ثمة ارتباط وثيق بين الجلسات الكاملة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والإصلاح، وقد حظيت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني التي عقدت في شهر يوليو عام 2024 باهتمام كبير من العلماء ورجال الأعمال والسياسيين في داخل البلاد وخارجها. إن هذه الجلسة، كحدث مهم يحظى باهتمام عالمي، تتيح للعالم الخارجي فهم اتجاه الإصلاح الصيني وتدابيره وآفاق التنمية الاقتصادية الصينية في المستقبل، ولها أهمية كبيرة لعملية التنمية الاقتصادية في الصين وحتى للاقتصاد العالمي. خلفية عقد الجلسة كانت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشر للحزب الشيوعي الصيني التي عقدت عام 1978 نقطة تحول تاريخية ذات أهمية كبيرة منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، فقد دشنت رحلة جديدة للإصلاح والانفتاح والتحديث الاشتراكي، ولها مغزى غني عن البيان. ومنذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، واصلت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وفي القلب منها الرفيق شي جين بينغ، تشديد قوة الإصلاح وتسريع وتيرته، ولخصت بشكل علمي التجارب التاريخية، وطرحت بشكل خلاق سلسلة من الأفكار والاستنتاجات الجديدة، مشيرة إلى اتجاه تعميق الإصلاح بشكل شامل. واعتمدت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشر للحزب الشيوعي الصيني "قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن بعض القضايا الرئيسية المتعلقة بتعميق الإصلاح بشكل شامل"، واعتمدت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية التاسعة عشر للحزب الشيوعي الصيني "قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن تعميق إصلاح أجهزة الحزب والدولة"، وكان لكليهما تأثير إيجابي وبعيد المدى على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للصين. في الوقت الحاضر، صارت البيئة الخارجية أكثر تعقيدا وتقلبا، مع زيادة عدم اليقين. وفي ظل عدم التغلب على خطر التضخم المرتفع، من الصعب تغيير اتجاه ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض النمو الاقتصادي في الدول الغربية المتقدمة في فترة زمنية قصيرة، وقد اشتدت التناقضات الداخلية وأدت إلى التصاعد المستمر للحمائية. فقد فرضت دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تعريفات جمركية على بعض السلع المنتجة في الصين بذريعة حماية مصالحهما الخاصة، ولكن ثبت أن هذه التدابير لم تجد نفعا لتعزيز اقتصاداتها، بل فاقمت التضخم وزادت العجز المالي بل وخفضت مستويات معيشة معظم سكانها. بالنسبة لغالبية البلدان النامية، أدت السياسات الأمنية التي تنتهجها الدول الغربية إلى مجموعة معقدة من النزاعات الجيوسياسية. فقد أضرت الأزمة الأوكرانية والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بالسلام العالمي، وبات النظام الدولي الذي أنشأته الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية يواجه تحديات كبيرة، وفقد ما يسمى بنموذج التنمية الغربي جاذبيته، وصارت هناك رغبة عامة في إيجاد حلول جديدة استلهاما من تجربة التنمية الصينية. بعد عقود من التنمية السريعة، بدأ بزوغ التأثيرات المترتبة على الإصلاح الهيكلي لجانب العرض والتحويل والارتقاء للمؤسسات الصينية، وبدأ تحول الاقتصاد الصيني من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التنمية العالية الجودة. طبعا، لن يتحقق هذا التحول بين عشية وضحاها، وحتما ستكون الفترة الانتقالية مترعة بتحديات مشتركة لكل البلدان، وسيكون التغلب على تلك التحديات ذا أهمية عالمية. حدد التقرير المقدم للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، أن تحقق الصين التحديث الاشتراكي بشكل