آفاق جديدة لليمن بعد تحرير المكلا من الإرهاب

  • 4/27/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

صنعاء: الخليج تلقى تنظيم القاعدة في اليمن واحدة من أقوى الضربات التي أطاحت بأحلامه في ترسيخ نهجه وإقامة دولته في محافظة حضرموت، إثر المعركة الخاطفة التي قادتها قوات التحالف العربي والجيش الوطني اليمني، الأحد الماضي، بعد أن كان التنظيم قد بسط كافة أدواته في المكلا، وبدأ يديرها برجاله وهيئاته. فقبل عام ومع بداية محاولات الاجتياح المسلح للحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق لجنوب اليمن شهدت مدينة المكلا فرار ما يقارب من 300 من عناصر تنظيم القاعدة بينهم القيادي البارز في التنظيم خالد باطرفي من سجن حكومي، فاتجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى الرئيس المخلوع صالح باللجوء مجدداً إلى الاستخدام غير المشروع وغير الأخلاقي لورقة القاعدة لمواجهة تحديات الانحسار المتزايد لنفوذه، وقدرات القوات الموالية له والمتحالفة مع الحوثيين في إحراز تقدم ميداني يمكنه من فرض هيمنته مجدداً على الجنوب والسيطرة على عدن. بغض النظر عن الكيفية التي سقطت بها المكلا قبل عام، والملابسات التي أحاطت بسيطرة تنظيم القاعدة عليها، إلا أن الأمر الذي كان ماثلا للعيان أن سلوك التنظيم وإدارته بدأ يأخذ مجراه تدريجياً منذاك الحين، مع ازدياد مخاوف بتسيده تدريجيا في كامل المحافظة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا بعد تحرير المكلا؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتواصل الحملة ضد تنظيم القاعدة، الذي لم تتبخر عناصره، بكل تأكيد، خاصة بعد فقدانه لسلطات كان قد فرضها عنوة في توقيت يمني سيئ، تعبث فيه الميليشيات الانقلابية ببلاد فقيرة. الميليشيات التي كان في صالحها استمرار سيطرة القاعدة على مدن في الجنوب. وقد رفعت قوات دول التحالف العربي والحكومة اليمنية الشرعية شعار مكافحة الإرهاب في وقت ما زالت الميليشيات الانقلابية تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات أخرى وتقود العمليات العسكرية ضد الجيش الوطني والمقاومة. ومما لا شك فيه أن معركة تحرير المكلا لن تكون الأخيرة بالنسبة لقوات التحالف والجيش اليمني الوطني، لكن استمرار الحرب ضد الإرهاب والتنظيمات المتطرفة في هذا التوقيت، وفي مقدمتها القاعدة ستتطلب تكتيكا مغايراً لما استخدم في معارك تحرير عدن ولحج وأبين وأخيرا المكلا. معارك تحرير المدن والمناطق التي كانت تحت السيطرة المكشوفة لتنظيم القاعدة، كانت سهلة، مع توفر الإرادة السياسية والعسكرية للحرب ضد الإرهاب، لكن معارك مطاردة القاعدة في مناطق اختبائها المعلومة وغير المعلومة، ستكون هي الأصعب، خاصة بعد فرار عناصرها من المدن والمناطق المحررة، في ظل امتلاكها لقدرات غير عادية في المال والعتاد العسكري، استطاعت الاستيلاء عليه خلال فترة انقلاب الحوثي والمخلوع صالح على الشرعية في اليمن، فضلا عن تمكين الأخير لجماعات القاعدة الخاصة به من التحرك والاستيلاء على الأرض، منذ وقت مبكر وإبقائها تحت سيطرته خلال فترة الانقلاب، المستمر، على الشرعية. وحتى اللحظة لم تتضح الخطوات التالية لقوات التحالف والجيش الوطني اليمني في سياق الحرب على