار الذي يحيط بكل جوانب القطاع أشد وأكثر من الدمار الذي حل بأوكرانيا، منذ حربها مع روسيا في فبراير 2022، ويتطلب احتياطات وضوابط أكثر تعقيدًا، وفقًا للأمم المتحدة. وبحسب مونجو بيرتش، المسؤول عن دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام في غزة، فإن حجم الأنقاض في غزة تقدر بنحو 37 مليون طن أو 300 كيلوجرام لكل متر مربع، من بينها قنابل غير منفجرة، ونحو 800 ألف طن من الأسبستوس، وهي مادة خطرة ومضرة بالصحة، ويتطلب التعامل معها إجراءات خاصة. كما يؤكد المسؤول الأممي، أن القطاع يحتاج إلى مئات الملايين من الدولارات على مدى سنوات ليصبح آمنًا من الألغام والقنابل غير المنفجرة. وترجح التقديرات الدولية إلى أن غزة تعرضت إلى الدمار بنسبة 75 % تقريبًا، كما تجاوز مستوى الدمار في شمال غزة، مستوى التدمير الذي تعرّضت إليه مدينة درسدن الألمانية التي قصفتها قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية عام 1945، وأوقعت بها دمارًا غير مسبوق حينذاك. مجاعة واقعة ولم تعد المجاعة في غزة وشيكة، بل باتت واقعًا، إذ قال مجموعة من الخبراء المستقلين في مجال حقوق الإنسان، المفوضين من الأمم المتحدة، إن زيادة عدد الوفيات أخيرًا بين الأطفال بسبب سوء التغذية في قطاع غزة تشير إلى انتشار المجاعة في أنحاء القطاع. وأشارت المجموعة المؤلفة من 11 خبيرًا مستقلاً في بيان، إلى وفاة 3 أطفال أعمارهم 13 سنة وتسع سنوات وستة أشهر بسبب سوء التغذية في خان يونس جنوب القطاع ودير البلح في وسط غزة منذ نهاية مايو. وقال الخبراء "مع وفاة هؤلاء الأطفال جوعًا على الرغم من العلاج الطبي في وسط غزة، لن يكون هناك شك في أن المجاعة امتدت من شمال غزة إلى وسط وجنوب القطاع". وندد البيان، الذي وقعه خبراء من بينهم المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، "بحملة التجويع المتعمدة والموجهة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني". بيان الخبراء المستقلين عضده تأكيد برنامج الأغذية العالمي بوصول مستويات الجوع في غزة إلى حد الكارثة، مع صعوبة وصول الأسر للمخزونات المحدودة بالفعل من المساعدات الغذائية. ووفقًا للبرنامج فإن "نصف مليون شخص في قطاع غزة يواجهون مستويات كارثية من الجوع". وأشار البرنامج الأممي إلى أن "العائلات الفلسطينية بغزة لا تحصل في أغلب الأحيان على الحصص الغذائية الكاملة وبشكل مستمر". وأوضح أن "إمكانية الوصول غير الموثوقة للمساعدات الإنسانية والمخزونات المحدودة تحول دون حصول العائلات بغزة على الحصص الغذائية التي يحتاجون إليها".
مشاركة :