الوضع الاقتصادي السائد في إقليم كردستان العراق حالياً، ناتج من ثلاثة أزمات مُتداخلة تتعلق بالديناميكيات السياسية الفاعلة، حيث الانكماش الاقتصادي وليد للأزمة المالية والحرب، فضلاً عن الصراع السياسي المُتفاقم. وأشار تقرير أصدرته «مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث» (ميري) في أربيل بإقليم كردستان إلى «تدهور القطاع النفطي في الإقليم، الذي كان وما زال مصدراً رئيساً لنحو 90 في المئة من الموارد العامة للموازنة». ولفتت المؤسسة البحثية المُستقلة غير الحكومية إلى أن «واردات الإقليم من الضرائب قبل الأزمة الراهنة، كانت نحو 130 مليون دولار، من دون احتساب الأجور التجارية على المعابر الحدودية، أي أنها كانت تمثل نحو 1 في المئة فقط من الموازنة العامة». وجه التقرير انتقادات مُباشرة إلى طريقة إدارة «صندوق النفط والغاز» في الإقليم، الذي تطور بمساعدة جزء من واردات النفط، ولكن فشل في التحول إلى جدار مالي يحمي الاقتصاد من الأخطار الناشئة عن الأزمات الاقتصادية. فإدارة الإقليم لهذا الصندوق لم تكن شفافة بما فيه الكفاية، فالصندوق لم يُنظم بشكل صحيح، ومالت «فلسفة» الإقليم الاقتصادية إلى فكرة عامة تقليدية، تقوم على أن «أسرع طريقة لبناء الإقليم هو الاستعجال بتحصيل أكبر قدرٍ من الموارد المتأتية من النفط، لتقوية الموازنة العامة، بدل الاحتفاظ بها في إطار صندوق التنمية». ولكن في المحصلة، حُفظ مبلغ قليل فقط، أقل بكثير مقارنة بصناديق الدول النفطية الأخرى، التي تستخدم هذه الأموال عند هبوط مواردها، كي لا تلجأ إلى سياسات التقشف، كما تفعل حكومة كردستان حالياً. وطالب التقرير بإعادة ترتيب الصندوق وإداراته، بحيث تكون مُطابقة نسبياً لنظرائها في دول الخليج، لا للعراق، مشيراً إلى أن معظم المتخصصين شددوا على ضرورة استغلال موارد الإقليم النفطية في شكل مستقل، لتنمية الإقليم لمصلحة الأجيال المقبلة، وتحويل تلك الموارد إلى سندٍ للموازنة عند الحاجة. ولكن الوضع الحالي لا يتناسب وهذه السياسات الاقتصادية، فالعائدات من الموارد النفطية تدنت 65 في المئة خلال السنوات القليلة الماضية، بينما ارتفعت النفقات في شكل شبه موازٍ، وأضيف إلى ذلك الـ«الشلل الاقتصادي» الذي أصاب الكثير من القطاعات في الإقليم جراء الحرب الأخيرة. وانتقد التقرير الرؤية المتفائلة غير الموضوعية التي تُسيطر على جزء من التفكير العام في القِطاع النفطي في الإقليم، والتي تسعى إلى التأكيد أن الإقليم سيعود إلى وضعه السابق في حال عاد الإنتاج إلى المستويات السابقة، أو في حال إرسال حصته من الموازنة العامة المركزية. ويدحض التقرير تلك الرؤية عبر التركيز على الوضع الحالي بين الحكومة والشركات النفطية العالمية العاملة في الإقليم، فالحكومة أخفقت في صرف الأموال للشركات، حتى أن بعضها بات في وضع مالي حرج، واضطر عدد كبير منها إلى وقف الاستثمارات وخطط التوسع. ولا يكفي أن تُخصص حكومة الإقليم «مستقطعات شهرية» من الواردات النفطية لمصلحة الشركات، فهذه المبالغ لن تكون كافية، لأن المشكلة تكمن في الثقة بين الطرفين ودفع كل المستحقات، التي من دونها لا يمكن رفع الإنتاج. وكان من المخطط أن يبلغ الإنتاج نحو 750 ألف برميل يومياً، ولكن ذلك لن يتحقق خلال العام الحالي، إذ أن معظم الشركات يخطط للخروج من الإقليم بهدوء. وقدم التقرير اقتراحات عدة لرفع حصة الموارد غير النفطية في الموازنة، كما تفعل الحكومة المركزية التي رفعت النسبة من 5 إلى 16 في المئة، بعد إضافة ضرائب على قطاعات غير نفطية مثل السجائر والسيارات والهواتف الخليوية. وأوصى بتنفيذ سياسات فرض الضرائب في شكل تدريجي وتجريبي، وتنفيذ جباية أجور المرافق العامة، مثل الماء والكهرباء والنفايات وغيرها.
مشاركة :