حين كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشارك بيده في تركيب القطعة الأخيرة في الجسر المعلق الذي يصل بين شطري أسطنبول الأوروبي والآسيوي، كان الرئيس الأسبق عبدالله غول يسلم الكرة بقدمه إلى مجموعة كبيرة من الأطفال والشباب تحلقوا حوله أثناء افتتاح ملعب فودافون أرينا نباوي بشكتاش في قلب العاصمة. وكان رئيس الوزراء داود أغلو يجلس بين كل من المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ورئيس البرلمان الأوروبي دونالد تاسك الذي وقف يقول: إن أوغلو «زعيم» تركي مثالي! هكذا وصفه رئيس برلمان أوروبا مؤكدًا بطريقة غير مباشرة إن تركيا ليست أردوغان وحده! إنها منظومة متكاملة. مضى أوغلو بعدها ليفتتح «مركز الفرح» لدعم الأطفال اللاجئين، واضعًا طرف السبابة على رأس طفل سوري، وآخر تركي أصبح جاره الجديد ناشرًا أو راسمًا في وجه ميركل تعابير أمومة جميلة لأطفال العالم. والحق عندي أن يد أردوغان على الجسر المعلق وقدم جول في الملعب الجديد وسبابة أوغلو على رأس طفل أشاعت في النفس شرارة الأمل وجمال الانتماء، للأمة كلها.. بهجة عميقة بالحياة وبالقوة القادرة على مغالبة الظروف وتقلبات المواقف والأيام! لقد كان أردوغان يضع حجرًا ليس في الجسر المعلق وإنما في البناء التركي الشامخ، فيما كان سلفه يمرر الكرة للأجيال القادمة علها تنطلق نحو مزيد من العمل والإبداع والبناء. هكذا تكون الدول، وتُبنى الدول وتعلو الدول.. فتركيا ليست أردوغان وحده وإنما منظومة متكاملة تُبنى وتعلّى فيرتفع البناء متحدثًا عن نفسه ليس في الأمة الإسلامية التي مازال بعضها ينظر بريبة وإنما في أوروبا التي عبرت وتعبر كل يوم عن انبهارها بالتجربة. هكذا تكون الدول القوية والحكومات الفتية التي تبني جسورًا معلقة لكنها مثبتة في الأرض وتشهد عليها السماء.. وفرق كبير بين دول كهذه وأخرى تبني أحلامًا في الهواء. ويخطئ من يظن أن فريقًا أو شريحة واحدة من شرائح المجتمع التركي هي التي بنت وتبني الآن.. وبعبارة أخرى أكثر وضوحًا وصراحة فإن الإسلاميين هناك ليسوا وحدهم.. فالكل يشارك والكل ينافس والكل يتسابق للوصول إلى المجد.. وعلى قدر العمل والكفاح وصلابة الموقف والإرادة تكون القدرة على انتزاع الحب، فإن لم يكن، فعلى الأقل الاحترام. وحدها الدول الفتية الوثابة هي التي تسمح ساحاتها بقيادات متعددة، بأجنحة طيران وتحليق متعددة لا جناح واحد. sherif.kandil@al-madina.com
مشاركة :