أساسي بحلول عام 2035. وفي الوقت نفسه، أشار التقرير المقدم للمؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني أيضا إلى أن التناقض الاجتماعي الرئيسي في الصين قد تحول إلى تناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة والتنمية غير المتوازنة وغير الكافية. ومن هنا يلاحظ أنه في مواجهة التغيرات الكبرى التي لم نشهدها منذ قرن، ركزت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني على الأفكار والإستراتيجيات والتدابير الأساسية لتحقيق التحديث الصيني النمط بعد دخول العصر الجديد، وطرحت حلولا شاملة للمشكلات المتراكمة في السنوات الماضية، على أساس تلخيص تجارب التنمية السابقة. تسريع تشكيل قوى منتجة حديثة النوعية تعميق إصلاح نظام وآلية البحث العلمي وتسريع تشكيل قوى منتجة حديثة النوعية، أحد محاور الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني. وقد اقترح الأمين العام شي جين بينغ تعميق الإصلاح الهيكلي لجانب العرض، وتحسين مرونة وأمن سلاسل الصناعة والتوريد، وتسريع بناء الصين لتتحول إلى دولة قوية في التصنيع والجودة وشبكة الإنترنت، وصولا إلى بناء الصين الرقمية. وعلى وجه التحديد، يهدف إلى تعزيز التحول والارتقاء بالصناعات التقليدية من خلال الابتكار التكنولوجي والتحديث الصناعي، وتنمية الصناعات الناشئة، وتعزيز مكانة الصين في سلسلة القيمة العالمية. في السنوات الأخيرة، بدا تدهور البيئة الخارجية للبحث العلمي والتطوير في الصين، وزادت بعض الدول الضغط على شركات العلوم والتكنولوجيا الصينية بذريعة ما يسمى بـ"الأمن الوطني"، وحاولت بناء ما يسمى بـ"الفناء الصغير والسياج العالي" لإبطاء تطوير الصناعة الصينية، مما يقوض بشكل خطير بيئة التعاون العلمي والتكنولوجي الدولي وأمن سلسلة التوريد. فقط من خلال الإمساك في أيدينا بالتكنولوجيا الأساسية، يمكن أن تكون لنا المبادرة للتنمية. إن سنوات من التنمية الاقتصادية قد مكنت الصين من بناء أساس مادي متين نسبيا، كما رفعت قدرات البحث العلمي كما ونوعا للعاملين في المجال العلمي والتكنولوجي بشكل كبير. وقد أشار الأمين العام شي جين بينغ في الدورة العشرين للجمعية العامة لأعضاء الأكاديمية الصينية للعلوم، إلى ضرورة "تعزيز البحوث العلمية والتكنولوجية الأصلية والرائدة، والفوز بحزم في معركة التقنيات الجوهرية الرئيسية." في عام 2023، قفز ترتيب الصين في مؤشر الابتكار العالمي إلى المرتبة الثانية عشرة، ولم يعد اختراق التقنيات الرئيسية التي تعد "عنق الزجاجة" في بعض المجالات بعيدة المنال. واتخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني العديد من الترتيبات الرئيسية لتسريع تطوير قوى منتجة حديثة النوعية. في الوقت الحاضر، لا تزال هناك بعض نقاط الألم والعوائق في إعداد الأكفاء، والاستفادة الكاملة من النظام الجديد لتعبئة كل الموارد الوطنية، وتحويل الإنجازات البحثية إلى إنجازات عملية. من أجل تحقيق هذه الغاية، ليس من الضروري فقط تسريع إصلاح نظام وآلية الأكفاء العلميين والتقنيين، وتحسين تخصيص موارد الابتكار، وإنما لابد أيضا من إدخال سلسلة من تدابير الإصلاح الداعمة لرفع حماسة الأكفاء العلميين والتقنيين في البحث العلمي وإفساح المجال كاملا للابتكار الذاتي للمؤسسات. منع المخاطر الجسيمة وتسويتها في حين حقق الاقتصاد الصيني إنجازات عظيمة، ظهرت أيضا بعض المشكلات العالقة. وقد شدد الأمين العام شي جين بينغ غير مرة، على أنه من الضروري الاستعداد للخطر في أوقات السلام، والتمسك بتفكير الخط الأدنى، ومنع نشوء مخاطر نظامية. وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم العديد من عناصر عدم اليقين، من الضروري تعزيز الوعي بالمشقات، واتخاذ الاحتياطات اللازمة، وتعزيز