الإهـــداء: إلى الدكتور الشاعر سامي غتار الثقفي ومنتداه الثقافي – تحية وتقديراً, مدخل وتمهيد: .. وذات مساء مكي، أهداني الشاعر الدكتور سامي بن غتار الثقفي، كتابه الجديد الموسوم بـ(لطائف من قوافي الطائف) موقعاً منه بتاريخ 25/8/1445هـ. وتمر الأيام وأنا أمني النفس بمطالعة الكتاب وما فيه من نفائس شعرية معاصرة عن طائفنا المأنوس الذي قلت فيه: يا طائفي المأنوس عذراً إنني إن كنت في أرض العروس إقامة يا طائفي المأنوس هاك تحيتي فيك المتيم صادق الإيمان فعلى رباك نشأت في تحنان والعذر ألفاً إن قلاك لساني ومنذ الحادي عشر من رمضان عام 1445هـ، وأنا أتفاعل قرائياً مع هذا الشعر، والمدونة المعاصرة، فوجدتني مشدوداً للقراءة والاستمتاع والمحايثة مع تلك النصوص الشعرية، وأسجل حولها ملاحظاتي وانطباعاتي النقدية. ثم بدأت الاستعداد والتجهيز لهذه الكتابة النقدية ولكن المشاغل الحياتية أبعدتني عنها حتى بداية هذا العام الجديد وتحديداً في يوم الخميس 4/1/1446هـ، حيث تفرغت نفسياً ومعرفياً للتواصل النقدي مع بعض ما جاء في هذا الكتاب/ المدونة/ السفر/ الشعري، فكانت هذه التجليات والمقاربات. * * * (1) بين الورد، والرمان، وقصر شبرا/ من معالم وملامح الطائف الحضارية والسياحية والزراعية، تطالعك صفحة العنوان الرئيسة لهذا الكتاب الشعري، الماتع/ فكرة وإعداداً، وجمعاً وإصداراً، يليق بصاحب المنتدى الذي بادر واستكتب وأنجز مشروعه الفكري/ الرائد كتاباً يضم قصائد معاصرة عن الطائف وأسماه: (لطائف من قوافي الطائف) وذلك مشاركة منه بمناسبة اختيار الطائف عاصمة للشعر العربي عام 2022م. إنه الدكتور/ الشاعر/ المثقف/ سامي غتار الثقفي الذي أصدر هذا الكتاب عام 1445هـ/2023م عن نادي الطائف الأدبي، ودار يسطرون للنشر. * * * (2) لقد ضمَّ هذا السِّفر الشعري (ثمان ومئة) قصيدة لـ(ثمانية ومئة) شاعرٍ، من أغلب مناطق وأقاليم المملكة العربية السعودية، ومن بعض البلدان العربية/ اليمن، الجزائر، مصر. وبذلك فهو منجز شعري عربيٌّ يتغنى بالطائف جمالاً، وتاريخاً، حضارة وجغرافيا، مكاناً وإنساناً. في قواف، ومقاطع شعرية تتراوح بين الخليلي/ الموزون المقفى، والتفعيلة، والموشح، والمسطور/ المنثور/ الحرُّ والمختلط ما بين الشعري والسطري!! وكلها من مدارس الشعر وآلياته وتجلياته في المدونة الشعرية العربية. * * * (3) ولأن المنشور، يُعْجِزُ الناقد والقارئ عن الوقفات المفردة لكل نصٍّ وقصيدة. فسأكتفي بمراودة بعض المنشور من باب “يكفي بالقلادة ما أحاط بالعنق” – كما يقول المثل -. 3/1 – ولعل أول قصيدة نتداخل معها – نقدياً – القصيدة الواردة على الصفحات 10-21، وهي للشاعر الدكتور أحمد سيد نبوي من القاهرة، ويمكن قراءيتها عبر أنموذجين: الأولى: القراءة الشطرية/ العمودية/ المقفاة والثانية: القراءة السطرية/ المنثورة/ البصرية ويجمع بين هاتين القرائتين (البحر الشعري) الذي بُنِيَتْ عليه القصيدة/ النص وهو بحر الكامل، بتفاعيله الكاملة، ومجزوء الكامل بزحافاته وعلله المعروفة عروضياً. وتستوقفك القافية (الفائية) المموسقة شعرياً مع كلمة الطائف (جازف، واقف، وارف، شارف، آلف، راجف، عاكف، آسف، نازف). كما تستوقفك المعاني الجمالية الموحية بتميز هذه المدينة الساحرة فإنك في (الشفا) حيث الخضرة والنسيم والأفكار وأنت في (الهدا) حيث الورود، والغيوم والأزهار. وكل هذه توحي بالأنس والأشواق والأماني العِذَاب، وزوال الهموم، والإلهام الشعري والحب الدافق. كما يستوقفك ذلك التعريف المبدع لهذه المدينة الحالمة والمكان/ الرمز فهو (أبو العشاق): ” إيه أبا العشاق يا بر الهوى يا حب يا طواف يا شارف “ وهنا تتجلى الجمالية البصرية في كتابة هذا المقطع الشعري وما تبصره العين القارئة من فراغات الصفحة الدالة على الحالة النفسية للشاعر وقت كتابة القصيدة/ النص، فهو مسكون بالعشق والوحدة والهموم، كونه متغرب عن وطنه وأهله.. وهاهو يستعيد هذه الحالة وتوازناتها فلي الطائف: يقول الشاعر: ” يا طائف الأزهار طاب مقامكم مهوى القلوب وظلكم وارف يا ملهم الشعراء كيف عهودكم؟! فاض الحنين وحبكم جارف “ 3/2 – والنَّص الثاني الذي اجتباه النقد.. واختارته المقاربة الناقدة بالصدفة ودون معايير اختيارية، هو الموسوم بـ/ عروس المصائف للشاعرة حنان غرم الله الغامدي، والتي أسميها (بنت الطائف)، وهي شاعرة غير معروفة في المشهد الثقافي السعودي/ الشعري فلم أقرأ لها سابقاً. ولكن هذا النص/ القصيدة يشي بأنها صاحبة تجربة شعرية قوية في مبناها ومعناها، وقوافيها وحروفها، وجماليات اللغة والبناء الشعري، وأرجو أن يكون لها إصدارات شعرية تسعدني بالاطلاع عليها!! يقوم النَّص على استدعاء المكان في جنوسيته الأنثوية عبر صفة (عروس مصايف)، فبدأ النص بكلمة (ولمحتها) ليشعر القارئ أنه أمام كائن أنثوي يتجسد في شخصية (الطائف الشعرية). ثم تبدأ حلقة وصفية لجماليات هذه (العروس): تمشي على استحياء كغادة حسناء الورد منثور على وجناتها رداؤها من روضة غناء النسيم يمر عليها وينثني في مشية خيلاء حيث جمع الزائرين ثم تتساءل الشاعرة المبدعة عن كنه هذه العروس (من تلك؟!) التي احتار الفؤاد في حسنها. فتكون الإجابة (عروس المصائف)!! وتمضي القصيدة/ النَّص في تتبع المعالم والملاح الطايفية (شهار، الردف، الشفا، الحوية، العقيق، النزهة، المثناة، مسرة، الشهداء، شبرا)، وكل ذلك في توليفة إبداعية/ شعرية/ فاتنة حيث تربط بين الأماكن والمعالم في نسيج قولي/ شعري متماسك، لتصل إلى الغاية والهدف: فأجبتها وأنا المُتَيَّمُ باسمها أرض الحضارة والجمال وموئلاً من ذا سيجهل طائف العلياء للعلم والأعلام والأدباء ثم تجيء الخاتمة/ القفلة الشعرية في إبداعية جمالية فيها من التواضع الشعري أمام الجمال الطايفي ما يسلب لب القارئ فتقول: ولئن كسوتك من خمائل أحرفي حللاً مطرزة بزهر ثنائي فلأنت من أهدى الحروف جمالها ولأنت سعدي.. بلسمي.. وشفائي هنا تبدو الجمالية الشعرية حيث البناء التبادلي فالطائف/ المكان جميل وفاتن وساحر، والشاعرة استشعرت هذا الجمال فتلبست حروفها وشيه وزخارفه وأعادته للطائف قصيدة موزونة مقفاة/ خليلية/ عمودية