القاعدة، وما هي الخطوة القادمة لها بالتحديد بعد تحرير المكلا. وساطات من أجل المدن في مشهد الحرب على الإرهاب والتنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة تتداخل الكثير من العلاقات والأطراف، التي لعبت أدواراً مختلفة في رعاية تلك الجماعات خلال فترة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والذي وظفها في مراحل متعددة لترسيخ منظومة حكمه وما زال يستعين بها حتى اللحظة في انقلابه على الشرعية بمعية حليفه الحوثي. وفي الوضع الملتبس في اليمن من جهة تحالف القوى والجماعات ضد الانقلابيين في جنوب اليمن، دخلت الجماعات المتشددة ومنها عناصر تنظيم القاعدة في مقاومة ميليشيات صالح والحوثي، وباتت تنظر إلى نفسها كقوى ذات استحقاق نتيجة إسهاماتها في صد الانقلابيين، وهي معضلة ستنشأ في المناطق الشمالية لاحقا، حيث تجد حاضنات قبلية لها، فيما كانت العناصر المماثلة قد برزت على هذا النحو في المناطق الجنوبية، غير أن وجودها الطارئ في بيئة طاردة لها، جعل هزيمتها سهلة، إلا أن هناك مناطق محدودة في الجنوب لا تزال تشكل حاضنات ممكنة للعناصر الإرهابية وبعضها لم تغادرها كليا، بل انكفأت فيها، بفعل عوامل عديدة، حيث خرجت من المدن وفرت إلى أماكن مجهولة وأخرى معلومة في الجبال والمناطق الوعرة. لا يخفى على أحد أن وساطات لعبت دورا في خروج عناصر القاعدة من مدينة المكلا بعد الضربات الجوية العنيفة لطيران التحالف وبدء العملية البرية لتحرير المدينة، بهدف تجنيب السكان المزيد من مآسي القتال وتجنيب المدينة المزيد من الخراب، ويبرز هنا السؤال إلى أين خرج هؤلاء وبماذا خرجوا، لكنهم بكل تأكيد لم يخرجوا خاليي الوفاض! حصيلة عام كامل من السيطرة على المكلا كانت وفيرة لتنظيم القاعدة، ومنذ بداية استيلائهم على مقاليد الامور فيها، فقد تم تمكينهم، يوم 2 ابريل/نيسان العام الماضي بالتمدد في المدينة والإيعاز لقوات الجيش الانسحاب منها، آنذاك، بمبرر تجنيب السكان ويلات القتال والمدينة الخراب، وغيّر تنظيم القاعدة مسماه من أنصار الشريعة إلى أبناء حضرموت وتشكلت إدارة مشتركة للمدينة كان لعناصر القاعدة الحضور الأقوى فيها بالسيطرة الأمنية والمالية، وتُرك للوجهاء من المحافظة إدارة الخدمات. وخلال عام من حكم القاعدة للمكلا، حصل التنظيم على أموال كثيرة من عوائد سيطرته على ميناء المدينة وحركة التجارة واستيلائه على خزائن البنوك المحلية وتجارة المشتقات النفطية وتهريبها، ما وفر للتنظيم المندحر من المكلا إلى الصحراء في حضرموت وشبوة قدرات مالية كبيرة إلى جانب كميات الأسلحة التي استولى عليها من معسكرات الجيش طوال عام كامل، فيما كان قد حرك بعض الآليات العسكرية بحرية في المنطقة. الوساطات كانت أيضاً حاضرة في معركة تحرير محافظة أبين، فعند وصول قوات الجيش إلى منطقة الكود وخوضها مواجهات عنيفة مع عناصر القاعدة بالتزامن مع قصف عنيف لطيران التحالف على مواقع التنظيم والمنشآت الحكومية التي يتمركز عناصره فيها، وحينها وبفعل تدخل من أسموهم العقلاء أو قيادات قبلية، توقفت العمليات العسكرية في أبين، وكان الحال مماثلاً في مدينة الحوطة بمحافظة لحج، غير أن كل ذلك لا ينتقص من أهمية الانتصارات التي تحققت في هذه المدن على الإرهاب وعناصر تنظيم