أكد عدد من خبراء الرعاية الصحية أن الذكاء الاصطناعي أصبح يشكل ملامح الخدمات الصحية المستقبلية، حيث ساهمت أدواته وتقنياته الحديثة في التنبؤ المسبق بأهم الأمراض المزمنة والمعقدة، فضلاً عن طرح الحلول المناسبة في التشخيص والعلاجات والأدوية المقدمة للمرضى، وغيرها من الجوانب. وذكروا أن الذكاء الاصطناعي الذي بدأت المنشآت الطبية في دولة الإمارات الاعتماد عليه في مختلف جوانب الرعاية الصحية، ساهم في مضاعفة مستوى الخدمات، بما يضمن تحسين نمط الحياة وجودة الخدمات العلاجية المقدمة للمرضى، والتعرف على أهم احتياجاتهم، والتركيز على الصحة أكثر من العلاج. الطب الدقيق وقال الدكتور أنس الشرمان، اختصاصي طب الأطفال وحديثي الولادة في مدينة الشيخ شخبوط الطبية: تحرص دولة الإمارات على دعم القطاع الصحي، والتركيز على أهم المبادرات في منظومة الرعاية الصحية المستقبلية من ضمنها تعزيز أدوات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية المتخصصة للمريض الواحد، والقصد منها التركيز على مفهوم الطب الدقيق، حيث كان في السابق تعطي أدوية محددة إلى المرضى كافة، أما اليوم فيتم دراسة كل مريض على حدة، وذلك من خلال مشاريع منها، الجينات وفحصها والمؤشرات الحيوية، حيث يتم توفير العلاجات المناسبة للمريض بخلاف الآخر، بما يتلاءم معه، يتبعها الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة الحيوية منها الأجهزة والمعدات، والبرامج التي تساهم في تطوير القطاع الصحي، حتى أصبحت الإمارات رائده في المجال الرعاية الصحية، وهي دائماً ما تكون ضمن المستويات الطبية العالية حول العالم. وأشار إلى أنه بالنسبة لتخصصه في مجال رعاية الأطفال: لدينا في المدينة وحدة العناية الحديثة للأطفال الخدج من أحدث الوحدات في العالم مجهزة بتقنيات للرعاية الصحية بناء على المعلومات المتوفرة والأبحاث الطبية والجينية للمرَضى، وتحتوي أجهزة تنفس معقدة، وحاضنات تتعامل مع الجو وتكنولوجيا عالية لتوظيفها والمتضمنة على 26 سريرا، ومنصة لعمل استشارات طبية مع العالم لتوفير أفضل العلاجات لفئة محددة من الأطفال حديثي الولادة، وتلك الوحدة لها القدرة على استيعاب الأطفال منذ عمر 22 أسبوعاً لتوفير علاجات لهذه الفئة العمرية التي لا تتعدى أوزانهم 500 جرام. التشخيص المبكر وأكدت الدكتورة مي الجابر، المديرة التنفيذية بالإنابة في مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري أن قطاع الرعاية الصحية يشهد تغيراً محورياً في النظام الصحي، وهو نظام يدعو إلى الشراكات الاستراتيجية بين قيادات الرعاية الصحية وصناع القرار والخبراء والباحثين العالميين، كما يدعم التنافس والابتكار للنهوض بالقطاع الحيوي المهم، وخلال الفترة القادمة لن يكون هناك مجال للطب التقليدي، وإنما إقبال واعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتشخيص والعلاج. وذكرت أن الذكاء الاصطناعي مما لاشك فيه أصبح ركيزة أساسية لمنظومة القطاع الصحي المستقبلي عبر قواعد البيانات الضخمة الموجودة يستطيع التشخيص المبكر للملايين من الأمراض والأعراض، وبالتالي يساعد الأطباء على تحديد وتشخيص مختلف الأمراض بدقة أكبر وتحسين فرص العلاج، حيث بدأت العديد من المنشآت الطبية الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي منها على سبيل المثال تحليل الصور الطبية بدقة عالية في الأشعة السينية والرنين المغناطيسي، وقريباً من خلال مركز إمبريال سيتم توفير فحص مسح شبكية العين بالذكاء الاصطناعي للكشف عن العلامات المبكرة لأعراض العيون، ومنها اعتلال