على البحر الكامل، في أوصاف وصور إبداعية/ جمالية: الكسوة من خمائل الأحرف والحلل مطرزة بزهر الثناء والطائف/ الجميلة هي من أهدت هذا الجمال لتلك الحروف الشعرية!! منتهى الجمال في الصياغة والتصوير والبناء الشعري. * * * 3/3 – والنَّص الثالث الذي جاء قدره للمدارسة والمثاقفة النقدية هو النَّص الموسوم بـ/ الغريب، للشاعر الدكتور سعد الحامدي الثقفي ص ص 76-79. وهو من النصوص الحداثية فيما يسمى بشعر التفعيلة. تقودك النظرة الأولى للنَّص إلى تداعيات نفسية/ ذاتية يتجلى فيها التباسات الكينونة المتشظية بين ثنائية الأنا والآخرين: كأني الغريب.. باب المدينة تفرست كل الوجوه خُطى العابرين رأوني غريباً وثنائية الأنا والمكان: بلد الورد والحبق الطائفي على بابك الطائفي القديم والهدا قابلتني بعطرك.. حضنتني الهدا حينما جن بي الليل غنيت “يا ريم وادي ثقيف” أين من رياحك حين تهب ببرد الهدا يا “عروس الجبال” نحن أمام نص يتجاوز المألوف من سياقات النصوص (المُدُنيَّة) أو (المدينية) على الأقل مما ورد في هذا الكتاب الشعري عن مدينة الطائف، حيث يتنامى هذا النَّص مع خلفية (سكونية/ ثبات) في المواقف: مواقف الذات/ الغريب، ومواقف المدينة/ الطائف، وداخل هذه الثنائية يتنامى النص في تعالقات بيئية/ بين الغريب الذي يبحث عن ذاته في الآخرين الذين سيلقاهم ويلقى بينهم طائفه (ال) كانت مقصداً للقاء، ذلك الطائف الذي رمز له الشاعر بـ(بابك الطائفي القديم). وكأني بالنَّص/ القصيدة تتمسح ببكائية كامنة في الذات الشاعرة على ماض تقادم، وزمن متغير، وأصدقاء كانوا، ولم يعد لهم وجود. وتظل (الطائف) وبابها القديم حلماً ينتظره الشاعر الغريب في داره، التي تركها منذ أمد، لكن عطرها الوردي – وخاصة من جبل الهدا – يسكنه حد الانبهار: ” لنا شجر لا يشيخ لنا وردة في سفوح الجبال ليس يقطفها غيرنا يا عروس الجبال” ولهذه البكائية الكامنة في الذات الشاعرة دلالات وإيحاءات تعبيرية ينبئ عنها النَّص في سياقاته المختلفة: لم يقل غيره غير ما يدمع العين ما نسيتني حين جئتها باكيا آه من زمن لم يعد لي… تغير هذا الزمان الغريب الذي ظل يبكي الزمان القديم نعم.. نحن أمام نص باذخ. نصٍّ غير تقليدي/ عمودي. نصَّ متفرد/ حداثي/ تفعيلي يقودك لقراءات متعددة، وهذه إحداها ولعلها تكون محايثة لقصدية الشاعر، وإيحاءات القصيدة/ النَّص وفضاءاتها التأويلية. * * * 3/4 – وآخر الوقفات النقد/ شعرية مع النصوص الثلاثة التي جاءت على طريقة (الموشح) وهو جنس شعري حديث استنبت في الفترة الأندلسية وفيه لون جديد من النظم لنتعدد فيها القوافي، ويتجدد فيها البحر الوزني على نظام معين، قَعَّدَهُ أهل الموشحات ونقاد هذه المدرسة الشعرية، مع التركيز على الموسيقى الداخلية يخرج فيه الشاعر على وحدتي الوزن والقافية ويوظف بعض الألفاظ العاميَّة ويهتم بالتناغم بين الإيقاع الموسيقي والألفاظ والتراكيب الشعرية. ونتيجة لجماليات الألفاظ وعذوبتها وأناقتها، أطلقوا عليها (الموشح) نسبة إلى ذلك الرداء الموشى بالزخارف والجواهر تزييناً