يقول عدد من أصحاب الخبرة في تشكيل اللوائح البلدية والاختيارية إن المنافسة في الانتخابات يغلب عليها الطابع العائلي وإن القوى السياسية التي تدير ظهرها للعائلات، ستكتشف أنها كانت في غنى عن النزول بكل ثقلها في المعارك البلدية، حتى لو حصدت نتائج باهرة، لأنها ستفقد تأييد من ناصبتهم الخصومة في هذه العائلة وتلك، وبالتالي من الأفضل لها تقنين تدخلها لئلا ينعكس عليها سلباً في الانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل. ويؤكد هؤلاء أن دور القوى السياسية يجب أن ينصب على تشجيع العائلات على التوافق وأن يكون تدخلها من أجل رأب الصدع بينها والتصرف على أنها «شيخ صلح» ومن مصلحتها الوقوف على الحياد. ويقولون إن إسقاط نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة على المعركة البلدية ليس دقيقاً، وكذلك الحال بالنسبة إلى «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» في حال قررا توظيف تحالفهما السياسي بدعم ترشح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، خصوصاً لجهة أفادتهما من استطلاع الرأي المؤيد بنسبة كبيرة للمصالحة بينهما وتثميره في تحالفهما البلدي. ويعزو أصحاب الخبرة هؤلاء السبب إلى أن ارتياح الأكثرية في الشارع المسيحي إلى المصالحة التي أنجزت بين «التيار الوطني» و «القوات» لا يعني أن من أيدها قرر تفويضهما أن ينوبا عنه في تركيب اللوائح البلدية وإلا لماذا يواجهان حالياً مشكلات عدة في أكثر من بلدة مسيحية. ويرى هؤلاء أن الأولوية في تركيب اللوائح البلدية تبقى للعائلات ومن ثم للتحالفات التي ستقيمها في البلدات، وأخيراً للأحزاب. ويعتبرون أن التوجه لإقحام القوى السياسية ذاتها في المعارك البلدية سيؤدي إلى إغضاب هذه العائلة أو تلك إضافة إلى الخلاف الذي يحصل في داخل العائلة بين مرشحين ينتمون إلى الحزب ذاته، ويحذّرون من الارتداد السلبي الذي قد تحصده الأحزاب إذا ما أشعرت العائلات بأنها تريد الهيمنة على قرارها البلدي أو الاستئثار بحصة الأسد في المجالس البلدية. ويرون أن على القوى السياسية القيام بدور الحاضن لتحقيق الشراكة الشعبية في إنماء البلدات والنهوض بها حتى لو كانت لديها القدرة على حسم المعركة لمصلحة النافذين فيها أو الحزبيين المنتمين إليها. ويتوقّف أصحاب الخبرة أمام المشاورات الجارية لتشكيل لائحة ائتلافية في زحلة في مواجهة اللائحة المدعومة من رئيسة الكتلة الشعبية ميريام الياس سكاف، ويقولون أن رئيس هذه اللائحة أسعد زغيب نجح حتى الآن في إقناع الأحزاب المؤيدة له بضرورة شغل عدد محدود من المقاعد البلدية لمصلحة توسيع مشاركة العائلات في هذه اللائحة، وتمكّن من خلال المشاورات أن يقنعها بجدوى وجهة نظره الرامية إلى تغليب دور العائلات في اللائحة وإشعارها بأنها تشكل بيضة القبان في تركيبها. كما يتوقف هؤلاء أمام الدور الذي يلعبه زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في رعايته المباشرة لتشكيل لائحة ائتلافية في بيروت ويؤكدون أنه لا يحرص على تحقيق المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي العتيد فحسب، وإنما قدّم نموذجاً لدور العائلات في حفاظها على إشراكها وتمثيلها فيه على رغم أن لديه القدرة في أن يطغى حضور «المستقبل» في اللائحة على الآخرين من عائلات وقوى سياسية. ويعتبرون أن الحريري نجح في إشراك العائلات في تدبير شؤون العاصمة وتلبية حاجات أهلها وهذا ما ظهر للعيان من خلال دوره الضاغط في تظهير نصف أعضاء اللائحة وعددهم 12 مرشحاً يمثّلون المذاهب والطوائف الإسلامية. ويضيف هؤلاء أن إصرار الحريري على تمثيل العائلات السنية في بيروت، لا يعني أنه تجاهل تمثيل العائلات أو القوى السياسية المتعددة في بيروت، خصوصاً لدى الطائفة الشيعية إذ أصرّ على أن تتمثل عائلة بيضون، كما في المجالس البلدية السابقة، اعترافاً منه بدورها من خلال الجمعية العاملية الخيرية في مجال التربية والتعليم المهني والتقني والعالي وبدا هذا بدعم ترشح أحد أعمدتها عماد محسن بيضون العضو الحالي في البلدية. لذلك عمد الحريري إلى رعاية نصف اللائحة الائتلافية التي تأخر إعلانها إلى حين نجاح المفاوضات في تظهير النصف الآخر منها وهو أتاح لأن يكون هذا النصف خليطاً يجمع بين العائلات والمؤسست التعليمية الكبرى والقوى السياسية. المفاوضات تقترب من الحسم أما في خصوص المفاوضات الجارية لتشكيل النصف المسيحي من اللائحة الائتلافية فعلمت «الحياة» من مصادر بيروتية أنها اقتربت من الحسم ولم يعد من الجائز تأخير ولادتها، خصوصاً أنه لم يبق حتى إنجاز الاستحقاق البلدي سوى أسبوعين. ووفق «المعلومات»، فإن وزير السياحة ميشال فرعون كان تولى إدارة المفاوضات بتكليف من الحريري والقوى السياسية وعلى رأسها أحزاب «القوات» «التيار الوطني» و«الكتائب» باعتبار أن تمثيل الأرمن بـ 3 مقاعد بات محسوماً بمقعدين للطاشناق وثالث لحزب الهانشاك. ومع أن عقدة نائب رئيس البلدية قد حسمت بعد أخذ ورد لمصلحة الأرثوذكسي إيلي أندريا المدعوم من المطران الياس عودة، فإن عقداً أخرى سرعان ما ظهرت على رغم أن حل العقدة الأولى يفترض أن يساهم في تذليل العقد الأخرى لكن هذا لم يحصل. واضطر فرعون، كما تقول المصادر، إلى تجميد وساطته في ضوء إصرار «التيار الوطني» و «القوات» على أن تشمل المفاوضات توزيع ما تبقّى من المقاعد الثمانية، أي أن يكون لهما رأيهما في توزيعها على القوى السياسية. وأدى «اعتكاف» فرعون إلى انطلاق المفاوضات للمرة الأولى بين مسؤول «القوات» في الأشرفية عماد واكيم وأمين عام «تيار المستقبل» أحمد الحريري الذي أبلغ من يعنيهم الأمر أن الوقت لم يعد يسمح بتطويل المفاوضات بلا جدوى وأن الأسبوع المقبل بدءاً من اليوم لا بد من أن يحمل قراراً نهائياً. فهل تنجح مشاورات اللحظة الأخيرة أم أن «القوات» و«التيار الوطني» سيصرّان على أن يتمثّلا بأربعة أعضاء وبالتالي سيضطر «المستقبل» ومعه حلفاؤه في الشارع المسيحي إلى حسم موقفهم بالإعلان عن لائحة ائتلافية. وأين يقف فرعون من هذا الخيار وهل سيكون له رأي آخر في الوقوف في منتصف الطريق أي على الحياد. وتسأل المصادر البيروتية ما إذا كان عون و«القوات» يتعاملان مع الائتلاف البلدي على أنه محطة يريدان منها الحصول على حصة تفوق حصة الآخرين، كما تسأل من المستفيد من تعثر المفاوضات وتمديدها يوماً بعد آخر ومدى صحة ما يشاع عن أنهما يرفضان أن يكون لـ «المستقبل» رأي في المرشحين المسيحيين وأيضاً حول ما يقال في «الكواليس» من أن هناك من يمارس سياسة الابتزاز من أجل خفض حجم المشاركة السنية في الانتخابات وبالتالي للتقليل من دور الحريري في حماية المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، في صناديق الاقتراع. لوائح جديدة على الطريق على صعيد اللوائح الأخرى في بيروت، وفي ضوء الإعلان عن لائحة «بيروت مدينتي» من مجموعة من الناشطين في المجتمع المدني، فإن «حركة الشعب» برئاسة النائب السابق نجاح واكيم تستعد لتشكيل لائحة لكن لم يعرف إذا كانت ستضم الوزير السابق شربل نحاس الذي كان أعلن أنه سيخوض الانتخابات بالتعاون مع غادة عبدالله اليافي. وفي المقابل، تردّد أن جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) تدرس خوض المعركة كما خاضتها في السابق لأنها ليست في وارد إخلاء الساحة للآخرين وقد تتوصل إلى تشكيل لائحة غير مكتملة مع أنها تولي أهمية للمجالس الاختيارية. وبالنسبة إلى «حزب الله»، لم يقرر حتى الساعة تشغيل محركاته تحضيراً لخوض هذه المعركة، ونشاطه يقتصر على دعم عدد من المختارين، خصوصاً إن اللائحة الائتلافية لم تضم أي مرشح ينتمي إليه أو تربطه به علاقة سياسة. لكن تركيز «حزب الله» على المخاتير لا يعني أنه سيطلب من محازبيه وأنصاره التصويت للائحة المدعومة منه، لأن لديه حلفاء أمثال واكيم ونحاس إضافة إلى حركة «أمل» التي لها مرشح على اللائحة المدعومة من الحريري ولاحقاً مرشح «التيار الوطني» في حال انضم إلى الائتلاف. فهل يبادر «حزب الله» إلى انتقاء لائحة بأسماء عدد من المرشحين للبلدية يطلب من محازبيه التصويت لها أم أن سيكون له قرار آخر لا يبدو أنه ظهر للعيان حتى الساعة؟
مشاركة :