حاول متطوعون محليون إزالة كل أثر لحكم داعش في مدينتهم الجريحة تكريت، عندما عادوا إليها العام الماضي، لكن بعض مخلفات حكم هذا التنظيم الذي دام 10 أشهر يصعب شطبها. ويذكر أحد المتطوعين طلب عدم ذكر اسمه، أن سعي سكان تكريت للربط مع الشبكة الكهربائية للحكومة العراقية باء بالفشل الذريع، بحيث انهم عادوا إلى نظام الطاقة الذي تم ارتجاله أثناء سيطرة داعش على المدينة. ويضيف ضاحكاً: النظام المحلي الذي تم إصلاحه في ظل داعش يعمل بشكل أفضل من نظام الحكومة، لكن ما وراء هذا المزاح تقبع الحقيقة المزعجة. فقد شكل استرداد الأراضي من داعش الذي استولى على ثلث مساحة العراق في مرحلة من المراحل، تحدياً هائلاً، لكن مدينة تكريت تظهر بأن إعادة تأهيل هذه المناطق قد يشكل امتحاناً عسيراً. وقد أنفق التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى جانب الحكومة العراقية المليارات من الدولارات في سبيل الحاق الهزيمة بتنظيم داعش، لكن جهوداً أقل تم بذلها في عملية التخطيط لإعادة إعمار البلاد التي مزقت أوصالها هذه الجماعة. وتقول البنتاغون إنها أنفقت 6.5 مليارات دولار منذ عام 2014 على الجهود العسكرية لإخراج داعش من العراق، وفي المقابل، أنفقت 15 مليون دولار فقط على جهود فرض الاستقرار، مما يسلط الضوء على الخطر المتجدد، وهو أنه يمكن أن تفوز القوى الغربية بالحرب، لكنها تهمل ما يأتي في أعقابها. ويغرق العراق في أزمة اقتصادية، ومع اقتتال طائفي دموي متجدد يمكنه إشعال مشاعر الكراهية نفسها التي ساعدت داعش على الاستيلاء على المناطق حيث الأغلبية السنية، فإنه يمكن لمثل هذه المشكلات أن تحول الانتصارات العسكرية إلى هزائم عملية. المفارقة الكامنة بعد سنة من تحريرها، تجري الإشادة بتكريت بوصفها قصة نجاح في الحكم في المرحلة التي تلي داعش. بالنسبة للتكريتيين مثل عمر، هناك ما يدعو للاحتفال، فمن أصل 160 ألف شخص هربوا من المدينة، عاد حوالي 90% منهم، وهؤلاء يواجهون صعوبة في إعادة تأسيس البنى التحتية مجددا، فيما عمليات القتل الانتقامي تبقى نادرة. لكن بالنسبة لقوات التحالف والحكومة، فالمفارقة المتمثلة في الاعتماد على البنى التحتية من حقبة داعش تسلط الضوء على التحديات التي ما زال العراق يعجز عن مواجهتها. وتشكل صفوف من المنازل المنسوفة والسواتر الترابية تذكيرا ان كل شبر من الأرض تم الفوز به بصعوبة، وتذكيراً أيضا بالمدة التي سيستغرقها إعادة البناء. وانخفاض عائدات النفط الخام وضع العراق على شفا الانهيار المالي. ندوب كثيرة وأبعد من إعادة الأعمار، قد يكون الشفاء من الندوب النفسية والتوتر الطائفي التي أحدثها داعش أكثر صعوبة. وبرغم التوتر، فإن الرغبة في العودة إلى الديار واضحة في أنحاء العراق، حتى عندما لا يكون هناك منزل للعودة إليه. في الأدهمية، تعيش أم ماهر بالقرب من كومة من الركام كانت منزلها فيما مضى. في الليل، تنام في مقطورة بلاستيك مع زوجها وأطفالها الخمسة. وفي النهار، تفتش بين الأنقاض بحثا عن قطع مواد يمكن إنقاذها، بأمل أن تتمكن العائلة في يوم من الأيام من إعادة بناء المنزل. ويحض أعضاء البرلمان من السنة مثل عدنان الجنابي من محافظة بابل الحكومة للقيام بالمزيد لمساعدة الناس للعودة إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش. ويقول: ما لم يشعروا بأننا حكومتهم، وبأنهم شعبنا، سوف ينتهي بنا المطاف في دفعهم للتعاطف بصورة أكبر مع داعش بدلاً من محاربته. قبل أن يسمح للتكريتيين في العودة، خشي العديد منهم أن تكون هناك موجة من الاقتتال الطائفي للانتقام من مجازر داعش. يقول زيد العلي: تعتبر تكريت قصة نجاح رائعة وفقا لتلك المعايير. الكل كان لديه سيناريوهات يوم القيامة، ولم يحدث أي شيء من هذا القبيل، لكنه يحذر من أن تكريت ليست بارومتراً لمناطق أخرى من العراق. فالناس على تواصل سياسي واقتصادي جيد مع العاصمة، بالمقارنة مع مناطق سنية أخرى، وحتى في تكريت، هناك مؤشرات على مشكلات مستقبلية ما زالت قائمة تحت السطح. تكاليف هائلة يقول المسؤولون إنهم بحاجة إلى ما بين 6 إلى 10 مليارات دولار على شكل قروض لتغطية الميزانية لسنة. وما زال يتعين على الحكومة المركزية تمويل مشاريع إعادة إعمار البلاد، وبدلاً من ذلك تتولى الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والسكان المحليون دفع الفاتورة. وقد أنفقت الأمم المتحدة 8 ملايين دولار لمساعدة تكريت بإعادة بناء البنى التحتية الأساسية، لكنها تقول إن الكلفة الكاملة للتدمير لا يمكن احتسابها. وبعض أعضاء البرلمان يقولون إن بلدات أصغر حجماً قرب تكريت يمكن أن يكلف إصلاحها حوالي 10 مليارات دولار، وهذا الأمر يثير مخاوف أولئك الذين ينظرون إلى ما ينتظرهم بعد الاستيلاء على الموصل.
مشاركة :