القاعدة، لكن هذه الوساطات أبقت على حيوات عناصر كثيرة من التنظيم ومكنتهم من الانتقال إلى مواقع جديدة. حال كهذا يؤمن الظهور المتجدد لتنظيم القاعدة في اليمن، في أوقات لاحقة، ويعكس شكوكا بتورط مراكز قوى قبلية ودينية وسياسية في هذا الأمر، وهنا يُتهم حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) أو قيادات دينية وعسكرية فيه، بالتدخل والوساطة لاخراج عناصر القاعدة من المدن، وبالتالي يكش نوعا من التبني للجماعات المتطرفة لتوظيفها عند الحاجة مع امكانية السيطرة على تحركاتها. لكن في المشهد الحالي يدخل عامل جديد قوي وحاسم وهو التحالف العربي الإسلامي ضد الإرهاب، ما يعني ان الأمر لن يكون كما كان في عهد المخلوع صالح ومنظومة حكمه، التي كانت تؤمن الظهور المتجدد لحضور وتهديدات تنظيم القاعدة في اليمن بالرغم من الحملات العسكرية المتكررة التي نفذتها وحدات عسكرية متخصصة في مكافحة الارهاب معززة بقوات من الجيش خلال العقد الاخير من سنوات حكم صالح، وهو الامر الذي كان يثير الشكوك في جدية القرار السياسي المتعلق بمكافحة تنظيم القاعدة ويؤكد تورط مراكز قوى سياسية ودينية وقبلية وأمنية وعسكرية مقربة من صالح في توفير الدعم اللوجستي اللازم لاستمرارية حضور القاعدة. وتبيان مضمون استراتيجية وتكتيك جديدين أو رؤية مغايرة لمحاربة الإرهاب ستجيب عليه الخطوات اللاحقة لقوات دول التحالف العربي والجيش اليمني، لا تتكرر معها خيبات الحرب ضد القاعدة الناتجة عن نهج صالح خلال سلطته المطلقة في اليمن، وتوظيف القاعدة لإطالة عمر حكمه، حيث كان يحرك جماعات القاعدة متى شاء وينومها متى شاء، بواسطة أجهزة المخابرات والأمن العليا الواقعة تحت سيطرته. الحملة العسكرية تحبط تمدد القاعدة صنعاء:الخليج دشن الجيش الوطني بدعم من قوات التحالف العربي، حملة عسكرية غير مسبوقة، تستهدف الحد من تمدد وانتشار الجماعات الإرهابية، ومن أبرزها تنظيم القاعدة في محافظات جنوبية وشرقية عدة. واعتبر الباحث اليمني المتخصص في دراسة ظاهرة تنظيم القاعدة عبده سيف أحمد اللساني أن الجماعات المتطرفة استغلت الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد لتمدد وتوسع من مناطق نفوذها. واعتبر الخبير في شؤون تنظيم القاعدة عبد السلام أحمد سالم الجماعي أن القاعدة انسحب بشكل لافت من مناطق عدة في المحافظات الشمالية، لاعتبارات تتعلق بعدم رغبة التنظيم في تكبد الخسائر. من جهته، أكد الناشط السياسي ناصر عبدالرحمن بامشموسأن المكلا كانت قد تحولت نتيجة لغياب الأجهزة الأمنية إلى منطقة نفوذ مغلقة لمسلحي القاعدة، قبل أن تسهم الحملة العسكرية الراهنة المسنودة في قلب المعادلة، حيث تم إنهاء وجود الإرهابيين، وتطهير كل مدن ومناطق ساحل حضرموت. من ناحيته أكد الخبير العسكري المتخصص بمكافحة الإرهاب العميد حسين عبدالرحمن الكينعي أن حملة تعقب موسعة لمسلحي القاعدة دشنت بمشاركة وحدات عسكرية مدربة، ودعم لوجستي من قوات سعودية وإماراتية، منوهاً في هذا الصدد إلى أن الحملة تستهدف مطاردة المتشددين إلى المناطق التي فروا إليها بمحافظة شبوة. وأشار العميد الكينعي إلى أن الحملة العسكرية الموسعة أحبطت في توقيتها مساعي وطموحات تنظيم القاعدة في إنشاء دويلات في محافظات حضرموت وشبوة.

مشاركة :