البحث والتوقع للأوضاع المستقبلية، وحل المشكلات الحالية في المجال الاقتصادي بشكل مناسب، وذلك لمواصلة السير في طريق التحديث. أولا وقبل كل شيء، يجب تسريع بناء نموذج تنمية جديد لقطاع العقارات. التطور السريع للعقارات أدى إلى تحسين الظروف المعيشية للناس بشكل كبير، وأدى إلى تنمية قوية للعديد من القطاعات. ومع ذلك، فإن نموذج التطوير الواسع لبعض الشركات العقارية غير مستدام، مع ضغوط الديون المفرطة، ومشكلات السيولة، وارتفاع معدلات المساكن الشاغرة ودورة مبيعات المساكن التجارية الطويلة نسبيا في بعض المناطق. لقد أصبح من الأولويات القصوى تسريع بناء نموذج جديد للتطوير العقاري. مع تسارع عملية التكيف والإصلاح الهيكلي الاقتصادي في الصين، سيتم تقديم المزيد من السياسات التفصيلية لتعزيز التنمية المطردة للعقارات، من ناحية، يتعين أن يواصل قطاع العقارات لعب دور في تحفيز التنمية الاقتصادية، ومن ناحية أخرى، تقليل مخاطره، ومضاعفة مساهمته في الاستقرار الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري تخفيف عبء الديون المحلية وحل المخاطر المالية والضريبية. تبنت الصين سلسلة من الإجراءات لتخفيف مخاطر الديون المحلية ووضعت متطلبات صارمة للحكومات المحلية للتقشف في إنفاقها. ومن المتوقع إجراء جولة جديدة من إصلاح النظام المالي والضريبي لتحقيق التوازن في العلاقة بين إيرادات ونفقات الحكومات المحلية في المستقبل، وفي الوقت نفسه الإسراع في إصلاح نظام الاستثمار والتمويل في الحكومات المحلية، وإفساح المجال كاملا للدور الإيجابي للدين المحلي، وتعزيز التنمية الصحية للاقتصاد الوطني. حياة أفضل للشعب أحد محاور هذه الجلسة، هو جعل الشعب يستفيد من ثمار الإصلاح، وتحسين شعور الشعب بالكسب والسعادة والأمن بشكل فعال، وتسريع تحقيق الرخاء المشترك. لقد أثبت التاريخ منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية أن الحزب الشيوعي الصيني هو حزب سياسي يجيد دراسة وتلخيص وحل المشكلات الصعبة، والسبب الأساسي لذلك هو أن الحزب الشيوعي الصيني يضع دائما مصالح الشعب في المقام الأول. وقد قال الأمين العام شي جين بينغ: "إن حزبنا نشأ من الشعب وتعمقت جذوره وسط الشعب ويخدم الشعب، وأساس الحزب في الشعب، وصلة رحمه في الشعب، وقوته في الشعب." وشدد الأمين العام شي جين بينغ على أنه "في التحليل الأخير، نتمسك بالإصلاح ونعزز التنمية، حتى يتمكن الشعب من العيش حياة أفضل". إن تحسين الحماية الاجتماعية هو السبيل الرئيسي لجعل ثمار الإصلاح متاحة للجميع. في الوقت الحاضر، تمر الصين بتغيرات ديموغرافية عميقة، تنعكس بشكل رئيسي في انخفاض معدل المواليد وزيادة الشيخوخة، وقد بات تعميق إصلاح الضمان الاجتماعي أمرا ملحا. وعلى وجه التحديد، من حيث التعليم، ينبغي تعزيز الإنصاف والجودة في التعليم؛ وفيما يتعلق بالرعاية الطبية، سنسرع في إصلاح النظام الطبي والصحي ونحسن مستوى الخدمات الطبية. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يؤدي رفع مستوى الضمان الاجتماعي إلى تحسين ثقة المستهلكين بنا إلى حد كبير، وهو ما يفضي إلى تنمية أكثر توازنا للتداول الداخلي والخارجي في الصين. وفي الوقت نفسه، يمكن أيضا تحفيز حماسة الناس لريادة الأعمال والبحث العلمي، وتحويل المزايا السكانية الكمية في الصين إلى مزايا نوعية في أقرب وقت ممكن، من أجل إرساء أساس فكري متين للتنمية الاقتصادية العالية الجودة. خلاصة القول، إن الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني ليست فقط ملخصا لتجارب التنمية السابقة، وإنما أيضا خطة شاملة لاتجاه التنمية المستقبلية، وتضخ قوة دفع جديدة في التنمية الاقتصادية العالية الجودة، وتوفر للعالم المزيد من الحكمة الصينية والحلول الصينية.
مشاركة :