وتزويقاً. وأول هذه الموشحات (الطايفية) قصيدة الشاعر الدكتور أحمد الهلالي ص22 بعنوان (ورد الهدا)، والثانية قصيدة الشاعر الدكتور سامي الثقفي ص75 بعنوان (موشحة الورد)، والثالثة قصيدة الشاعرة الدكتورة مستورة العرابي ص176 بعنوان (سيرة الورد). كل هذه القصائد الموشحة الثلاثة تتخذ من رمزية (الورد) متكئاً/ ثيمة نصية، وأيقونة شعرية، كما تتوحد في الإطار والشكل العام للموشح حيث تتكون كل قصيدة/ موشحة من أركان الموشح وأجزائه الأربعة والمعروفة (المطلع، الدور، القفل، الخرجة) وكأني بالشعراء الثلاثة قد عقدوا ورشة عمل مشتركة لكتابة نصٍّ موشحي عن الطائف، فكانت هذه القصائد/ الموشحات التي تفضي واحدتها إلى الأُخْريتين في غير ما تمايز أو اختلاف. ونلحظ في موشح الدكتور أحمد الهلالي إيراد (الخرجة)، وهي آخر شطر في القصيدة باللهجة المحكية وتمييزها بقوسين معكوفين: (السِّما وِردِي.. وحبك مَنْهِلِي)، وهذه الآلية إحدى سمات فن الموشح الأندلسي!! بينما الموشحين الآخرين ظلاَّ على المفردات الفصيحة ولم يوظفا شيئاً من النصوص أو المفردات العاميَّة/ الشعبية!! * * * (4) خاتمــة: وهكذا تفاعلنا – نقدياً – مع جملة من النصوص الشعرية في هذا السِّفر الشعري المعاصر الذي جسد المكانة الشعرية للطائف، وأبان شخصيتها وأبعادها الشاعرية والجمالية. واللافت للنظر ذلك التنوع الشعري الذي حظيت به هذه المدونة من الشعر العمودي/ الموزون المقفى/ الخليلي، وشعر التفعيلة، والقصيدة الموشحة، والتي تناولت الطائف ومكوناته البيئية والسياحية والزراعية والثقافية والأدبية. وإن كانت القصيدة الموزونة المقفاة هي المسيطرة عددياً، فهذا مما يطمئن القارئ والناقد أن القصيدة العمودية هي سيدة المشهد الشعري، وأن الشعر لازال ديوان العرب، فكثير من الأسماء المشاركة على قدر من الشعرية والجمال اللغوي والسَّبك الشاعري والبلاغة التعبيرية. وقد اجتهد صاحب المبادرة الدكتور سامي غتار الثقفي ومنتداه الثقافي أن يقدم هذه المدونة الشعرية المعاصرة عن الطائف/ المدينة، وجمالياتها بيئة وإنساناً ومكاناً لتضاف إلى كثير من المدونات الشعرية التي حظي بها الطائف مثل: – الشوق الطائف حول قطر الطائف الأستاذ حماد السالمي 1420هـ/1999م. – شخصية الطائف الشعرية الدكتور عالي القرشي، ط1، 1421هـ/2000م، ط2، 1437هـ/2016م. – أبعاد الطائف الشعرية الأستاذ قليل الثبيتي 1437هـ/2016م. والمبادرة – في حد ذاتها – عمل إبداعي من رجل أخلص للشعر وفضاءاته، وأخلص للثقافة وتجلياتها، وأخلص للطائف تاريخاً وحضارة، إنساناً ومكانة. إسهاماً منه في المناسبة العالمية لاختيار الطائف عاصمة للشعر العربي عام 2022م. وهذا يستدعي تقديم الشكر والثناء لهذه المبادرة القيمة، والشكر الجزيل لفريق العمل ولجنة الإعداد والمتابعة، ولجنة التحكيم التي قامت بتقييم النصوص والقصائد نقدياً واختيار الأصلح والأنسب لهذه المدنة الشعرية المعاصرة. والشكر أخيراً لنادي الطائف الأدبي الذي أسهم بطباعة هذا الكتاب ونشره وتوزيعه. والحمد لله رب العالمين.
مشاركة :