عند سؤال الناس عن آرائهم حول مستقبل التضخم، ستتلقى ردوداً غريبة. في المتوسط، سيتوقعون زيادة كبيرة في الأسعار، لكن آراءهم ستختلف بشدة فيما بينهم. وهذا غير ملائم لخبراء الاقتصاد، الذين يفضلون عادة تجاهل مثل هذه التعقيدات. ويميل البعض منهم إلى رفض ذلك كلياً، ويشكك في مدى جدوى إجراء استقصاءات للأسر بشأن التضخم على الإطلاق. وفي سياق تزايد الارتفاع الحاد والمؤلم للأسعار، ظهرت موجة من أبحاث التضخم في السنوات الأخيرة، أكدت أن الناس لديهم تحيزات، لكن في كل الأحوال لا ينبغي تجاهل آرائهم. وقد لخص تحليل حديث ذلك ببراعة على النحو الآتي: «هؤلاء الأفراد يمثلون مواضيع يسعى خبراء الاقتصاد لدراستها: وربما بعضهم حمقى، لكنهم منا». فما الذي نفهمه بالضبط؟ حسناً، معظمنا لا يحمل آلات حاسبة داخل أدمغتنا، فنحن نتأثر بارتفاع الأسعار أكثر مما تريحنا التخفيضات، ونولي اهتماماً أكبر لأسعار الأشياء التي نشتريها في أغلب الأحيان، وليس ما يثقل كاهل ميزانياتنا أكثر. وعلى وجه التحديد، فإننا نتأثر بأسعار منتجات معينة، لكن باولا باتزيلت وريكاردو ريس من كلية لندن للاقتصاد حذرا من المبالغة في تقدير هذا التأثير خلال فترة التضخم الأخيرة. صحيح أن توقعاتنا تتأثر بأسعار الطاقة، لكن تقديراتهما تشير إلى أن الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، لا يوضح سوى نحو سدس الزيادة الأخيرة في متوسط توقعات التضخم بأوروبا. وتوصلت نتائج حديثة أخرى إلى أن الناس تميل إلى تجاهل التضخم عندما تكون المعدلات منخفضة. (ومن المثير للدهشة أن معظم الناس ينظرون إلى مسألة تصفح المواقع الإحصائية على أنها عمل روتيني). لكن عند ارتفاع التضخم، تزداد قيمة الاطلاع على المعلومات، فضلاً عن دقة مستوى الإدراك. لكن النبأ السيئ لصناع السياسات ممن يسعون إلى الحفاظ على ثبات التوقعات، هو أن تشكيل توقعات أولئك الأكثر اطلاعاً يصبح أكثر صعوبة. وفي المتوسط لهذا القرن، توقع الثلث الأكثر فقراً من الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع، أن يكون التضخم في العام المقبل أعلى بنحو نقطة مئوية مقارنة بالثلث الأكثر ثراءً. وقد يكون هذا التفاوت حقيقياً، إذا شهد أصحاب الدخل المنخفض زيادة في حصة الميزانية التي تقتطع للمواد الغذائية باهظة الثمن، كما سيجد أولئك الذين يقتصدون المال صعوبة أكبر في شراء بدائل أرخص. ومع ذلك، قد يعزى هذا جزئياً إلى التحيز العالق في ذاكرة الناس. ففي بحث غير منشور، قام ويبر وفرانشيسكو داكونتو من جامعة جورج تاون بمقارنة ما يقوله الأشخاص حيال ما دفعوه مقابل الحليب بما دفعوه حقاً، باستخدام بيانات أجهزة المسح. وما يبعث على الاطمئنان أن الناس يتذكرون الأسعار الحالية بشكل صحيح. لكن عندما يتعلق الأمر بأسعار قبل عام مضى، فإن ما بين الربع إلى الثلث (لا سيما أصحاب الدخل المنخفض) يقللون دائماً من قيمة ما دفعوه، ومن ثم يبالغون في تقدير التضخم. وقد يكون الانتماء الحزبي الأمريكي عاملاً هو الآخر. فقد وجدت كارولا بيندر من جامعة تكساس في أوستن، وروبال كامدا من جامعة إنديانا، وجين رينجارت من جامعة نوتردام، أن توقعات الديمقراطيين للتضخم بعد عام مستقرة تقريباً بين عامي 2020 و2023. وفي المقابل، شهدت توقعات الجمهوريين مساراً أكثر تقلباً، حيث استجابت بقوة أكبر للأخبار؛ وفي بداية هذا العام، ظلت توقعاتهم أعلى بأكثر من نقطة مئوية. هل هذه التحيزات مهمة؟ ثمة قاعدة واهية لكنها متزايدة من الأدلة، توضح كيف تترجم توقعات التضخم إلى قرارات متعلقة بالإنفاق والعمل. وفي بعض الأحيان، ما قد يبدو وكأنه تحيز يمكن أن يوفر معلومات مفيدة، ويسهم في التنبؤ بفترات الارتفاع الجامح للأسعار. هناك أيضاً بعض الأمثلة التاريخية السابقة، كما هي الحال في البرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة خلال السبعينيات، وقد وجد ريس أنه ابتداءً من عام 2021، بدأت شريحة من الأمريكيين تتوقع معدلات تضخم أعلى من المعتاد، وهو ما تحول إلى نبوءة. كما توصلت ورقة عمل لصندوق النقد الدولي إلى أن زيادة الخلاف في الولايات المتحدة حول الزيادة المتوقعة للأسعار يمكن أن يتنبأ بارتفاع معدلات التضخم في العام التالي. لذلك، فإن أجزاء من توزيع توقعات التضخم في الولايات المتحدة تبدو مقلقة بعض الشيء. ولا يزال هناك اتجاه غريب في توقعات الناس للسنوات الخمس المقبلة، حيث يظل الحد الأعلى للتقديرات أعلى من مستويات ما قبل الجائحة، مدفوعاً في الغالب بأصحاب الدخل المنخفض. في مواجهة ذلك، يبدو رئيس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول هادئاً تماماً، حيث صرح في 12 يونيو أن توقعات التضخم «تبدو مستقرة تقريباً». ويشاطره ريس هذا الرأي، مشيراً إلى أن الأدلة التي تدعم موثوقية التوقعات التي شملها الاستطلاع حتى الآن هي أدلة مبدئية إلى حد ما. ومع ذلك، يضيف إن المستثمرين يحسبون أيضاً ارتفاع التضخم على مدى 5 سنوات؛ لذا ربما تزعزعت الثقة في البنوك المركزية على المدى الطويل بسبب الأحداث الأخيرة، ولن يكون ذلك من باب الحماقة إطلاقاً. تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز كلمات دالة: FT Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :