وتهاجر آلاف طيور النحام الوردي كل سنة لتعشّش في بحيرة تنسيلت في ولاية أم البواقي (450 كيلومترا شمال شرق الجزائر) التي تعد من كبرى المناطق الرطبة في البلاد بمساحة تفوق 20 كيلومترا مربعا. لكن الجفاف الشديد وارتفاع درجات الحرارة أديا إلى تبخر مياه البحيرة التي تمتلئ بشكل رئيسي من الأمطار، ما جعل طيور النحام البالغة تغادرها نحو مناطق قريبة. وتركت هذه الطيور وراءها بيوضها التي لم تكن قد فقست بعد لتتعفن والفراخ التي لم يكتمل نموها لتصارع الحياة مع نفوق العشرات منها بسبب الجوع والعطش والصيد الجائر وهجمات الذئاب، حتى تدخل متطوعون لإنقاذها. وتناثرت جيف الطيور على مساحات كبيرة من الأرض الجافة المتشققة التي كانت قبل شهر فقط مخضرّة تزيّنها آلاف طيور النحام بلونها الوردي الزاهي. وهؤلاء المتطوعون الذين يجمعهم حب الطبيعة، اتفقوا على إنقاذ فراخ طيور النحام ونقلها، باستخدام وسائلهم الخاصة، إلى بحيرة مالحة أخرى حتى يكتمل نموها. "لتعود السنة المقبلة" أطلق طارق ومراد وعز الدين وأحمد حملة تطوعية شارك فيها سكان المنطقة لتسخير سياراتهم وشاحناتهم لنقل 283 طائر نحام إلى بحيرة المهيدية التي تبعد نحو 50 كيلومترا والتي سلمت من الجفاف بفضل الوديان التي تصب فيها، مع تنظيم دوريات لمتابعة حالتها. وقاد العملية المصور الهاوي طارق قواجلية الذي اعتاد توثيق الحياة البرية في منطقته، وهو كان أول من رصد تقلص حجم البحيرة وهروب الطيور منها. وقال طارق الذي قارب الخمسين من العمر لوكالة فرنس برس "اليوم نحن في منطقة المهيدية، أحضرنا إلى هذه البركة 283 فرخا من طائر النحام الوردي الكبير التي نُقلت من تنسيلت بعدما جفت". وتابع "نحن نقوم كذلك بدوريات صباحية ومسائية لمتابعتها حتى تتعافى وتتمكّن من الطيران لتعود السنة المقبلة إلى السبخة وتعود الحياة إلى طبيعتها إن شاء الله". وتأسف زميله مراد عجرود (53 عاما) قائلا "لم نستطع إنقاذ كل الطيور، لم نتمكن من حمل كل شيء". وقبل بحيرة تنسيلت، جفت البرك الصغيرة المحيطة بها، فنفقت أولى الطيور هناك وتناثرت جيفها. وانهمك عز الدين لعور (36 عاما) وهو واحد من فريق المتطوعين في عزل طائر مصاب عن المجموعة حتى يُنقل إلى عيادة بيطرية. وقال لوكالة فرنس برس "بقي لدينا هذا الطائر المصاب. لم نستطع تركه في الطبيعة بمفرده بهذه الحال، إذا يتوجب علينا أن نحميه وعندما يشفى، سنلحقه ببقية الطيور، وهذا العمل الجبار كله لم يكن لينجز لولا المساعدة التطوعية للدكتورة البيطرية التي أعانتنا". وتعد بحيرة تنسيلت المالحة من بين المسطحات المائية المنضوية تحت اتفاقية رامسار للأمم المتحدة (1971)، للحفاظ على المناطق الرطبة والتي انضمت الجزائر إليها عام 1984. وأحصت الأمم المتحدة 50 موقعا للأراضي الرطبة المحمية في الجزائر التي تضم في المجموع 2375 أرضًا رطبة، بسحب وزارة البيئة. والعام الماضي، شهدت بحيرة تيلامين بوهران (غرب) المصنفة أيضا ضمن اتفاقية رامسار، حادثة نفوق نحو 100 طير من النحام الوردي بسبب التلوث بمياه الصرف الصحي، بحسب ناشطين بيئيين. وبعد ساعات من الانتهاء من عملية نقل فراخ النحام الى موطنها الجديد، التحقت بعض الطيور البالغة بصغارها. وكتب طارق على صفحته في فيسبوك "تمت العملية بنجاح والتحقت الطيور بصغارها في مشهد جميل".
مشاركة :