الشبكية، وهذا يتيح الفرصة إلى التدخل في الوقت المناسب والحماية من فقدان البصر، ونحن بصدد الاطلاع على المزيد من حلول الذكاء الاصطناعي من أجل توفيرها، وتقديم أفضل مستوى من الرعاية الصحية. الكشف السريع للأورام أكد الدكتور أبراهيم أبوغيدا، رئيس قسم علاج الأورام بالإشعاع والمدير الطبي بمدينة برجيل الطبية، أن الابتكار والأبحاث والتقنيات الحديثة باتت ترسم ملامح الرعاية الصحية في دولة الإمارات، وتجعلها في مصاف الدول العالمية المتقدمة طبياً، بحيث أصبحت الدولة تستقطب المرضى من مختلف الدول الراغبين بالحصول على العلاجات، ما يدعم رؤيتها في السياحة العلاجية. وأضاف: على الصعيد المحلي، فإن توفيرالتكنولوجيا المتقدمة مع الخبرات الطبية العالمية عزز ثقة المرضى في النظام الصحي بالدولة بشكل كبير مقارنة بالسابق، وبحسب المؤشرات التي باتت جليه لجميع العاملين في القطاع الطبي، فإن هذا التطور ساهم في تقليل الحاجة للسفر والاغتراب من أجل الحصول على العلاج. وقال: إن الذكاء الاصطناعي ساهم في تغيير الرعاية الصحية، على سبيل المثال في مجال علاج السرطان والأورام الإشعاعي، نعتمد على الذكاء الاصطناعي كثيراً في العلاج الإشعاعي للأورام في عملية التحضير ووضع خطة علاج المريض، وأصبحنا نستخدم تقنية متقدمة لتبسيط علاجات الأورام بالإشعاع الدقيق وهي تقنية (برين لاب)، وتعمل على توجيه الإشعاع المتخصص والمركز لمرضى سرطان الدماغ، وتتميز بالوضع التجسيمي (التصوير ثلاثي الأبعاد) الذي يتميزبالدقة وتركيز جرعات الإشعاع العالية للمنطقة المصابة مع الحد الأدنى من التأثير على الأنسجة السليمة المحيطة، بما يتماشى مع المعايير الدولية التي يتم تطبيقها في أفضل مراكز علاج الأورام بالإشعاع حول العالم. وتابع:«فيما تمكن تقنية الإشعاع (سافي سكاوت) الجراح من العثور بدقة على الأنسجة المصابة وإزالتها مما يؤدي إلى نتائج أفضل، وتخلق الكاميرا الحرارية رباعية الأبعاد تصويراً عالي الدقة باستخدام أسطح حرارية هجينة موثوقة من خلال ربط توقيع حرارة المريض بهيكل سطحه ثلاثي الأبعاد المعاد بناؤه، كما نستخدم تقنية متقدمة مثل(دايناميك اكزاك تراك) لتبسيط علاجات الأورام بالإشعاع الدقيقة، ونقدم ضمن علاجات الإشعاع المتقدمة العلاج بالتصوير الحجمي المتقدم (VMAT) والعلاج بالإشعاع بالتحكم في الكثافة (IMRT)، وكلاهما يهدف إلى استهداف خلايا السرطان مع الحفاظ على الأنسجة السليمة المحيطة، يتم تعزيز التزامنا بسلامة المرضى بشكل أكبر بوجود الجهاز المنسق للتنفس النشط، مما يضمن التكامل بين الحصول على الإشعاع وتنفس المريض، وبالتالي يقلل التعرض السلبي للأعضاء الحيوية، وكل هذه العلاجات الذكية التي تتوفرلمرضى السرطان فعّالة ومصممة خصيصاً لاحتياجات كل مريض، لنمنحهم أفضل نتائج ممكنة». روبوتات طفيفة التوغل وتطرق الدكتور علي أيوب، استشاري ورئيس قسم جراحة الجهاز الهضمي في مدينة برجيل الطبية إلى مايشهده القطاع الصحي في العالم من تطور في توظيف التكنولوجيا المتقدمة لرسم مستقبل مشرق للبشرية، قائلا: كأطباء أصبحنا لا نركز فقط على أن يتم شفاء المرضى، ولكن نسعى التقليل من المضاعفات وتسريع عملية التعافي حتى يتمكنوا من العودة إلى حياتهم اليومية في أسرع وقت، ويعود الفضل في ذلك إلى توظيف التقنيات الحديثة لخدمة المرضى، وضمان راحتهم، وحياة خالية من الآلام أو المضاعفات لهم. وأضاف: ومن هذه التقنيات الحديثة التي أثبتت كفاءتها في مجالات جراحية متعددة، كجراحات الجهاز الهضمي والدماغ والجراحات النسائية والأورام المختلفة، ومن هذه التقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي إلى جانب خبرة الطبيب الروبوت دافنشي وهو روبوت جراحي مصمم لإجراء عمليات جراحية طفيفة التوغل بأقل قدر من الألم والتعافي السريع وتسمى جراحة طفيفة التوغل (MIS)، يتمتع بخفة حركة أكبر ونطاق حركة أكبر من البشر، حيث يعمل مساعدة الجراحين في الجراحة بكفاءة الوصول إلى المواقع الصعبة والمعقدة وتقليل الآثار الجانبية، وألم أقل، وشفاء أسرع. وأوضح أن الأنظمة الروبوتية لا تستطيع التفكير بمفردها أو اتخاذ القرار، ولا يمكنها أن تعمل دون سيطرة الجراح بحكم خبرته واطلاعه الشديد على حالة المريض، لذلك يتحكم الجراح في حركة الذراع الآلية من خلال وحدة التحكم، حيث يستجيب الروبوت الجراحي فقط لحركات يد الجراح وأصابعه، وخلال الجراحة الروبوتية يقوم الجراح بإدارة العملية من مكان قريب، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة والابتكارات الطبية لا يمكنها أن تلغي دور الطبيب على الإطلاق، أو أن تحل مكانه كما أشيع في وقت من الأوقات، لكن الهدف من التكنولوجيا تسخيرها لخدمة الطب ومساعدة الأطباء في تحسين حياة المرضى، وجعل تجربتهم الطبية ناجحة خالية من الألم. التطبيب عن بُعد قالت الدكتورة ليلى عبدالوارث، المديرة التنفيذية للمختبر المرجعي الوطني: توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي يساعدنا في التنبؤات المستقبلية لجوانب الرعاية الصحية، منها على سبيل المثال بوقوع الجائحة والأمراض النادرة والمعقدة التي قد تظهر في المستقبل، وبالتالي قدرته كذلك على طرح الحلول المناسبة والممكنة لمواجهتها، ومع وجود المعلومات الكافية والأجهزة المتطورة سيعمل على تقدم الأدوية والعلاجات المناسبة، والمعلومات الجينية تزيد من ثراء المحتوى الطبي، والتي لم تكن متوفرة في السابق، حيث سنتمكن من خلالها التدخل المسبق، وبذلك سيكون التركيز على الصحة أكثر من العلاج. وتحدثت عن كيفية قيام الذكاء الاصطناعي بتغيير مستقبل الرعاية الصحة قائلة: إن هناك تقدماً واضحاً في مستقبل الرعاية الصحية من خلال ظهور أجهزة حديثة طبية وتقنيات دقيقة وتطبيقات التطبيب عن بُعد خاصة لجيل الشباب الذي يحرص على أهمية الوقت بدلاً من أخذ المواعيد والانتظار إلى حين الذهاب إلى المستشفى، وسيكون هناك تطبيقات حديثة تختصر الوقت والجهد، وتقدم خدمات رعاية طبية عالية المستوى تحرص من خلالها الجهات الطبية على استحداثها. الخوارزمية التنبئية قال الدكتور ستيفن غروبماير، رئيس معهد طب الأورام وأمراض الدم، معهد الأورام في كليفلاند كلينيك أبوظبي: يرتبط مستقبل الابتكار في الرعاية الصحية بشكل كبير بالطب الدقيق. وسيتحقق تقدم كبير عبر التعاون والتكامل بين الذكاء الاصطناعي وعلم الجينوم، مما يتيح تحسين قدرتنا على فهم وتوقع الأمراض التي قد يعاني منها المرضى في المستقبل حيث سيساعدنا ذلك من تعزيز الوقاية من الأمراض وعلاجها بشكل أكثر كفاءة. وذكر أن الذكاء الاصطناعي يعد عنصراً أساسياً في المستقبل، حيث سيسمح لنا بمعالجة كميات كبيرة من المعلومات التي لم نكن قادرين على معالجتها بسرعة كبيرة سابقاً، كما سيسمح بالقيام بأمور مثل النظر في دراسة تصويرية مثل الفحص بالتصوير بالأشعة المقطعية، وتحويل ذلك إلى خوارزمية تنبئية تتوقع المرضى الذين سيستجيبون لعلاج معين، بالإضافة إلى تطوير علاجات جديدة لم تكن متاحة من قبل بشكل أسرع وأكثر دقة من أي وقت مضى ولانزال اليوم في مهد هذه التقنية الثورية، إلا أننا مؤمنون بأن الذكاء الاصطناعي سيكون عنصراً رئيساً في تقدم الرعاية الصحية مستقبلاً.
مشاركة :