بعد قراءة سريعة لما جاء في رؤية المملكة العربية السعودية 2030، ومتابعة لقاء سمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان؛ أشعر كما شعر غيري بتفاؤل في المستقبل، حتى إن كانت الرؤية لا تزال على الورق، وتتطلب توفير كثير من الوسائل المناسبة، وتبنيها على المستوى الشعبي، واستكمال النقاط التي طُرحت باقتضاب في الرؤية. أما سبب تفاؤلي فهو أن هذه الرؤية عبرت عن طموحات كبيرة لكنها لم تبتعد عن المنطقية، ولعل ذلك نتيجة بناء أغلب ما جاء في الرؤية على قواعد اقتصادية ومتطلبات الواقع المعاصر، بعيدا عن التذرع بالخصوصية وغيرها من الأعذار التي بررت تعثر كثير من المبادرات السابقة. صحيح أن الرؤية التي تم إعلانها لم تتضح بعض ملامحها الإنسانية التي تتعلق بالشق الاجتماعي الثقافي، والدور الإعلامي الذي يجب أن يكون محورا مهما في التغيير والاستثمار الوطني، إلا أن من عوامل القوة التي يمكن أن تحسب للرؤية هي ارتكازها على المحرك الاقتصادي القابل للقياس وتحقيق العوائد المالية وغير المالية إذا ما أحسنت إدارته. الأمر الآخر الذي يستحق الاهتمام هو ارتكاز الرؤية على مبدأي الشفافية وحوكمة القطاع الحكومي، ذلك أن قصور هذين العاملين تسبب لسنوات طويلة في عزل الاقتصاد السعودي عن الاستثمار العالمي من جانب، ومن جانب آخر مثلا شوارع خلفية لممارسة الفساد والتعدي على المال العام. من اللافت أيضا، أن سمو الأمير محمد بن سلمان خلال لقائه التلفزيوني المختصر تحدث بصورة عالية الشفافية عن قضايا لم تكن في الماضي القريب تُطرح في الإعلام، حتى وهي تناقش أحيانا في وسائل التواصل الاجتماعي مثل عدم وضوح البيانات المالية لشركة آرامكو، أو عدم كفاءة الصرف في مؤسسات وزارة الدفاع. اليوم، نحن أمام رؤية جديدة، تحمل معها طموحات عديدة فيما يتعلق بالصندوق السيادي، والتحول للاستثمار في الطاقة المتجددة وجذب العقول البشرية والاستفادة من العمقين العربي والإسلامي للمملكة، وهو ما كنت وكثير من الكتاب السعوديين قد طرحناه على سبيل التمنيات في مناسبات ماضية. مثل هذه الرؤية الوطنية هي رهان كبير يتطلب الكثير من العمل والتضحيات؛ لترجمة الرؤية إلى واقع ملموس، خلال العقد الحالي والقادم، إلا أن الأهم من ذلك هو تحويل هذه الرؤية إلى قناعة يعتنقها المواطن؛ ليشارك في تحقيقها من خلال خياراته الفردية، وسلوكه الاجتماعي والاقتصادي. تحويل هذه النظرة المستقبلية المكتوبة بلغة استشراف المستقبل ومقاييس تبدو بعيدة المنال تحتاج إلى أن تصبح جزءا من طموح الطالب السعودي، وحياة الأسرة السعودية، وخطط رجل الأعمال والمنصب العام، ليقوم كل فرد بدوره المطلوب في ضوء الأهداف الإستراتيجية التي من المنتظر أن تُبنى على هذه الرؤية. مثل هذا الأمر يحتاج إلى تفعيل الإعلام الداخلي، بما يمكنه أن يواكب هذا النوع من الطروحات، ويناقش بمساحة كبيرة من الحرية مراحل التنفيذ، ليكون مساهما في حماية الرؤية وأهدافها، وسلطة رقابية على المشروعات الوطنية المنتظرة، وكذلك أدوات الإعلام الدولي لتحقيق الأهداف الاستثمارية. هذا الأمر يتطلب أيضا دورا كبيرا للتعليم في تخريج كفاءات وطنية قادرة على تنفيذ هذه التوجهات، لا سيما الاندماج والتفاعل على المناخ الدولي الذي تسعى المملكة لتكون أكثر اندماجا فيه، كما أن التعليم العام عليه مسؤولية ترجمة هذه الرؤية من جانب الإصلاح التعليمي المنتظر، ومن جانب تدريس توجه المملكة ضمن المناهج العامة، لتلهم الطلاب في اختيار تخصصاتهم وتشكيل قناعاتهم حول المستقبل. إحدى النقاط المهمة هي أن تكون الأبعاد الاجتماعية والثقافية جزءا رئيسا في تشكيل مستقبل المملكة، فبعض التجارب الخليجية التي بُنيت فقط على منظور اقتصادي فرغت بعض المدن الخليجية من المجتمع الوطني، وهو يشكل تحديا جديدا لتلك الدول على المدى البعيد. الرؤية السعودية -من وجهة نظري- جاءت بما يفوق التوقعات في جوانب هامة، وتحتاج بالتأكيد إلى برامج عمل تعكس ذات الإرادة والكفاءة والمصداقية التي حفلت بها.
مشاركة :