أبدى اقتصاديون مختصون تفاؤلاً حيال فرص نجاح الإصلاح المالي لدول مجلس التعاون، مبرزين جهود الإمارات لرفع الدعم عن الوقود وبرنامج ضريبة القيمة المضافة المنتظر فرضها على مستوى دول المجلس بحلول عام 2018، ورؤية السعودية 2030. وقالوا خلال الجلسة التي جمعتهم ضمن منتدى الشرق الأوسط لتطور أنظمة الضرائب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: إن برنامج ضريبة القيمة المضافة يعد خطوة أولى على المسار الصحيح للإصلاح المالي. أكد فينبار سيكستون الشريك في أرنست أند يونغ أن القطاع الخاص في الإمارات على درجة كبيرة من الاستعداد لطرح ضريبة القيمة المضافة، وأضاف أنها الأكثر استعداداً بين دول المجلس على هذا الصعيد. وبحسب سيكستون بدأت الشركات الخاصة في دبي تقوم بدراسات بالفعل حول تأثيرات فرض ضريبة القيمة المضافة في أعمالها. وقال إن الاستجابة أخذت وقت أطول في بقية دول المجلس لقصور في التواصل على هذا المستوى. وأضاف قائلاً إننا ما زلنا بانتظار رؤية ما سيتم التوصل إليه من اتفاق ليتسنى تقييم تأثيرات فرض الضريبة في القطاعات المختلفة. المسار الصحيح من جهته قال بيرت، مدير وحدة الضريبة، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن فرض ضريبة القيمة المضافة يعد خطوة أولى على المسار الصحيح لإصلاح النظم المالية لدول مجلس التعاون لافتاً إلى أهمية التوصل إلى توافق شامل على هذا المستوى. وقال إن فكرة الإصلاح المالي ضرورية لدول المجلس، وأن هذه كانت الرؤية دوماً على مدى السنوات الماضية لكن التراجع في أسعار النفط أسهم في زيادة الضغوط ودفع خطى الإصلاح على مستوى دول المنطقة، وقال إنه من المهم أن تتواصل هذه الجهود بعد ارتفاع أسعار النفط في الفترة القادمة. وأضاف قائلاً: لقد بدأت الشركات في المنطقة بدراسة تأثيرات تطبيق الضرائب الجديدة ويجب أن تقوم الحكومات بدور أكبر في نشر الوعي حول متطلبات المرحلة المقبلة. وفي هذا الإطار، لابد من الإشارة أيضاً إلى أن أنشطة الأعمال العابرة للحدود الإقليمية تشكل تحدياً لحكومات المنطقة من حيث كيفية احتساب النسب الضرائبية في كل دولة. وأشار ايغوين ماكيد، مستشار استراتيجي، منظمة التنمية والتطوير العالمي إيرلندا، إلى أن استراتيجية السعودية تتمتع برؤية نافذة وهي حتماً ستشكل نقطة تحول في سياسات إعادة الهيكلة على مستوى المنطقة مضيفاً أن جميع الوزارات الرئيسية في السعودية مستعدة اليوم للبدء بعملية تنفيذ هذه الرؤية. سياسات ضريبية موحدة من جانبه قال الدكتور احتشام أحمد، جامعة بون وجامعة لندن الاقتصادية: إن سياسات الضرائب الجمركية قد نالت حيزاً كبيراً من النقاش بين حكومات المنطقة خلال السنوات الماضية مضيفاً أن أنشطة الشركات وعملياتها العابرة للحدود ما زالت تشكل تحدياً كبيراً لدول المنطقة من حيث تطبيق سياسات ضريبية موحدة. وتحدث عن دولة الإمارات العربية المتحدة مشيراً إلى أنه يمكن أن نشهد ضرائب على مستوى الدولة خاصة أن الإمارات تتمتع بوضع خاص بكونها الفيديرالية الوحيدة في المنطقة. وأضاف: سوف تؤثر الضرائب الجديدة في الأسعار وسوف تؤثر الأسعار في الاقتصاد المنزلي. ولذلك، يجب أن نقوم باحتساب مدى هذا التأثير في المستقبل ولابد أن تكون السياسات الضريبية متوافقة مع استراتيجية النمو الاقتصادي المستدامة في كل دولة. إن إيجاد فرص عمل للشباب يبقى التحدي الأكبر في المنطقة العربية ولذلك يجب أن ندرس أيضاً تأثير الضرائب في القطاع الخاص الذي يسهم بشكل أساسي في خلق فرص العمل لهذه الفئة الحيوية للاقتصاد. ولفت احتشام أحمد إلى أن زيادة العائدات تعد جانباً واحداً فقط من تأثيرات تطبيق ضريبة القيمة المضافة، لافتاً إلى أن القرار له انعكاساته على أنماط الاستهلاك وعلى الأسعار. وبالتالي من المهم الربط بين تأثيرات الضريبة وبين استراتيجية النمو. وقال إن التحدي الرئيسي من وراء القرار يتمثل في تأثيره في التوظيف، لكنه عاد ولفت إلى أن فرض ضريبة محدودة لا يزيد معدلها على رقم من عدد واحد يكون فعالاً في تحقيق الأهداف الإيجابية المرجوة منه. وأشار جاستن ألكسندر، مستشار اقتصادي، وزارة