على بعد 12 كم شمال محافظة اللاذقية في سوريا تحتضن منطقة رأس شمرا مدينة أوغاريت، عاصمة إحدى أهم الحضارات في الشرق القديم، حضارة صدرت للعالم أول أبجدية ومدونة موسيقية في التاريخ. وتظهر الأوابد الأثرية للمدينة التي اكتشفت بالصدفة عام 1928، والرُّقم التي ظهرت من خلال عمليات التنقيب حضارة مبدعة راقية متسامحة كانت قمة ازدهارها بين القرنين الرابع عشر والثاني عشر قبل الميلاد. وعلى الرغم من أن التنقيب المستمر منذ 95 عاماً لم يصل إلى 20% من هذه المملكة، إلا أنه أظهر أهمية رأس شمرا، حيث كشفت التنقيبات أن المنطقة تحتوي على حضارات يعود أقدمها إلى الألف الثامن قبل الميلاد، وأنها كانت مركزاً لأولى الثورات الزراعية في العالم. أهمية يقول المسؤول عن الموقع الباحث الدكتور غسان القيم، لـ«البيان»: «إن موقع مدينة أوغاريت يحظى بأهمية كبيرة لم يصل إليها أي موقع آخر في العالم، وقد اكتشف عام 1928 بالصدفة عن طريق فلاح كان يقوم بحراثة الأرض»، لافتاً إلى أن أعمال التنقيب مازالت مستمرة حتى الآن، وأن المكتشف من مدينة أوغاريت التي تبلغ مساحتها 36 هكتاراً يصل إلى 20 % فقط. وتابع القيم: «أعمال التنقيب المستمرة منذ نحو 95 عاماً أسفرت عن اكتشاف آلاف الرُّقم الفخارية، ومبان مدنية، وقصور ملكية، وشوارع، ومبان سكنية، ومعابد وسكن كهنة، ومنشآت حرفية، إضافة إلى مبان كانت تمثل أكاديميات لتعليم الناس اللغات التي كانت متداولة في ذلك الزمن، حيث كانوا يعدون سفراء ليجيدوا لغات الممالك الأخرى لتمثيل مملكتهم فيها». غسان القيم، المعروف في الأوساط العلمية باسم عاشق أوغاريت، تحدث عن أهم الاكتشافات، وقال: «إن أهم اكتشافات تلك الحضارة على الإطلاق هو اكتشاف أول أبجدية وأول مدونة موسيقية في العالم القديم حتى الآن»، لافتاً إلى أن تاريخ الأبجدية الأوغاريتية يعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حيث اختصرت إشارات تتراوح بين 600 إلى 800 إلى 30 حرفاً فقط. وتعتبر اللغة الأوغاريتية من أهم اللغات القديمة حيث تدرس في الكثير من الجامعات منها أكثر من 60 جامعة في أوروبا. وعن أقدم مدونة موسيقية، تابع القيم: «إن أنشودة العبادة الأوغاريتية (تم عرضها في إكسبو 2020 دبي) التي عثر عليها عام 1948 هي أقدم عمل موسيقي متكامل تم تلحينه في العالم، وتم اكتشافها في لوح احتوى كامل كلمات ترنيمة أغنية لنيغال آلهة الزراعة». وتابع: «عُثر في عام 1957 على 36 رقيماً طينياً تنسف إحدى المقولات التاريخية الكبيرة المغلوطة بأن عالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس هو من اكتشف الموسيقى في حين أنه اعتمد رموزاً أوغاريتية تشير إلى أقدم تنويط موسيقي». وأشار القيم إلى أنه تم العثور خلال التنقيب على رقم مثل القواميس كان يحتاجها المهتمون إذ تجد الكلمة باللغة الأوغاريتية ومقابلها باللغات الأخرى القديمة مثل الحورية، الحثية، وغيرها، وهذا الأمر فريد لن تجد له مثيلاً في الحضارات القديمة في العالم. وتشهد الوثائق الكتابية التي اكتشفت في أوغاريت على وجود ثماني لغات كانت متداولة في مملكتها وهي الأوغاريتية، الأكادية، الحورية، الحثية، اللوفية، السومرية، المصرية، والقبرصية. ثقافة التسامح أهمية أوغاريت تأتي من أنها كانت تحمل رسالتين الأولى الهداية والفكر والإبداع، والثانية رسالة السلام مع الشعوب المجاورة التي كانت ترتبط معها بعلاقات اقتصادية وتجارية مميزة. وتابع القيم: «إن الناس من الشعوب الأخرى التي كانت تزور أوغاريت كان لهم سكن ويحق لهم ممارسة معتقداتهم وسمح لهم الأهالي بإنشاء معابد خاصة بهم ولم يبخلوا عليها بتقديم القرابين». وأردف القيم: «إن أوغاريت كانت تتميز بعلاقاتها التجارية مع شعوب المنطقة إذ تم توثيق أكثر من 350 صنفاً للبضائع التي كانت أوغاريت تصدرها أو تستوردها». Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App