المالية، قطر، إلى أن الإجراءات التي أعلنت عنها السعودية أمس سوف تأثر بشكل كبير في عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية في المنطقة مضيفاً أن قطر قد عمدت في الماضي إلى جمع رؤوس الأموال عبر السندات وهو ما يمكن أن نشهده في المستقبل أيضاً. إن تطوير نظم ضريبية حديثة واستمرار التعاون الإقليمي سيشكلان عاملين أساسيين في عملية تطبيق ضريبة القيمة المضافة مستقبلاً. وأكد الدكتور ناصر السعيدي، رئيس مكتب ناصر السعيدي الاستشاري، أن ضريبة القيمة المضافة لن تكون هي الحل الأمثل لمواجهة تراجع الإيرادات الحكومية نتيجة لتراجع أسعار النفط، حيث إن الإيرادات المتحصلة منها لن تزيد على 2% من إجمالي الناتج المحلي. ولفت إلى ضرورة أن يراعي أي نظام ضريبي يستهدف خلق الإيرادات عدم التأثير سلباً في القطاع الخاص باعتباره مساهماً رئيسياً في النمو الاقتصادي وعملية التنمية وخلق المزيد من فرص العمل، موضحاً أن الدول الخليجية أعلنت أن تطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة سيكون بنسبة 5% بدءاً من 2018، وكذا وضع سياسة إعفاء الضريبة على أكثر من 90 سلعة غذائية، إلى جانب قطاعات الرعاية الصحية والتعليم، إلا أن هناك عدم وضوح بشأن القطاعات الخاضعة والمعفاة من الضريبة وخصوصاً قطاع الخدمات المالية الذي يعد من القطاعات النشطة في دولة الإمارات. تنويع مصادر الإيرادات وفيما يخص تأثير الضريبة في المواطن الخليجي، أفاد السعيدي، بأنه سيكون لفرض ضريبة القيمة المضافة على الشركات أثر كبير، حيث إنه سينوع من مصادر الإيرادات الحكومية، ويقلل من الاعتماد على عوائد النفط لتمويل نفقات الحكومة، مرجحاً أن تستخدم الإيرادات الإضافية الناتجة عن الضريبة في تمويل برامج لتوفير فرص عمل للمواطنين، وتحسين قطاعي التعليم والرعاية الصحية في دول مجلس التعاون الخليجي. ومن جهته قال ماريو منصور، نائب رئيس قسم السياسة الضريبية في صندوق النقد الدولي، إن فرض تلك الضريبة يعد من الإصلاحات المالية المهمة التي تتخذها الدول الخليجية في ظل استمرار تراجع أسعار النفط. ضريبة إنتاج محددة قال الدكتور ناصر السعيدي، رئيس مكتب ناصر السعيدي الاستشاري، إن الضريبة الجمركية يمكن استبدالها بهيكلية ضريبة إنتاج محددة وذلك خاصة بعد تأثير انخفاض أسعار البترول في ميزانيات دول المنطقة. وقال: إن الرسوم الجديدة في كل من البحرين والسعودية يمكن أن تتحول من ضرائب جمركية إلى ضرائب إنتاج محددة. إن الهيكليات الضريبية الجديدة يجب أن تكون متناسقة ونتيجة لتعاون وثيق ما بين دول مجلس التعاون الخليجي وذلك بما يتناسب مع نظم الجمارك الخليجية الموحدة. إن الهيكليات الضريبية الجديدة تتطلب بناء إمكانات جديدة لإدارة عملية تسيير النظم الضريبية ولذلك فإن وجود إدارة مستقلة تحت إشراف وزارات الاقتصاد أصبح ضرورة في المرحلة المقبلة. إن تنفيذ السياسات الضريبية يجب أن يترافق مع معايير خاصة لحماية العوائد. كما أن توحيد نظم الرقابة سوف يسهم في تعزيز معايير الشفافية وتداول المعلومات ما بين دول مجلس التعاون الخليجي. وقال إن الدول الخليجية تواجه عجزاً في الميزانيات بسبب تراجع أسعار النفط منذ يونيو/حزيران 2014 وتراجع الإيرادات بالتبعية حيث وصلت نسبة العجز إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، مضيفاً أن الإيرادات النفطية شكلت نسبة تراوح بين 70% إلى 95% من العوائد الحكومية الإجمالية في الدول الخليجية خلال الفترة بين عامي 2011، و2014 في حين العائدات الضريبية من القطاعات غير النفطية لم تتجاوز نسبة 1,6% من الناتج المحلي الإجمالي. وأكد أن الضرائب التجارية تشكل في الوقت الحالي المساهم الأكبر في الإيرادات غير النفطية ولكنها تشهد تراجعاً نتيجة تراجع التعريفة الجمركية وإزالة الالتزامات تحت مظلة منظمة التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة الموقعة بين عدد كبير من الدول، مشيراً إلى أن توجهات الدول الخليجية في الوقت الحالي تركزت على فرض ضريبة للقيمة الموحدة في بداية عام 2018 من أجل ضمان مصدر مستقر من الإيرادات.
مشاركة :